روضة الصائم

نذهب لمدرسة تحفيظ القرآن الكريم منذ الصباح الباكر ونقوم هناك بإشعال النار للتدفئة

27 أبريل 2022
ذكريات الشهر الفضيل
27 أبريل 2022

يونس العبري يستذكر تحول المطاحن من الأداة الخشبية والحجرية إلى الآلات الحديثة

«كنا نرافق آباءنا وأهلنا من كبار السن في أداء مختلف الأعمال التي تكون لنا مصادر الرزق منها الاحتطاب وجلب الحشائش والعمل في المزارع» بهذه العبارة بدأ الوالد يونس بن سعيد بن خميس العبري من مسفاة العبريين حديثه عن ذكريات رمضان وكيف كانوا يؤدون العمل في شهر رمضان في فصل الشتاء وسط البرد القارس والرياح.

وأضاف: «هذه الأعمال يتم إنجازها على مدار العام، فعندما يصادف دخول شهر رمضان في فصل الصيف نواجه الحرارة الشديدة ونقضي فيه العمل ويستمر أكثر في أشهر الشتاء وتكون البرودة شديدة خاصة إذا صادف هطول أمطار ورياح فكان أغلب العمل في المناطق الجبلية الباردة.

وبيّن أنهم يبدأون العمل قبل الفجر أحيانا حتى نستطيع العودة إلى المنازل مع بداية النهار وكذلك العمل في الزراعة، حيث حضور الفلج وري المزارع على مدار اليوم، فعندما يصادف ري المزروعات ليلا يكون أصعب في ليالي الشتاء لعدم وجود أغطية تحمينا شدة البرد ولكون مسفاة العبريين منطقة جبلية يكون البرد فيها أكثر شدة لكننا نقاوم لكي ننجز العمل لأنه لو تخلفنا عنه وتركناه سنواجه العقوبة من الآباء. وعن قراءتهم للقرآن في أيام الشهر الفضيل يقول: «كذلك نذهب لمدرسة تحفيظ القرآن الكريم منذ الصباح الباكر ونقوم هناك بإشعال النار للتدفئة مثلما يعمل الآباء في المساجد، حيث يتم تخصيص مكان لإشعال النار فبعد إتمام عملية الوضوء بالماء البارد من الفلج يدخل مكان إشعال النار والذي يسمى (البرادة) حتى قبيل إقامة الصلاة.

وكنا نحضر إلى السوق في مركز الولاية مشيا على الأقدام ونحن نحمل على رؤوسنا المنتجات الزراعية كالموز ذي الحجم الكبير والسفرجل والبالنج والكيذا والتين والعنب والخوخ والليمون وغيرها، حيث تشتهر مسفاة العبريين بأجود المنتجات الزراعية كالفواكه والحمضيات.

ويقول يونس العبري: «كنت أشاهد في مركز الولاية ممارسة الكثير من الحرف والصناعات التقليدية التي يقوم بها المختصون في هذه المهن والتي من بينها صياغة الحلي والنجارة الخشبية والأواني الخزفية ودباغة الجلود وصناعة الأثاث وصبغ الملابس بالنيل وهي مادة تجعل الملابس تتلون باللون الأخضر الغامق، ويكون هذا في الغالب للملابس النسائية وغيرها من الحرف التي كان الناس يحتاجون إليها في حياتهم اليومية وكنا نعود إلى البلدة قبيل المغرب ونفطر في الطريق، حيث نحمل الزاد والماء في أوعية جلدية، وكانت تشدني بعض الحرف التي تمارس في مركز الولاية.

الطاحونة والعمل بها

وقال يونس العبري: كانت طواحين الحبوب عبارة عن أداة مصنوعة من الخشب وأيضا قطعة من جذوع النخيل يتم حفرها لتستوعب كمية من الحبوب ويتم الضرب عليها بواسطة مضرب خشبي كبير وكانت الأداة الحجرية في طحن الحبوب هي السائدة الأكثر، حيث توجد في كل حارة أماكن مخصصة توضع فيها طاحونة أو أكثر وكانت النساء تقوم بهذا العمل إلى أن جلبت للولاية أول آلة حديثة لطحن الحبوب، وكان ذلك قبيل عهد النهضة بعام أو بعامين تقريبا وكانت تدار بآلة تشبه طريقة رفع الماء من الآبار إلا أن «السير» الذي يربط بين الآلتين كان عريضا قليلا عما هو في آلة رفع الماء وكانت هذه الآلة غريبة بالنسبة لنا فهي أول آلة يتم إحضارها للولاية عن طريق الشيخ عبدالله بن مهنا العبري، فبدأ الناس يعتمدون عليها وكانت على مستوى ولايتي الحمراء وبهلا. وأول من عمل فيها الوالد محمد بن هلال العبري وكان سمحا كريما يستقبل الناس بصدر رحب وكان يواصل العمل في طحن الحبوب طوال النهار ويغلق قبيل المغرب لعدم وجود كهرباء ولا إضاءة تساعده على العمل ليلا وتكون ذروة العمل قبيل قدوم الأعياد فكان يشدني الفضول لأن أتعرف على هذا العمل حتى بدأ التوسع في إحضار الطواحين على المستوى التجاري بعد بزوغ فجر النهضة المباركة، حيث الانفتاح على العالم وإيجاد فرص الالتحاق بالأعمال المختلفة والتوسع في المجالات التجارية والصناعية والحرفية.

نجاح العمل في مجال الطواحين

وأوضح يونس العبري بقوله: «بعد إحالتي للتقاعد فكرت في إيجاد مشروع تجاري يدر لي دخلا آخر أستند عليه لتوفير متطلبات الحياة المتزايدة، فتذكرت أقدم طاحونة وردت إلى الولاية ومدى الإقبال عليها في ذلك الوقت وكان الناس قليلين، فكيف بنا في هذا الوقت والتوسع السكاني الذي شهدته الولاية فسعيت إلى أن أقيم محلا تجاريا تكون الطواحين أساسه، حيث خصصت محلا للطواحين وتوسَّعت في الفكرة في أن أجعل لكل نوع من الحبوب والبهارات والقهوة والهيل مطحنة خاصة، فحالفني النجاح والاستمرار في هذا العمل الذي لا يتطلب جهدا كبيرا، حيث تدار الطواحين بالكهرباء مع وجود الدعم والاهتمام والتسهيل من الجهات المختصة.