كان الأرز شبه منعدم بسبب الظروف المعيشية أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية

محمد الراجحي: من العادات التي بدأت بالتراجع هي إفطار أهالي الحي في المسجد

رغم انشغالاته العديدة إلا أنه استقبلنا بمجلسه العامر بقرية المسيلة بجعلان بني بو حسن بكل سعة وترحيب، إذ يعدُّ المسؤول الأول لمدارس القرآن الكريم بالولاية. الحديث معه ذو شجون، فمنذ انطلاقة محطة حوارنا معه إلى انتهائه وهو يلهمنا عبر تفاصيل هذا اللقاء بالحيوية والنشاط والهمة، ومواقف جميلة من قصص الزمن الجميل، يعتبر من الأعلام البارزة في الولاية فهو رجل دين وعلم وله مواقف إنسانية عديدة، إنه الوالد والواعظ والمعلم والتربوي محمد بن مالك بن علي الراجحي.

حيوية وتجدد

تميزت حياة الوالد محمد الراجحي بالتجديد والتنوع والحيوية في الحياة الوظيفية، حيث عمل في بداية السبعينات سائقا في وزارة الزراعة، بعدها انتقل لوزارة الصحة بوظيفة كاتب سجلات، ليستقيل بعد سنوات من العمل ويتفرغ للأعمال الحرّة، وفي عام 1980 عمل مدرسا، لينتقل بعد ثلاث عشرة سنة قضاها في التدريس إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية كمشرف على القسم الداخلي بمعهد القضاء الشرعي والوعظ والإرشاد، واستغل وجوده كمشرف بأن يكمل دراسته في المعهد ليكون زميلا وأخا للطلبة صباحا، وأبًا ومشرفًا مساءً، ونجح الراجحي بالحصول على درجة البكالوريوس حينها، ليتم تعيينه بعد تخرجه واعظاً دينياً بولاية جعلان بني بو علي، وبعدها واعظًا بولاية جعلان بني بو حسن إلى أن أحيل إلى التقاعد عام 2006.

تحري الرؤية

يقول الوالد محمد: كان تحري رؤية هلال رمضان بالعين المجردة بالذهاب إلى التلال أو الأماكن المرتفعة والمكشوفة، وإذا اتضحت رؤية الهلال أطلقنا النار من البنادق ليعرف الناس بقدوم الشهر الفضيل، وعلى إثر تلك الرؤية من الشهود الثقات يرسل الوالي برقية إلى مسقط بثبات هذا الخبر لتعتمده وزارة الداخلية ولترسل برقياتها إلى الولايات الأخرى، والعكس صحيح تأتي الوالي برقيات من مسقط إذا ثبتت رؤية الهلال من ولايات أخرى لتأتي برقية الخبر لوالي ولايتنا إيذانا بقدوم شهر رمضان، كذلك الشأن في عيد الفطر المبارك.

الحياة الرمضانية

يتحدث الراجحي عن الحياة الرمضانية في سنوات ما قبل السبعين قائلا: بدأت الصوم تقريبا وأنا في سن السابعة، وكان الصوم في السابق متعبًا كثيرًا في الفصلين، ففي فصل الشتاء كنا نقوم بعملية نبت النخيل (التلقيح)، وفي فصل الصيف كنا نقوم بجني المحاصيل (الجداد)، فكنا نعاني من العمل في ضواحي النخيل في نهار رمضان شتاءً وصيفا، وكنا بانتهاء العمل نستلقي في الفلج نبرد أجسامنا ونتمدد في الماء اتقاء ذلك الحر والتعب.

حلقات القرآن الكريم

وعن قراءة القرآن الكريم أوضح الراجحي بقوله: تعلمت قراءة القرآن الكريم أنا وإخواني في البيت حيث كان والدي - رحمه الله - شيخ علم فهو من علمنا أبجديات القراءة ولله الحمد، أما في المسجد فكان أقرأنا لكتاب الله والأكثر تمكنًا هو من يدير الحلقة وهو من يقوم بتعليم القراءة والتسميع لحاضري الحلقة.

معرفة الأوقات

لمسألة الأوقات أيام زمان خاصية فريدة للحقبة التي عاشها الآباء والأجداد فلهم حسابات معينة يعرفون خلالها جدولة الوقت يقول الوالد محمد: كان للآباء والأجداد حسبة دقيقة في معرفة أوقات الصلوات وأوقات الصباح والمساء تختص بقواعد الظل ومواقع النجوم وتحركات الشمس ابتداءً من طلوع الفجر الصادق وأوقات الضحى والظهر وزوال الشمس وغروبها إلى دخول الليل، ويبدو أنهم اكتسبوا هذه المعارف من خبرات السنين ومن ثقافة أجيالهم السابقة. وحول رفع الآذان إيذانا لدخول الصلاة وإقامة شعائرها قال الراجحي: نظرًا لعدم وجود مكبرات الصوت كان المؤذن يصعد إلى مكان مرتفع في المسجد ليرفع صوته مناديا للصلاة، والحمد لله كانت أصوات الآذان تسمع من أماكن بعيدة.

الإفطار في المساجد

من الأجواء الرمضانية الجميلة الإفطار في المسجد يقول الراجحي: من العادات الجميلة تجمع أهل الحي للإفطار في المسجد، وكنا نتسابق بتقديم أطباق متنوعة، وهذه العادة من السنة النبوية، حيث ورد عن الرسول عليه السلام أنه كان يفطر في المسجد النبوي الشريف بصحبة المسلمين الفقراء، ولكن هذه العادة بدأت بالتناقص، بعد أن كان مسجد الحي ممتلئا بأهله أصبحنا الآن نفطر في المسجد ثلاثة أشخاص فقط : المؤذن وأنا وشخص آخر، فنتمنى أن ترجع هذه العادة وننجح خلالها في إحياء هذه السنة.

وجبات رمضانية

وحول الوجبات التي كان يعدّها الناس في موائدهم الرمضانية (السحور والفطور) أكد الراجحي: كانت الوجبات أيام زمان بسيطة عبارة عن تمر وماء ولبن، وكنا نطحن بذر البر والشعير ونطبخها، كما كنا نأكل التهاكيل (نوع يؤكل من الزروع)، وكان الأرز شبه منعدم لتذبذب السوق العالمي وضعف آلية الصادرات والواردات لتأثر العالم باندلاع الحرب العالمية الأولى والثانية، ولكن في هذا العصر زادت الموائد وتنوعت الأصناف والمأكولات والحمد لله على نعمه.

طقوس العيد

عندما يُسمع دوي المدفع، وتهل البشائر بعيد الفطر تبدأ طقوس أخرى جديدة، يقول الراجحي: عندما نستبشر بهلال العيد، تشهد أولى ساعات الصباح تحضير وجبة العرسية لأهالي القرى في الولاية، وبعد تناول العرسية نذهب إلى مصلى العيد لأداء الصلاة والاستماع إلى الخطبة، وبانتهاء الصلاة نذهب إلى خطبة العيد وهي سوق شعبي أشبه بالهبطة نشترى منها الحلويات والمأكولات وغيرها من المشتريات، بعدها نذهب إلى زيارة الأهل والأقارب والأرحام والجيران، وأضاف: تشهد أيام العيد مظاهر جميلة تتمثل في ركض العرضة للخيل والجمال وإحياء الموروثات الشعبية كالرزحة والميدان وغيرها، وعن ألبسة العيد فإنها كانت تحيكها أمهاتنا ونساء الحي، لنقوم بلبسها والتفاخر والتظاهر بجمالياتها وألوانها الزاهية.