301
301
روضة الصائم

فتاوى يجيب عنها فضيلة مساعد المفتي العام للسلطنة

03 مايو 2021
03 مايو 2021

فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي

نجد في كتاب الله ذكرا للتسبيح في أكثر من موضع كقوله تبارك وتعالى: «وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ» إلى آخر الآيات، فهل يفهم من الآيات أن للتسبيح خاصية عن بقية الأذكار؟ وهل الإتيان به في الأوقات التي حددتها الآيات له فضل وميزة كبيرة؟

ينبغي لنا أن نتعرف أولا على معنى التسبيح، إذ التسبيح لا يقتصر على ما يظنه كثير من الناس من أنه منحصر في تنزيه المولى جل وعلا عن النقائص؛ لأن الذي نجده في كتاب الله عز وجل كما ذكر السائل هو إعلاء شأن التسبيح والإتيان به في مناسبات شتى فيأتي أمرًا من الله تبارك وتعالى بالتسبيح، ويأتي وصفا لكل ما في هذا الوجود أنه يسبح لله تبارك وتعالى ويأتي وصفا لعباد الله المؤمنين، ويأتي على ألسنة أصفياء الله عز وجل من الأنبياء والمرسلين والأتقياء، ويأتي التسبيح أيضًا لوصف بعض مخلوقات الله- عز وجل- مما لا يعقل، فدل ذلك على أن للتسبيح شأنًا عظيمًا لا يقتصر معناه على مجرد تنزيهه سبحانه وتعالى عن النقائص التي يمكن أن تنسب إليه، فالتسبيح فيما يظهر هو الشهادة لله تبارك وتعالى بالكمالات مع التنزيه عن النقائص بكل وسيلة ممكنة، فيحصل ذلك باللسان، ويحصل بالفكر والاعتبار ويحصل بالانقياد والطاعة، كل ذلك إنما هو من التسبيح، وهذه المعاني مترابطة لا ينفك بعضها عن بعض فهي شهادة من هذا العبد بباطنه وظاهره لله سبحانه وتعالى الخالق المدبر الحكيم بأنه موصوف بأسمى الكمالات جل وعلا، وأعلى الصفات وأحسن الأسماء وأنه منزه عن كل نقيصة سبحانه وتعالى. هذه الشهادة هي جريان من هذا العبد في فلك الطاعة والانقياد لله عز وجل فظاهره وباطنه يشهدان لله تبارك وتعالى بالكمال وينزهانه عن النقص، ويستصحب ذلك الذكر باللسان والخشوع بالقلب والتفكر بالعقل والنظر والإقبال عليه جل وعلا بالامتثال والطاعة والإتيان بما أمر والبعد عما نهى. إذا استقر هذا المعنى سهل علينا أن نعرف منزلة التسبيح ولماذا نجد التسبيح كثيرًا في كتاب الله عز وجل وفي مناسبات كثيرة في بعض المناسبات لا يناسبها أن يكون المقام مقام تنزيه لله تبارك وتعالى عن النقائص وحسب (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) و(يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) هذه مقامات فيها شهادة لله تبارك وتعالى بالكمالات التي يتصف بها، الكمالات الربانية الإلهية التي يتصف بها مع ما تتضمنه من تنزيه له عما لا يليق به من النقائص، وهي في الوقت ذاتها لأنها مأخوذة من السباحة أي الجري في الماء أو العوم في الماء فهي إقبال على الله تبارك وتعالى، هي مسارعة إلى الامتثال والتعظيم والشهادة له سبحانه تعالى باطنا وظاهرا، فمن أجل ذلك يتكرر التسبيح في القرآن الكريم واحتل هذه المنزلة الكبيرة، ومن شأن عباد الله الأصفياء أن يكونوا ذاكرين لله تبارك وتعالى خصوصًا بأصناف التسبيح المعروفة كما كان هدي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- هذا والله تعالى أعلم.

هل يصح اعتكاف الرجل في البيت في ظل إغلاق المساجد، وتلك التي تفتح للصلاة ولكن لا يسمح بالمبيت فيها؟

أما الاعتكاف بمعناه الشرعي فلا؛ لأن الصحيح أن الاعتكاف يشترط فيه المسجد لقول الله تبارك وتعالى «وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ» وأنه لما أمر نبييه الكريمين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بتطهير البيت العتيق قال «للطائفين والعاكفين» ورسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ما اعتكف إلا في المسجد ونساؤه أمهات المؤمنين -رضوان الله تعالى عليهن- اعتكفن أيضا في المسجد، نصبت لهن قباب في المسجد، فالصحيح أن الاعتكاف له مكان وهو المساجد، فنظرًا لهذه الظروف الحالية بسبب الجائحة وتحديد أوقات المساجد المفتوحة أو إغلاق المساجد فإن هذا لا يتأتى، لكن إن لزم المسلم مكانا في البيت يذكر فيه ربه تبارك وتعالى ويتلو القرآن الكريم ويتعلم العلم النافع ويدعو ربه جل وعلا ولا يشتغل بشيء من أمور الدنيا فعسى أن ينال أجر الاعتكاف وألا يفوته الأجر كله وأن ينال الرغائب والغايات التي تتحرى بالاعتكاف من القرب من الله تبارك وتعالى وتزكية النفس والتخلص من رغائب الحياة الدنيا والأنس بذكر الله تبارك وتعالى. والله تعالى أعلم.