65656554
65656554
روضة الصائم

محمد بن هلال العبري: كنا نبني البيوت الطينية تحت أشعة الشمس الحارقة ونكتب فوق عظمة كتف الجمل.. ونصنع الحبر من الفحم والصمغ العربي والماء

24 أبريل 2022
مهنيون بالحمراء يستذكون ممارسة أعمالهم خلال الشهر الفضيل
24 أبريل 2022

عملت في بناء المنازل لحارة الحمراء القديمة التي نعمل على تخطيطها قبل البدء في البناء كما هو حال المهندس في الوقت الحاضر بهذا الحديث الشيق، بدأ الوالد محمد بن هلال بن حبيب العبري حديثه عن المهن التي امتهنها في مسيرة حياته الزاخرة بالذكريات فهو يقول: كنت أعمل في مجال الزراعة والتي تتطلب بذل جهد كبير خاصة في شهر رمضان الذي يصادف كثير من الأحيان في أيام الصيف الحارة.

وعن أشكال البيوت التي كانوا يبنونها في السابق فقد قال: تلك البيوت تختلف من شخص إلى آخر، فالناس الميسورون يطلبون منا بناء منازل مستمدة من نمط القلاع أو الحصون حيث تتداخل الغرف والممرات والمداخل والمخارج في بعضها البعض والزائر اليوم إلى بيوت حارة الحمراء القديمة ينتابه الإعجاب بتلك الإنجازات التي بقيت صامدة أمام العوامل الطبيعية كالرياح والأمطار وحرارة الشمس.

وأضاف: في وقت الصيف كنا نواجه صعوبات كثيرة أثناء تأدية العمل في نهار رمضان حيث لا توجد في الماضي كهرباء والاعتماد فقط على نسمات الهواء عندما تكون أجسادنا وملابسنا مبللة بالعرق وتأتي تلك النسمات وإن كانت ساخنة لكنها هي تجفف ملابسنا وتمد أجسادنا بالبرودة فتخفف من وطأة الحر. ويضيف الوالد محمد العبري قائلا: كانت الحياة في الماضي قاسية فأغلب الأعمال تنجز بالقوة الجسدية كجمع الحطب من المناطق الجبلية وإحضار الأعلاف الحيوانية والنباتات من المناطق الجبلية ومن السهول المنبسطة لكنها في أماكن بعيدة تتطلب الاستعانة بالدواب خاصة الحمير المستخدمة في ذلك الوقت فالذي يملك واحدة من الدواب لتساعده في إنجاز عمله فهو يملك الكثير، وكانت الحمير والثيران المستخدمة في الأعمال الزراعية غالية الثمن.

وأوضح العبري أنه تعلم في مدارس تحفيظ القرآن الكريم وكانت الأداة التي نقوم بالكتابة عليها هي كتف جمل مع صناعة الحبر من بقايا النار (الفحم) مع الصمغ العربي والماء وكنا نستخدم القلم المصنوع من نبات الحلف الذي ينبت على ضفاف الأودية ولا يزال موجودا حتى الآن ونضع الحبر في قنينة صغيرة نصطحبها معنا إلى المدرسة مع الكتف الذي نضع له رباط ونحمله تحت أكتافنا، وفي المدرسة نبدأ تعلم الكتابة بواسطة القلم الذي نغمسه في المحبرة كلما جف منه الحبر ونسميه في ذلك الوقت (مداد) وقنينة الحبر نسميها (دواة) وكان لدي القدرة على القراءة والكتابة بعد ذلك.

وأشار إلى أنه بدأ بالسفر والاغتراب خارج الوطن من أجل البحث عن عمل بعد أن بدأ الانفتاح في دول الخليج العربي، فقد سافرت إلى دولة خليجية وعملت فيها كمسؤول في إحدى المؤسسات لكوني أعرف القراءة والكتابة، وبعدها عدت إلى الوطن لأمارس عدة أعمال تدر لي مصدر رزق وكان من أهمها العمل في مطحنة الدقيق وهي أول مطحنة ترد للولاية وتدار بماكينة تعمل بالديزل كمكائن رفع الماء من الآبار لكن السير الموصل بين الماكينة والمطحنة يختلف عن ما هو في مكائن رفع الماء فيأتي عريضا ومن مادة مختلفة وكانت المطحنة تخدم قطاعا كبيرا على مستوى الحمراء وبهلا وهذه المطحنة نقلت حياة الناس إلى نمط حديث في ذلك الوقت فالكل أصبح يطحن الحبوب في هذه المطحنة بدل المطاحن اليدوية التقليدية المصنوعة من الحجارة وتدار باليد.

بعد أن قيض الله لعمان قائدها جلالة المغفور له السلطان قابوس- طيب الله ثراه- وفتح لنا أبواب العمل بإيجاد المؤسسات الخدمية التحقت في العمل الحكومي حتى وصولي إلى سن التقاعد، وبحكم خبرتي الطويلة في ممارسة الصناعات والحرف التقليدية بدأت في ممارسة العمل الحر مرة أخرى، حيث كانت لدي القدرة على ذلك فأسست مصنع لصناعة الحلوى العمانية واستعنت ببعض أبناء الولاية لمعاونتي على ذلك بالأجر حسب الطبخات التي يتم إعدادها في المصنع.

وقد لقيت أصناف الحلوى المختلفة إقبالا ورواجا كبيرا من داخل الولاية وخارجها لكوننا نحرص على أن تكون المواد المكونة لهذه الأصناف من الإنتاج المحلي كالنشاء والسكر الأحمر والسمن المحلي وها نحن الآن نعد العدة لبدء تكثيف العمل في صناعة الحلوى لعيد الفطر المبارك حيث بدأ طلب الحجوزات قبل فترة ونظرا للكبر في السن فقد عملت على تدريب أبنائي على ممارسة هذه الصناعة من خلال مقاسات المقادير من مكونات الحلوى وطريقة عملية الطبخ على النار في البداية والوسط والنهاية ومتى يتم إضافة بعض المكونات ومقياس إشعال النار بين النشطة والمتوسطة والخفيفة حتى يكتمل نضجها تماما وهناك علامات توضح النضج أطلعتهم عليها حتى تبقى الحلوى لمدة طويلة دون أن تتعفن كذلك دور إخلاء الحلوى بعد استوائها من المرجل إلى الأوعية والحرص بتغطيتها بغطاء يتخلله الهواء ويسمح لبخار الماء الناتج عن الحرارة بالتبخر حتى لا يفسد الحلوى لو تكثف فيها داخل الأوعية.

كان في الماضي يقام احتفال في ليلة الخامس عشر من رمضان وذلك بضرورة شراء الحلوى العمانية حيث يحرص كل مواطن على شراء الحلوى ويتم تبادل الهدايا من هذه الحلوى مع ما يتم تبادله بين الأسر من الموائد المعدة للإفطار حيث تعم الفرحة كل الأسر في تلك الليلة وتستمر الاحتفالية حتى أذان الفجر.