No Image
روضة الصائم

فتاوى يجيب عنها سماحة المفتي العام لسلطنة عمان

22 أبريل 2022
22 أبريل 2022

هل يعطى الفقير ما يكفيه من المال أم أنه يعطى مقدارا محددا فقط؟

يعطى الفقير مقدار ما يكفيه مـن المال، والعلماء مختلفـون كثيرا في مصارف الزكاة التي يصرفها الإنسان فيها، فمنهم من قال: إنه يقتصر في ذلك على ما لا بد منه، فله أن يأخذ بمقدار ما يستر عورته وما يتقي به البرد والحر من اللباس، ويأخذ بقدر ما يسـد جوعه، وليس له أن يلبس ما فضل عن الحاجة من اللباس، وأن يأكل ما زاد على سد الجوع كالحلوى والفاكهة من الزكاة، ومنهم من رخص أكثر من ذلك، وقال لا بأس بأن يأكل بالمعروف بقدر ما يأكل النـاس في زمانه، وأن يلبس بالمعروف بقدر ما يلبس الناس في زمانه من غير إسراف ولا مخيلة، ومنهم من وسـع أكثر من ذلك، فأباح له أن يكرم ضيفه، ومنهم من وسـع أكثر من ذلك فأباح له إن كان طالب علم أن يشتري بها كتبه وما لا بد له منه في طلب العلم، وله أن يتزوج بها، ومنهم من وسع له أن يحج بها، فالناس في ذلك مختلفون بين موسـع ومضيق، وخير الأمور الوسـط، فالإنسان - ولا ريب ـ تراعى حاجته، والناس يتفاوتون في ذلك بحسب تفاوت ظروفهم الاجتماعية فإن من الناس من يتحمل مسؤوليات جمة، فقد يكون مقصودا، من قبل الناس فلا بد له من أن يقوم بضيافتهم، ومثل هذا ينبغي أن يوسـع له في الزكاة، ومنهم من تكون حاجته محصورة في نفسـه وفي عياله فقط ولا تتعدى هذا الإطار إلى ما وراءه، فمثل هذا ينبغي أيضا أن يقدر له قدره، ويدل على ذلك أن الله تعالى قد جعل للغارمين نصيبا من الزكاة، وفي ذلك إشارة إلى ما قد يصرفه الإنسان بسبب اقتضاء الظروف الاجتماعية صرفه من الأموال. والله تعالى أعلم. ما معنى «المؤلفة قلوبهم» ولماذا يعطون من الزكاة؟

هم قوم دخلوا في الإسلام من غير أن يرسخ الإيمان في قرارة نفوسهم، وقد كان لهم تأثير في مجتمعهم بسبب مكانتهم الاجتماعية، وكان من بين هؤلاء في عهد النبوة والخلافة الراشدة أبو سفيان صخر بن حرب، ويعلى بن أمية، فقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يعطيهم نصيبا مـن الزكاة من أجل تأليفهم، لما لهم من مكانة في مجتمعهم القرشي، وهؤلاء كانوا يعطون لأجل مصلحة الإسلام حتى لا ينقضوا ضده، ولا يعينوا خصومه عليه، بسبب أن إيمانهم لم يرسخ في قرارة قلوبهم وإنما إسلامهم يوم لات حين مناص، عندما أصبح الإسلام قاهرا متمكنا ولـم يجدوا مفرا عن الدخول فيه، واستمر الحال كذلك إلى أن قوي الإسلام وعظمت شوكته واشتد عوده، فرأى عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- الاستغناء عنهم وأدرك أنهم لا يؤثرون في الإسلام شيئا إذ لا مقدرة لهم على التأثير، كيف والناس من حولهم صقل الإيمان نفوسهم، وقطع صلتها بجميع علائق الجاهلية، فلم ير لهؤلاء أي تأثيـر أن لو لم يعطوا، وأجابهم أنهم كانوا يعطون من الزكاة عندما كان الإسلام ابن لبون أما الآن وقد بزل فلا، وهـذه نظرة منه إلى مقصد الشـارع من فرض هـذه الفريضة لهم، فإن مقصد الشارع النظر في مصلحة الإسلام وسد حاجته، وعندما أصبح الإسلام غنيا عن هذا الجانب لم تكن هناك حاجة إليهـم، ولذلك رأى عمر رضي الله عنه أن يرد سهمهم إلى بقية المخارج التي دفعت الزكاة فيها، والله أعلم.

ما المقصود بـ«في الرقاب» في آية الزكاة؟ ومن هم الغارمون؟

أما «في الرقـاب» فيراد بها الذين كانوا أرقاء، ولكنهم يسعون إلى فك رقابهم من الرق بالمكاتبة، التي أرشـد إليها القرآن الكريم في قوله تعالى: «فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا»، فـإن المكاتب يعان على فك رقبته بإعطائه من الزكاة مقدار ما يمكنه من سـداد ما عليه، حتـى ينعم بالحرية التامـة، أما الغارمون فهم الذيـن أنفقوا نفقات تحملوا بسببها الديون، من أجل إصلاح ذات البين، ومن أجل الأمور الحسنة التي ليس فيها إسـراف ولا مخيلة، ولا شيء من معصية الله تعالى، فهؤلاء يعطون من الزكاة بقدر ما يتمكنون من سداد ديونهم، والله أعلم.

