منذر بن عبدالله بن سعيد السيفي
منذر بن عبدالله بن سعيد السيفي
روضة الصائم

وداع رمضان

11 مايو 2021
11 مايو 2021

الدهر يمضي ولا يعود، وأن أيامه تجري تباعاً بلا سكون خيرها وشرها وحلوها ومرها والحياة فرصة واحدة إذ لم تستغل فيما ينفع فلن تعود فالزمان يركض بأصحابة والأيام تمر مر السحاب.

لكل شيء إذا ما تم نقصان

فلا يغر بطيب العيش إنسان

وهذه الدار لا تبقي على أحد

ولا يدوم على حال لها شأن

قبل أيام قلائل استقبلنا شهر رمضان بشوق وتلهف، رغم الإجراءات المتخذة من قبل اللجنة العليا المكلفة بمتابعة انتشر فيروس كورونا إلا أن شهر رمضان له لذته ونكهته الخاصة به رغم اختفاء كثير من العادات والتقاليد، وتجمع الأهل والأصحاب في ظل هذه الجائحة التي بسببها عطلت صلاة التراويح ومنعت التجمعات ومع هذا وقيدت الحركة حفاظاً على سلامة الناس من استفحال المرض وانتشاره وذاك هناك من وجد سلوته فبقي معتكفاً مع كتاب الله تعالى رطباً لسانه بذكر المولى عز وجل، متدارساً مع أولاده وعياله فنون العلم وشتى وسائل المعرفة بل إن تقييد الحركة استغله السالكون إلى الله في شتى أنواع العبادة وتقربوا إلى الله بصنوف القروبات فالسعيد من استغل أوقات رمضان وخرج وقد غفر له والشقي من خرج عنه رمضان ولم يغفر له، وقد علمنا رمضان أن الإنسان ضعيف الحال مهما كانت قوته وعظم سلطانه فقد بعض ما تعود عليه في السنون الماضية من تجمعات وصلاة التراويح، والاعتكاف في الأيام الأخيرة من رمضان، وكل ذلك البلاء من الله لهذا الإنسان ليعود إليه ويستغفره فقد خاطبه بقوله (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفحلون) وما أنفع تلك الأيام ونفوس المؤمنين مجدة وأعيونهم دامعة، وأكفهم ممدودة إلى السماء وأقدامهم منصوبة بين يدي أرحم الراحمين.

وفي نهاية الشهر يكون الأجر والثواب لمن صام رمضان أيماناً واحتساباً فمن وفي عمله وفي له أجره، ومن قصر حصد نتيجة تفريطه ندماً

غداً توفى النفوس ما كسبت

ويحمد الزارعون ما زرعوا

إن أحسنوا احسنوا لأنفسم

وإن أساء وفبئس ما صنعوا

وها نحن نودع صحفية رمضان إلى سجل الذاهب، ولا ندري هل سندرك رمضان القادم أم أن هادم اللذات سيأخذ أرواحنا ويأفل بدر هذه الليالي المشرقة نودعها وقلوبنا حزينة على وداعه، ونفوسنا متلهفة على بقائه ولكن هذه هي سنة الحياة ترحل الأيام، وتمضي الساعات، وتقضى الأعمار

وداعك مثل وداع الربيع

وفقدك مثل افتقاد الديم

عليك السلام فكم من وفاء

نفارقه منك أو من كرم

وقد كان السلف الصالح – رضي الله عنهم ـ يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده (والذين يؤتون ماء أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) وقال الحسن البصري (أبى قوم المداومة والله ما المؤمن بالذي يعمل الشهر أو الشهرين أو عاماً أو عامين، والله ما جعل لعمل المؤمن أجل دون الموت ثم قرأ قوله تعالى ((واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)) وقد شرع الله تعالى بعد ختام شهر الصيام عبادات عظيمة ومنها زكاة الفطر وتسمى زكاة الأبدان، وهي فريضة فرضها الله تعالى، وقربة يتقرب بها الصائم خشية التقصير وسنة واجبة سنها الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم على الصغير والكبير والذكر والأنثى فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم فيما ترويه السيدة عائشة رضي الله عنها (سن لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير) وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد، وتجب هذه الزكاة على المسلم وعلى من تلزمه نفقته بغروب الشمس ليلة العيد ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، وأفضل أوقات إخراجها يوم يخرجها قبل يوم، ويومين وقبل غروب الشمس حيث إن الأوضاع الحالية لا تتيح لمخرج زكاة الفطر من الحركة بعد الإفطار وعليه يجوز أن يخرجها قبل الغروب، وإن كانت عنده المقدرة وعدم التفريط في إخراجها في وقت الصباح بعد أن يصلي العيد في بيته إن أمكنه ذلك مع أولاده وأهله فقد منعت اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيدا 19) التجمع لأدى صلاة العيد والدين يسر والحمد لله جاء في الحديث (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) والواجب فيها صاع على كل مسلم وتقدر حوالي كيلوين وأربعين جراماً من البر النظيف وتخرج من طعام البلد: من البر أو الشعير أو التمر أو الزبيب أو الأقط لقول أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – كنا نخرج زكاة الفطر ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا عن كل صغير وكبير حر ومملوك من ثلاثة أصناف صاعاً من تمر، صاعاً من أقط ، صاعاً من شعير فإن عدمت هذه الأصناف جاز للمسلم أن يخرجها من غالب قوت البلد، وأهلها المستحقون لها هم الفقراء والمساكين دون سائر بقية المستحقين الذين ذكرهم الله في كتابه العزيز بقوله (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) والواجب أن يخرجها في البلد الذي يعيش فيه، يتفقد فيها المساكين من أقاربه وجيرانه وأصحابه، ويجوز أن تقسم زكاة الفطر إلى عدة فقراء ولا يشترط أن تعطى فقير واحد، كما شرع الله لعباده في أيام العيد التكبير جهراً من غروب شمس ليلة العيد إلى أن يخرج الإمام للصلاة قال تعالى (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم (أنه كان يكبر يوم الفطر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى) وكان الصحابي عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد) ومن السنة أن يجهر الرجال التكبير فرادى في المساجد والأسواق والبيوت والطرقات ، إعلاناً بتعظيم الله ، وإظهاراً لعبادته وشكره، وتسر به النساء وللأسف الشديد فقد بدأ بعض الناس هجران هذه السنة العظيمة نتيجة انشعالهم بالعيد والإستعداد له بمجر إذاعة خبر هلال شهر شوال فينشغلون عن ذكر الله وطاعته وتكبيره وحمده والسعيد من وفقه الله تعالى لإحياء هذه السنة ولم تشغله الشواغل عن ربه تعالى فما أجمل حال الناس وهم يكبرون الله ويحمدونه على أن بلغهم هذه الأيام الغرر يرجون رحمة الله ويسألونه القبول والرضى ويسألونه العافية على ما مضى من تقصير ولذكر الله تعالى فوائد جمة ينبغي للإنسان أن لا يفرط فيها وإنما يستغل وقته فيما يرضى الله تعالي، مكثراً من ذكر الله مسبحاً أياه.

قال تعالى (واذكروا الله ذكراً كثيراً) ونسأل الله تعالى أن يرفع عنا وعن الإنسانية جميعاً الوباء والبلاء وسائل الأسقام والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.