إسماعيل العوفي
إسماعيل العوفي
روضة الصائم

"ليس" أهي حرف أو فعل؟ (1-3)

09 مايو 2021
09 مايو 2021

اختلف النحاة في (ليس)، فقال أكثرهم: إنها فعل، وقال بعضهم: إنها حرف، ويمكن تحرير المسألة في نقطتين:

1- ذهب أكثر النحاة إلى أن (ليس) فعل، وهذا الرأي هو الذي يتوجه إليه كلام المتقدمين من النحاة، وتدل عليه عبارات الكتاب، والمقتضب، قال سيبويه: «وذلك كان، ويكون، وصار، وما دام، وليس، وما كان، نحوهن من الفعل مما لا يستغنى عن الخبر»؛ فقد نص سيبويه على أن (ليس) فعل، وقال المبرد في المقتضب: «وذلك الفعل كان، وَصَارَ، وَأصْبح، وَأمسى، وظل، وَبَات، وأضحى، وَمَا دَامَ، وَمَا زَالَ، وَلَيْسَ، وَمَا كَانَ فِي معناهن، وَهَذِه أَفعَال صَحِيحَة كضرب، وَلَكنَّا أفردنا لَهَا بَابا إِذْ كَانَ فاعلها ومفعولها يرجعان إِلَى معنى وَاحِد»، وظاهر النصين أن القول بحرفية (ليس) لم يكن معهودا عندهما، وقد تابعهما جمهور النحاة ، وقد نسب ابن هشام في مغني اللبيب، وتابعه على ذلك السيوطي في همع الهوامع إلى ابن السراج أنه يقول: بحرفية ليس، وهذه النسبة محتملة لأمرين:

الأمر الأول: قد يكون لابن السراج كتاب اطلع عليه ابن هشام، ولم يطلع عليه آخرون من النحاة، وقد ذكر المترجمون لابن السراج أن له كتابا اسمه أصول العربية، وشرح كتاب سيبويه وكتاب الجمل

فقد يكون ابن السراج ذكر أن (ليس) فعل في شيء من تلك الكتب المنسوبة إليه.

الأمر الثاني: قد يكون ابن هشام وهم في نسبة القول بحرفية (ليس) إلى ابن السراج، وتابعه على ذلك السيوطي، ويؤيد ذلك شيئان:

الشيء الأول: ذكر ابن السراج في كتابه الأصول في النحو أن (ليس) فعل، واحتج لذلك فقال: «المشبه بالفاعل على ضربين: ضرب منه ارتفع "بكان وأخواتها"، وضرب آخر ارتفع بحروف شبهت "بكان"، والفعل، وأخوات "كان": صار، وأصبح، وأمسى وظل، وأضحى، وما دام، وما زال، وليس، وما أشبه ذلك مما يجيء عبارة عن الزمان فقط، وما كان في معناهن مما لفظه لفظ الفعل، وتصاريفه تصاريف الفعل»، وأصرح من ذك قوله: «على أنها فعل وإن كانت لا تتصرف تصرف الفعل قولك: لست، كما تقول: ضربت ولستما كضربتما، ولسنا، كضربنا ولسن، كضربن ولستن، كضربتن، وليسوا، كضربوا، وليست أمة الله ذاهبة كقولك: ضربت أمة الله زيدًا، وإنما امتنعت من التصرف، لأنك إذا قلت: "كان" دللت على ما مضى، وإذا قلت: "يكون" دللت على ما هو فيه، وعلى ما لم يقع، وإذا قلت: ليس زيد قائمًا الآن أو غدًا أدت ذلك المعنى الذي في يكون، فلما كانت تدل على ما يدل عليه المضارع استغني عن المضارع فيها؛ ولذلك لم تبن بناء الأفعال التي هي من بنات الياء مثل باع، وبات»

