No Image
روضة الصائم

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

15 أبريل 2023
15 أبريل 2023

أحد السائلين يقول: لو كان عندي مال كثير لساعدت الفقراء والمساكين وقدمت مساعدات لفك كربة وإفطار صائم وبنيت مسجدا ودارا لتعليم القرآن وإلى غير ذلك، هل أنال الأجر بسبب هذه النية؟ نعم حينما يستصحب المؤمن نوايا حسنة صالحة فإنه يؤجر على نيته تلك وإن لم يستطع الوفاء بما نواه، فالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلـم: «نية المؤمن خير من عمله» وما ذاك إلا لأن المؤمن يستصحب فعل الخير وصنائع المعروف وبذل الإحسان لكن ما في يده قد لا يسعفه على تحقيق ما نواه، وقال في حديث آخر: «إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» فهنا أيضا نجد أن هذا الحديث يؤكد على أهمية النية في الأعمال التي يأتي بها المسلم، وقد لا يستطيع أن يأتي بالأعمال التي يأتيها ويقصدها ولكن النية تقربه إلى الله عز وجل ويؤجر عليها.

ونجد أيضا في حديث آخر لرسول الله صلى الله عليه وسلـم قال:« إذا هم المؤمن بحسنة فلم يعملها، كتبت له حسنة، وإذا هم بحسنة فعمل بها كتبت له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف» هنا يبين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلـم أن المؤمن يثاب ثوابا عظيما من عند الله تبارك وتعالى بمجرد نيته وهمه، أي أن يعقد العزم على أن يأتي ما نواه متى ما تيسر له ذلك واستطاع إليه سبيلا، فلا يكون شأنه شأن المنافقين الذين حكى عنهم ربنا تبارك وتعالى في قوله: «وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ» هؤلاء وإن كان حالهم مختلفا لأنهم عاهدوا الله فقدموا العهود المغلظة والأيمان المؤكدة أنهم إن آتاهم الله تبارك وتعالى من فضله سيتصدقون ويفعلون من وجوه البر والإحسان فابتلاهم الله تبارك وتعالى وآتاهم من فضله، ولكنهم بخلوا بما آتاهم، ومنعوا حقوق العباد ولم يؤدوا حق شكر الله تبارك وتعالى على ما بسط عليهم من نعم فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى أن يلقونه، فهذا فيه وعيد وتنبيه للمؤمن لألا يسلك مسلك هؤلاء المنافقين، فهو مطلوب منه أن يستحضر النية الطيبة الصالحة، وأن ينوي النوايا التي هي من أبواب الخير ووجوه الإحسان والمعروف لكنه إن يسر الله سبحانه وتعالى له فإنه يحقق ما نواه قدر استطاعته وبما يتيسر له ولهذا نجد أيضا حديثا آخر وهو عظيم الأهمية في كشف هذا الفضل العظيم من الله تبارك وتعالى حينما قال عليه الصلاة والسلام: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له من الأجر ما كان يعمله وهو صحيح مقيم»، ولهذا فإن مداومة العبد على فعل الصالحات وإتيان أعمال الخير والاستجابة لأمر الله تبارك وتعالى تنفعه حتى في مرضه وفي سفره الذي لا يتأتى له فيه بأن يأتي مما اعتاد عليه من فعل الخير من وجوه القربات إلى الله تبارك وتعالى، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما خرج مع أصحابه لتبوك في غزوة العسرة قال: إن في المدينة رجالا ما سلكنا واديا ولا شعبا إلا كانوا معنا ما حبسهم إلا العذر، فهؤلاء حبسهم العذر، كانوا ينوون ويقصدون أن يكونوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلـم في النفير لكنهم حبسهم العذر فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلـم يبين أنه بصدق نواياهم فإنهم يؤجرون أجر من خرج معه عليه الصلاة والسلام لا يقطعوا معه واديا أو يسيروا معه فجا إلا كان لمن تخلف بعذر في المدينة مثل ما أصاب هؤلاء من الأجر والثواب إذن ينبغي للمسلم دوما أن يستصحب نية الخير وأن يقصد إلى فعل ما يرضي الله تبارك وتعالى ويرجى من نفسه الخير، وأن يتبع ذلك حينما يتيسر له بالفعل وان يصدق الله تبارك وتعالى في نيته وقصده وعلامة ذلك أن يبادر حتى وهو في حالته تلك فإن كان يقصد الصدقات إن منّ الله عز وجل عليه بالغنى فليتصدق باليسير الآن ويوطن نفسه على أن يكون من المتصدقين، فإذا ما من الله عز وجل عليه بالغنى واليسر سهل عليه بعد ذلك أن يجود بهذا المال وأن يؤدي حقوقه وأن يشكر الله تبارك وتعالى عليه، وإذا كان ينوي أنه إذا كان صحيحا معافى أن يدعو إلى الله تبارك وتعالى وأن يصل رحمه وأن يجتهد في طلب العلم، فليفعل ذلك الآن قدر ما يتيسر له ولو بالشيء القليل اليسير حتى تعتاد نفسه على إنجاز ما يؤمله ويرجوه من نية الخير فإذا بسط الله عز وجل عليه وجوه الرزق فإنه حينئذ سيجد نفسه توافيه وتوافقه من غير تكلف في إتيان ما كان قد نواه فيحوز الفضل والثواب من الله تبارك وتعالى وليس عليه أن يجزع حينما لا يتيسر له فعل ما نواه لأن نيته كما تقدم في الأدلة الشرعية المتقدمة كفيلة بفضل الله عز وجل ومنه وكرمه على عباده أن يثاب عليها والله تعالى أعلم.