No Image
روضة الصائم

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

14 أبريل 2023
14 أبريل 2023

ـ شخص استثمر ماله في شركة استثمارية تجارية بمبلغ 5 آلاف ريال، ولديه ضمانات على هذا المال وكذالك لديه شيكات شهرية، ولديه أرباح مستقرة بمبلغ 100 ريال في كل شهر، فكيف تكون الزكاة على هذه الحالة هل على الشركة أم على المستثمر؟

في هذه المعاملة الكثير من الريب والمحاذير الشرعية، فهو يقول إن رأس المال مضمون، وهذا ينسف أصل الشركات المشروعة في الإسلام، فلا ضمان لرأس المال، لأن معنى التجارة المخاطرة، الربح والخسارة، فكيف يضمن رأس المال، ثم انه ذكر أيضا أن الربح مبلغ ثابت وهو 100 ريال كل شهر، وهذا أيضا يؤكد أن هذه الشراكة ليست بشراكة شرعية لأن الربح يكون نسبة فيما بينهما حصة قدرها يزيد أو ينقص بحسب ربح هذا الاستثمار أو خسارته، فإن كانت هناك خسارة فإن هذا الشريك سيتحمل من الخسارة قدر حصته في رأس المال، وهذه المعطيات كلها تؤكد أن هذه المعاملة أشبه ما تكون بقرض ربوي مشروط بزيادة، وهذا عين الربا، وسميت هنا أرباحا مع ضمن رأس المال، فهي ليست بمعاملة شرعية، أما من حيث الزكاة فالواجب أن يخرج من هذه الشراكة، أو أن تصحح بنوع من العقود الشرعية للشركات كشركة المضاربة، التي تعني أن رب المال يدفع ما عنده من مال إلى العامل هذا العامل يحسن تثمير المال في شيء من الوجوه المشروعة، لرب المال أن تكون له حصة من الربح لكن لا بد أن يكون الأمر واضحا أنه إن خسر هذا الاستثمار من غير تعد ولا تقصير ولا مخالفة للشرط من العامل فإنه سيخسر أمواله، وهذه حقيقة شركة المضاربة، وأن لا ضمان لرأس المال، وأن الربح تكون نسبة أو حصة يتفقان عليها، ورخص كثير من أهل العلم في أن نسبة الربح لا يلزم أن تساوي حصة مشاركته في رأس المال، أما في الخسارة فإنه يتحمل قدر مشاركته في رأس المال.

ولو كان هنالك كسب غير مشروع فإن عليه أن يرده إلى صاحب الحق، ثم بعد ذلك يزكي ما بقي عنده والله تعالى اعلم.

ـ في قوله تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ» وقال تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» وقوله تعالى: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ» هل كان القرآن يتنزل في شهر رمضان، وتحديدا في ليلة القدر؟

المقصود من هذه الآيات الكريمة مع العلم أن القرآن الكريم نزل على الرسول صلى الله عليه وسلـم منجما مدة بعثته كلام لأهل العلم، وأشهر قولين في المسألة هو أن المقصود بما جاء في الآيات الثلاث، فقد أنزله الله تبارك وتعالى تكريما وتشريفا لهذا الكتاب الكريم الخاتم إلى بيت العزة في السماء الدنيا ثم كان ينزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلـم بالقرآن منجما حسب الوقائع والأحداث، هذا هو القول الأول، وهذا القول منسوب إلى ابن عباس، وفي رواية الإمام الربيع نجد أن ابن عباس يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلـم، وفي مصادر أخرى اشتهر أنه موقوف على ابن عباس، لكن نظر عدد من الفقهاء والمحدثين، أن مثل ذلك لا يمكن أن يكون ناشئا عن رأي لأنه أمر غيبي سماوي، وأن يسمي ابن عباس بيت العزة في السماء الدنيا فأنا يحصل له ذلك ما لم يكن قد سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلـم، وهو قول كثير من العلماء، بل إن أكثر العلماء يقولون به.

القول الثاني هو أن ابتداء نزول القرآن كان في رمضان واختلفوا في تحديد هذه الليلة، فمنهم من قال إنه في ليلة السابع عشر من رمضان، وبعضهم قال إنه في ليلة الرابع والعشرين من رمضان، ولكنهم يقولون إن ابتداء نزوله كان في رمضان، وقالت به طائفة من أهل العلم، وبناء على هذا فإنه لا إشكال في نزوله منجما على رسول الله صلى الله عليه وسلـم لأن الفضل والشرف الواردين في قوله تعالى في الآيات الثلاث إنما ينصرف إلى ابتداء نزوله.

وهناك قول ثالث وإن كان لا مانع من ذكره، وهو أن الله تبارك وتعالى كان ينزل في كل عام ما سينزل منجما على رسول الله صلى الله عليه وسلـم ذلك العام فكان ينزله في رمضان في ليلة القدر، وهنا في هذا القول الثالث والثاني صار الخلاف أيضا في كم تنزل على رسل الله صلى الله عليه وسلـم بناء على خلافهم في مكثه في مكة المكرمة وما ترتب عليه من حساب مدة بعثته عليه الصلاة والسلام، لكن في القول الأول والقول الثاني ما يدفع هذا الغموض والالتباس من تعارض في الأدلة الشرعية والله تعالى أعلم.

ـ في قوله تعالى: «وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا» هل الإهلاك هنا على الإطلاق أم للآية تفسير آخر؟

المقصود بالآية الكريمة الوعيد لأهل القرى الظالمين المعرضين عن الاستجابة لما يدعوهم إليه رسولهم، فيفهم هذا من السياق، فإن السياق قبل هذه الآية الكريمة يتحدث عن المشركين ومعاندتهم للرسول صلى الله عليه وسلـم، لتأتي بعد ذلك هذه الآية الكريمة وهي تحمل وعيدا شديدا لهم، وهذا الوعيد بالإهلاك أو بالعذاب يحمل على صورتين: إما بالاستئصال أي الإهلاك التام، أو بالعذاب والمقصود به الإذلال والقهر بتغلب المؤمنين عليهم، وقوله تعالى: «وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا» أي وإن من قرية مثل قريتك، فهو يعرض بهم ويتوعدهم أنه إما أن يصيبهم ما أصاب الأمم قبلهم من من استأصلوا وأبيدوا، أو أن يتغلب عليهم الرسول ومن معه من المؤمنين ممن استجابوا له فتصيبهم الذلة والهوان بانتصار المسلمين عليهم، يؤكد هذا أننا نجد في كتاب الله تبارك وتعالى في سورة هود: «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ» وقال في القصص: «وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ» والمقصود بالقرية هم أهل القرية الذين يعرضون ويعاندون ويتنكبون طريق الدين، فالله تعالى يتوعدهم بالإهلاك أو بالعذاب، أما أولئك الذين استجابوا وأصلحوا فإن كتاب الله عز وجل ناطق أنه لا يسري عليهم هذا الوعيد، والله تعالى أعلم.