الشيء الثاني: لم يذكر الآخرون من النحاة نسبة القول بحرفية (ليس) إلى ابن السراج؛ وذلك يؤيد أن ابن السراج لا يقول بحرفية (ليس)، قال أبو حيان: «وكلها أفعال بلا خلاف إلا ليس؛ فمذهب أبي بكر بن شقير، وأبي علي الفارسي في أحد قوليه، وجماعة من أصحابه أنها حرف»، وقال ابن عقيل: «فذهب الجمهور إلى أنها فعل، وذهب الفارسي في أحد قوليه، وأبو بكر بن شقير - في أحد قوليه - إلى أنها حرف»

والظاهر أن محيي الدين عبد الحميد (ت:1392هـ) اعتمد كلام ابن هشام، ونظر إلى الأزمنة التي عاش فيها النحاة؛ فزعم أن ابن السراج أول من قال بحرفية (ليس)، قال محيي الدين في حاشيته على ابن عقيل: «أول من ذهب من النحاة إلى أنّ (ليس) حرف هو ابن السراج»

والذي يظهر لي

أن أول من قال بحرفية (ليس) تصريحا هو أبو علي الفارسي في كتابه (المسائل الحلبيات)، ورأى أن اتصال الضمير بها ليس فيه دلالة قاطعة على أنها فعل، قال الفارسي: «لم يكن في اتصال الضمير بـ"ليس" على حد ما اتصل به دلالة قاطعة على أنها فعل»، ويرى أن "ليس" جارية مجرى ما ينفى به مما ليس بفعل، ويرى أن ذكرها مع كان وأخواتها لمشابهتها لهن في عمل الرفع، والنصب.

وقد قلت: أول من قال بحرفية (ليس) تصريحا هو أبو علي الفارسي في كتابه (المسائل الحلبيات)؛ لوجود ما يشير إلى القول بحرفيتها في غير المسائل الحلبيات، ويمكن عرض ذلك في نقطتين:

1. احتمل أبو سعيد السيرافي حمل كلام سيبويه: «وقد زعم بعضهم أنّ ليس تجعل كما، وذلك قليل لا يَكادُ يُعْرَفُ، فهذا يجوز أن يكون منه: ليس خَلَقَ اللهُ أَشْعَرَ منه، وليس قالها زيد»، على جعل ليس حرفا، لا تعمل في اللفظ شيئا، كما لم تعمل ما، وإن كان أبو سعيد لا يقول بحرفيتها، قال أبو سعيد بعد نص سيبويه المذكور: «يعني أن بعضهم يجعل (ليس) محمولة على (ما) فيلغي عملها، ولا يجوز أن يكون الذي يفعل هذا من العرب، إلا إذا كانت من لغته في (ما) الغاؤها، فتحمل (ليس) على (ما)، وتجعلها حرفا لا تعمل في اللفظ شيئا، كما لم تعمل (ما)، وليس على هذه اللغة دليل قاطع، ولا حجة تقطع العذر؛ لأن كل ما يستشهد به يحتمل التأويل؛ لأنه إذا احتج محتج بقولهم: (ليس خَلَقَ الله مثله) فقال: (خلق) فعل، ولو كانت (ليس) فعلا لما وليها الفعل، فللقائل أن يقول في: (ليس) ضمير الأمر، والشأن، و(خلق)، وما بعده جملة في موضع الخبر؛ فلذلك قال سيبويه: (فهذا يجوز أن يكون منه) لهذا المعنى الذي ذكرناه».

2. نقل أبو علي الفارسي في كتابه المسائل المنثورة الخلاف عن أصحابه في (ليس) هل هي فعل، أو حرف؟، والظاهر أن عنده ميولا إلى القول بحرفية (ليس) في هذا الكتاب قال أبو علي: «وأما (ليس) فقد اختلف أصحابنا فيها، فقال قوم: إنها فعل بدلالة أن الضمير يتعلق بها، ويتصل بها، وذلك قولك: (لسنا)، و(لسن)، و(لست) وهذا لا يلزم، وذلك أن (هاء)، وهي حرف يتصل بها الضمير، وذلك قولك: (هاؤم) و(هاؤمو)، فلما اتصل هذا بها، ولم يكن ضميرا، فكذلك يتصل بـ(ليس)، ولا يكون ضميرا»