96532
96532
روضة الصائم

«ليس» أهي حرف أو فعل؟ (3-3)

11 مايو 2021
11 مايو 2021

يقدمها: إسماعيل العوفي -

1.كونها لا توصل بما المصدرية التي تؤول بمصدر مع الفعل الذي بعدها، لا يدل على عدم فعليتها، فقد تختص بعض الأفعال في باب من الأبواب بخصوصيات لا تكون في غيرها، وتكون تلك الخصوصيات مسلوبة من باقي الأخوات في الباب، وسلبها تلك الخصوصيات لا يدل على عدم فعليتها، أو على عدم انضوائها تحت لواء ذلك الباب، مثال ذلك اختصاص بعض الأفعال في باب كان بالتمام، واختصاص كان بحذف نونها في حالة من حالاتها، واشتراط شروط في بعضها لعملها عمل كان، ومن جهة أخرى نجد أفعالا نص الفارسي على فعليتها ولا توصل بما المصدرية كنعم وبئس في باب المدح والذم فلا يقال: ما أحسن ما نعم محمد قارئا، ونعم فعل عند الفارسي، قال في الإيضاح في باب نعم وبئس: «نعم وبئس فعلان ماضيان»، وقال في المسائل البصريات: «... لأن نعم فعل، والظروف تعمل فيها المعاني، فإذا كانت المعاني تعمل فيها فالفعل أجدر أن يعمل فيها، فإن قيل: إن هذا فعل لا يتصرف، فلا يفصل بينه وبين فاعله بالظرف، قيل: ليس قلة تصرفه بأمنع له من العمل من المعاني، والمعاني تعمل فيها، فكذلك الفعل الذي لا يتصرف...»

فثبت بذلك رد ما احتج به أبو علي من كون (ليس) لا توصل بما المصدرية دليلا على حرفيتها.

2.ورود العبارة «ليس الطيب إلا المسك» برفع كلمة المسك ليس فيه دليل على كون «ليس» مثل «ما»، بل محمول ذلك على أن في ليس ضميرا، هو ضمير الشأن، قال سيبويه: «فمن ذلك قولُ بعض العرب: ليس خَلَقَ اللهُ مثلَه، فلولا أنّ فيه إضماراً لم يجز أن تَذْكُرَ الفعلَ ولم تُعْمِله في اسم، ولكن فيه الإضمار مثلُ ما في إنَّهُ».، على أنه لا يقال في «ما» المشبهة بليس: (ما خلق الله مثله)؛ لأنها تكون بذلك النافية، وليست المشبهة بليس؛ فدل ذلك قطعا أنَّ في ليس ضميرا، هو ضمير الشأن، فقوله: «ليس الطِّيْب إلا المسك» أي: ليس الشأن الطيب إلا المسك، والجملة هي خبر ليس.

وقد وقع ذلك في كان، قال الشاعر:

إذا مت كان الناس صنفان شامت

وآخر مثنٍ بالذي كنت أصنع

أي: كان الشأن الناس صنفان.

وقد ورد «ما كان الطِّيب إلا المسك» على نفس نسق «ليس الطيب إلا المسك»، وجعل أبو حيان «ليس» في هذه الحالة ليست عاملة، شأنها شأن «ما» النافية قال أبو حيان: «ذكر في هذه الأفعال: «ليس»، ولها حالة لا تعمل فيها عند بعض العرب، وهو إذا شبهت بـ:»ما»، فكما أن: «ما» إذا شبهت بـ:»ليس» أعملت بالشروط التي ستذكر في بابها؛ كذلك : «ليس» إذا شبهت بـ:»ما» غير العاملة لا تعمل، وذلك إذا أوجب خبرها بإلا نحو: ليس زيد إلا أخوك، كأنه قال: ما زيد إلا أخوك، فكما أن: «ما» إذا أوجب خبرها لا تعمل فكذلك: «ليس، وروي عن العرب: ليس الطِّيب إلا المسك، أي: ما الطيب إلا المسك، وقدر الفارسي تأويل ذلك، وإبقاء «ليس» على بابها من العمل، وليس بشيء لثبوت ذلك لغة لبني تميم»

ولي على كلام أبي حيان تعليقان:

1. قوله: «وقدر الفارسي تأويل ذلك وإبقاء «ليس» على بابها» التقدير الذي يشير إليه أبو حيان، هو كلام أبي على الفارسي في كتابه التعليقة على كتاب سيبويه قال أبو علي: «قال أبو علي: يريد من قال: ليس زيدا عبد الله ضاربا على أن يُضمر في ليس القصة والحدث، لم يقل في (ما) الحجازية: ما زيدا عبد الله ضاربا، وإن كانت مثل (ليس) في أنها تنصب وترفع لأن الضمير الذي يكون في ليس وأخواتها، ويقدر فيه لا يسوغ في (ما)»

2.نسبة هذه اللغة إلى تميم قائم على الاجتهاد، وليس النقل، وهذه طريقة لا يقوم بها النقل عن العرب، وسيبويه لم ينسب ذلك إلى أحد في الكتاب، ولعل أبا حيان فهم ذلك من كلام السيرافي في شرحه على الكتاب، وكلام السيرافي ظاهر في أنه اجتهاد منه، وليس نقلا عن تميم، قال السيرافي: «يعني أن بعضهم يجعل «ليس» محمولة على «ما» فيلغي عملها، ولا يجوز أن يكون الذي يفعل هذا من العرب، إلا من كانت من لغته في «ما» إلغاؤها، فتحمل «ليس» على «ما» وتجعلها حرفا لا تعمل في اللفظ شيئا».

وحمل سيبويه ذلك على أن في ليس إضمارا ظاهر في الكتاب

3.ورود ليس غير مقترنة بنون الوقاية عند اتصال ياء النفس بها نزرا ليس فيه دليل على عدم فعلية ليس؛ لجواز أن تكون الضرورة هي التي حملت الشاعر على عدم إثبات نون الوقاية؛ ويدل على ذلك كون ذلك واردا نزرا، وحدوث كسرٍ في البيت بإثباتِ نون الوقاية.

4.ما ذكره أبو علي من عدم دلالة (ليس) على زمن من الأزمان الثلاثة التي يدل عليها الفعل ليس فيه دليل على حرفية ليس؛ لأن نعم وبئس يصدق عليهما ما ذكره في (ليس) وهما فعلان عنده، وقد تقدم نقل كلامه، بل أذكر ما هو أقرب من نعم وبئس، فالأفعال برح وفتئ وانفك وزال تدل على ملازمة الخبر المخبر عنه على بحسب ما يقتضيه الحال ولا تدل على اتصاف الخبر بالمخبر في شيء من الأزمنة الثلاثة على جهة التعيين.

ومن جهة أخرى نص النحاة على أن (ليس) تدل على نفي الحال عند الإطلاق، وعند التقييد على زمن بحسبه.

والذي يخلص إليه الباحث اختيار مذهب الجمهور، وهو القول بفعلية (ليس).