No Image
روضة الصائم

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

31 مارس 2023
31 مارس 2023

ما صحة حديث أو مقولة «رب تال للقرآن والقرآن يلعنه»؟

هذا الأثر ليس بحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما هو قول ذكره بعض أهل العلم منسوبا إلى أنس بن مالك في موضع، كما فعل الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين، ولم ينسبه مرفوعا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإنما قال: قال أنس بن مالك: «رب تال للقرآن والقرآن يلعنه» ونسبه بعض من كتب في التزكية من علماء المسلمين إلى ميمون بن مهران فهو في كل الأحوال لم يرفع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا حاجة لنا في البحث في صحة الحديث؛ لأنه ليس بحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإن كان معناه مقبولا، ومعنى هذا الأثر أن هناك من يتلو كتاب الله عز وجل لكنه بعيد كل البعد عن هداياته، فينهى القرآن عن الظلم وهو واقع في الظلم، والله تعالى يقول في القرآن: «أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ»، وينهى القرآن عن الربا وهو آكل للربى والله تعالى يقول: «فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِه» وهكذا في سائر ما نهى عنه كتاب ربنا من الفواحش والكبائر والخطايا مما يكون فيما بين العباد وخالقهم جل وعلا أو بين العباد أنفسهم، لا يقف هذا القارئ عند حدود كتاب الله عز وجل، ولا يأخذ بأحكامه ولا يسترشد بهداياته، فلا ينتفع بالقرآن بل يكون القرآن حجة عليه، ويكون هو داخل في الوعيد والنذر الواردة في كتاب الله عز وجل، هذا هو المعنى لكنه ليس بحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإنما هي مقولة من بعض السلف، والله تعالى أعلم.

متى يمكن توظيف مثل هذه العبارات التي قيلت في مناسبات معينة؛ لأن البعض يحب أن يستخدمها كتصفية حسابات بينه وبين أشخاص معينين أو يريد أن يقصي بها شخصيات معينة لها تأثير في المجتمع؟

هذه قضية مهمة، وهي أن يتخذ الدين وسيلة للتشفي من الآخرين والتنقص من حقوقهم مع تزكية النفس وتعظيمها في مقابل ما عليها للآخرين، وهذا ليس من الإنصاف، وما لهذا أنزل علينا كتاب ربنا تبارك وتعالى، فهو كتاب هداية وإرشاد، وهو نور يدفع عنا ظلمات النفس والجهل والهوى والشهوات، وهو كتاب يدعو إلى الخير فيما بين الناس جميعا، فقال تعالى: «إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِى لِلَّتِي هِي أَقْوَمُ» ويخاطبنا هذا الكتاب بقوله جل وعلا: «وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»، وقال تعالى: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا»، فالقرآن الكريم لا يراد أن يكون وسيلة لتصفية الحسابات، والتشفي من الآخرين أو أن يكون سببا للتنافر فيما بينهم، نعم إن كانت هذه النفرة ناشئة عن أحكامه وتعاليمه، لكن هذا الداعي إلى الخير يدعو بالحسنى وبالحكمة والموعظة الحسنة، كما أرشد القرآن الكريم فلا غضاضة عليه، ولا حرج فهو مأمور أن يأمر بالمعروف، وأن ينهى عن المنكر على أن يخلص نيته لله تبارك وتعالى، وأن يبتغي الثواب الذي أعده لمن دعا إلى كلمة الله عز وجل، والله عز وجل يقول: «وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» هذا الذي ينبغي للناس أن يأخذوه من منهج القرآن للدعوة إلى الخير وإصلاح واقع أحوال الناس اجتماعيا ومعيشيا وفكريا ومعرفيا، وسياسيا واقتصاديا إلى آخر وجوه الحياة. والله تعالى أعلم.

قال الله تعالى: «إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ» ما المقصود بالكنود؟

الكنود وصف يجمع معاني عديدة، بحيث إن هذه الكلمة لا يمكن أن يقوم مقامها كلمة أخرى، فهي تجمع أوصافا مذمومة عديدة، وهذه الأوصاف تدور حول الجحود والمنع وكفران النعمة والتذمر، فهذا الموصوف بأنه كنود يعني بأنه جحود لا يشكر، منوع لا يعطي، ومتذمر يعظم السيئات، ويحقر النعم والحسنات، فتجد في كلام المفسرين أنهم يذكرون أن هذه الكلمة لها في لغات قبائل العرب معان عديدة فينسب إلى مضر وربيعة معنى، وينسب إلى كنانة معنى، وينسب إلى غيرهم معنى آخر، ولكنها معان متقاربة، فقيل بأن الكنود هو الجحود ولذلك قالوا: أرض كنود أي أنها لا تنبت شيئا، وقيل بأنه البخيل المنوع الذي بلغ به الشح إلى حد أنه لا يعطي شيئا أبدا، وقيل بأنه العاصي، فما الذي تدل عليه الكلمة في كتاب الله عز وجل في سورة العاديات، تدل على كل هذه المعاني جميعا، على القدر المشترك لهذه المعاني، فالموصوف بها موصوف باجتماع هذه المعاني، فهو جحود لا يشكر كفور بنعمة الله عز وجل، منوع لا تجود نفسه، عاص لا يقوم بالحقوق هذا هو معنى كلمة الكنود وبهذا يتبين أن كلمة واحدة من معاني هذه الكلمة لا يمكن أن تقوم مقامها؛ لأنها تجمع هذه المعاني والأوصاف. والله تعالى أعلم.