No Image
روضة الصائم

ناصر الشريقي: رؤية الهلال في الصيف عند حصن القرية وفي الشتاء على قمة الجبل

22 أبريل 2022
ذكريات الشهر الفضيل
22 أبريل 2022

أجر العامل خلال اثني عشر يوما تساوي قيمة شراء «الوزار»

كنا نذهب للجبل الأخضر ونزوى سيرا على الأقدام

«ليس عندي تاريخ دقيق عن ميلادي ولكني متيقن أنني جاوزت الثمانين عاما ولا يوجد في القرية من هو في سني فكلهم رحلوا إلى جوار ربهم رحمهم الله»، بهذه العبارات سرد لنا الوالد ناصر بن محمد بن راشد الشريقي الذي يسكن في قرية مسفاة الشريقيين بوادي بني خروص.

ويكمل هذا الرجل البشوش قوله: عايشت كل من الشيخ سليمان بن حمير النبهاني والشيخ زهران بن محمد الحراصي- رحمهما الله تعالى- فقد كانا على تواصل مستمر مع والدي- رحمه الله تعالى- وأضاف ولدت وتربيت في هذه القرية أنا وإخوتي في كنف ورعاية والدي ثم تزوجت وأنجبت أربعة أولاد ولله الحمد نعيش حياة كريمة وهانئة وكل أولادي تزوجوا واستقروا وأحوالنا طيبة.

ويستعرض الوالد ناصر سيرته منذ الطفولة فيقول: منذ طفولتي لم أغادر القرية ولم أسافر خارج السلطنة وحالتي الصحية جيدة- ولله الحمد- ويضيف: يوجد من هم أصغر مني سنا ولكنهم وللأسف يعانون من أمراض العصر وأسأل الله تعالى لهم الشفاء العاجل، وأنا بفضل الله ومَنِّه وكرمه في صحة جيدة وآخر فحوصاتي الطبية مطمئنة وأشكر الله- سبحانه وتعالى- على ذلك، وعن سر البشاشة التي لا تفارق محياه ويلتقي بها الناس يقول: هذه إحدى النعم التي منّ الله تعالى بها عليّ ولا شك أن ملاقاة الناس بالبشر والانشراح تشرح الصدور وتؤنس الضيف، ولا أذكر أني حقدت أو زعلت على أحد ولله الحمد أعيش مرتاح البال مطمئن النفس.

وعن أول شهر رمضان صامه يقول: كنت قد بلغت عشر سنوات وبأمر من والدي الذي حرص على تعليمي القرآن الكريم فالتزمت بأداء الصلاة والصيام خير قيام وأسأل الله القبول وأن يختم أعمالنا بالصالحات، وقد تعلمّت القرآن الكريم حتى ختمته وذلك على يد المعلم سالم بن سويلم الشريقي ومعلم آخر اسمه جعروف الشريقي وقد تعلمت مع مجموعة من أبناء القرية في مدرسة القرآن الوحيدة الموجودة بالقرية وكان المعلم يأخذ أجره من الوقف المخصص للمدرسة للتعليم وعند انتهاء كل طالب من ختم القرآن يكافئه وليّ الأمر بمبلغ بسيط لا يتجاوز خمسة قروش والبعض لا يستطيع أن يدفع لقلة ما في اليد وحاجة الناس الكبيرة آنذاك.

وعن كيفية معرفة هلال شهر رمضان أو الأول من أيام عيد الفطر المبارك يقول: في وقت الصيف تتم رؤية الهلال هنا عند حصن القرية بعد أن يجتمع عدد من الأهالي هناك ممن يستطيعون الرؤية ويتصفون بقوة البصر، أما في الشتاء فيصعدون إلى الجبل المقابل لنا والذي يقع أعلى من قرية (بديّ) وعند رؤيتهم للهلال يطلقون النار لإبلاغ الأهالي وبقية القرى تباعا وكل قرية تسمع الصوت تبادر بإطلاق النار لإبلاغ القرية التي تليها وهكذا حتى يصل الخبر إلى جميع قرى وادي بني خروص، وقال: إن سماع صوت بندقية في وقت رؤية هلال الشهر يعني الرؤية ولهذا يحرص الناس أن لا يطلقوا النار في ذلك الوقت حتى لا يختلط الأمر على الآخرين فيظنوا أنهم رأوا الهلال وقد يحدث هذا الخطأ أحيانا.

وأضاف: في شهر رمضان المبارك وفي هذه القرية بالذات يتناول الرجال الفطور عند مسجد (الحيل) ونوع الفطور عبارة عن (تمر وقهوة وماء فقط) ونفطر هناك لنكون قريبين من المسجد فنؤدي صلاة المغرب مباشرة، وكان هو المسجد الوحيد بالقرية ويقع في الجانب الشرقي منها محاطا بالحقول الخضراء والزراعة، وبعد صلاة المغرب يرجع الناس إلى منازلهم فيأكلون ما تيسر لهم من الطعام وكان قليلا جدا وليس كما هو الآن فالموائد تمتلئ بما لذ وطاب من المأكولات والفواكه، وعن كيفيّة تخزين ماء الشرب لانعدام الثلاجات والخزانات في ذلك الوقت، يقول: تقوم النساء بجلب ماء الشرب والطهي والغسيل من الفلج ويحفظ في أوان معدنية أو فخارية، أما الرجال فكانوا يحملون قربة الماء إلى الفلج ويملؤونها بالماء ثم ينقلونها إلى السبلة التي يجلس فيها الأهالي ويشربون منها أثناء اجتماعهم (والقربة بفتح القاف هي نفس تفاصيل صناعة السعن لكنها أكبر حجما وتتسع لكميّة مياه أكثر).

ويعود الوالد ناصر بذاكرته إلى شدة الغلاء الذي كان يعانيه الناس فيقول: اشترى والدي قطعة قماش (وزار) من سوق نزوى قياس أربعة أذرع (مفردها ذراع وهو أحد القياسات المعروفة وهو بطول ذراع اليد) بقيمة قرشين والقرش يساوي مائة وعشرين بيسة وكان وقتها إيجار العامل عشرين بيسة في اليوم ما يعني أن أجر عامل خلال اثني عشر يوما يساوي قيمة ذلك الوزار، وكان البعض لا يملكون إلا الدشداشة التي يلبسونها وبعض الملابس يتم ترقيعها وإعادة خياطتها لتمزقها أكثر من مرة عندما تتمزق لعدم وجود البديل وكان اعتمادنا على الخياطة المحلية اليدوية وهي بالخيط والإبرة.

وحول مظاهر العيد يقول الوالد ناصر: أهم ما في مظاهر العيد هي الزيارات المتبادلة بين الناس وإظهار روح التسامح وبيان الألفة والمودة والمحبة بين الجميع فالنفوس راضية والقلوب قريبة من بعضها وطالب الناسَ أن لا يقتصر سؤالهم عن بعضهم البعض بالهاتف وإنما بالتواصل المباشر وبالزيارات وليس فقط في الأعياد وإنما طوال العام خاصة للأقارب والأرحام، وأخيرا يذكّر الناس بالنعم التي نحن عليها الآن ويدعو الجميع للحفاظ عليها وعدم الإسراف في الأكل والملبس وأن نجعل نصب أعيننا أن من رزقنا يستطيع أن يحرمنا وأن هناك ملايين البشر حرموا من أبسط النعم التي نتمتع بها نحن ونسأل الله تعالى الصحة والعافية وأن تظل بلدنا الغالية سلطنة عمان في أمن وأمان واطمئنان وأن يحفظ مولانا السلطان ويبارك في عمره.