ما رأي الأصحاب في معنى المطلب السابع من مطالب الزكاة «وفي سبيل الله» فمن هم أهله الذين عنتهم الآية الكريمة، وأين يصرف هذا السهم في عصرنا الحاضر؟

سبيل الله تعالى يراد به الجهاد في سبيل الله، عندما يقوم به المؤمنون ووفق شـريعته فهـؤلاء ينفق عليهم مـن الزكاة بقدر ما يسـد حاجتهم، وبقدر ما يتمكنون من القيام بمهمتهم، ويدخل في سبيل الله عند البعض شـراء الأسلحة وإعداد الوسائل التي تمكن المسلمين من دحر أعدائهم الكافرين، ويدخل في ذلك كل ما يعود بالعزة على الإسلام والمسلمين، ومن المعلوم أنه عندما تكون الدولة هي التي تتبنى مشروع الزكاة، ويتوسـع وعاء مصرف الزكاة بسبب ما تتحمله هذه الدولة من التبعـات، فكل ما يعود بالخير على الأمة الإسلامية فهو مثل ذلك، ومن ذلك إنشـاء المدارس من أجل نشـر العلم الشريف النافع، وبناء المستشفيات التي تعود بالمصلحة على الناس، وهذه من الأمور المستجدة في هذا العصر، أما أصحابنا ـ رحمهم الله ـ فإنهم يجعلون سبيل الله الجهاد، الذي هو سبب لتقوية هذه الأمة ونشـر دين الله في الأرض، والله أعلم.

من هو «ابن السبيل» ولماذا يعنى به في الإسلام؟ وهل هناك شرط لإعطائه من مال الزكاة؟ وكم يعطى؟ وهل اللقيط يدخل في ابن السبيل؟

ابن السبيل هو المسافر المنقطع عن أهله في غير معصية لله تعالى، فإنه يعطى من مال الزكاة لسـد حاجته، إن كان فقيرا في سفره، ولو كان غنيا في حضره، وإعطاؤه من الزكاة حتى لا يبقى ضيعة، لأنه مع افتقاره في سفره لو أهمل ولـم يعط من الزكاة، ولم ينفق عليه من المال ما يسـد حاجته، لأدى ذلك إلى ضياعه، والإسلام يرعى حقوق البشرية، ولذلك فرض هذه النفقة في مال المسلمين من أجل تلافي هذا الأمر، وإغناء ابن السبيل بقدر ما يسد حاجته، وفي هذا إشارة إلى أن الإسلام يشجع على السياحة من أجل التفكر في آيات الله في الأنفس والآفاق، ومن أجل الاستفادة من المعارف المتبادلة بين الناس، ودراسـة أوضاعهم الاجتماعية وغيرها، أما اللقيط فإن له نصيبا من بيت مال المسلمين، وهو يستحق من الزكاة إن كان فقيرا، ولكنه يختلف في من هو ابن السبيل؟ لأن ابن السبيل ينتقل من مكان إلى مكان، ولذلك أضيف إلى السبيل، فهو بمثابة من جعل السبيل أباه وأمه، بسبب التزامه السير في الطريق. والله تعالى أعلم.

هل يجوز أن يعطى غير المسلمين من الزكاة أو صدقة التطوع أو زكاة الفطر؟

أما الزكاة المفروضة في الأموال فإنها لفقراء المسلمين دون غيرهم، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن آخذها من أغنيائهم وأردها إلى فقرائهم»، وهذا يعني أن الكافر ليس له حق من هذه الزكاة، ولا يعطى منها شيئا، وإنما قال علماؤنا بأنه عندما يتعذر وجود أي موحد بر أو فاجر موافق أو مخالف، ولا يتمكن الإنسان من وجود من يستحق الزكاة من المسلمين، في هذه الحالة يعطي لفقـراء أهل الذمة، ويقدم فقــراء النصارى على فقراء اليهود في ذلـك، وعمل بذلك عمر بن عبد العزيز عندما سـدت الزكاة حاجة جميع الفقراء المسلمين، وصارت تفضل عن حاجتهم، أمر أن يعطى منها فقـراء أهل الذمة، وهـذا اجتهاد منه رضي الله عنه، وعلى ذلـك أصحابنا عندما تكون الزكاة سـادة لحاجة المسلمين، ولا يوجد في المسلمين من يستحق الزكاة بسبب غنى الكل وعدم حاجة أحد إليها. أما زكاة الفطر فهي أيضا لفقراء المسلمين، وليست لغيرهم، وإنما أباح الإمام أبو سعيد رضي الله عنه إعطاءها لفقراء أهل الذمة.

وصدقة التطوع لا مانع من أن يعطى منها غير غير المسلمين بقصد تأليف قلوبهم، ودفـع المخمصة عنهم، عندمـا يكونون مضطرين في حالة عدم حربهم للمسلمين والله تعالى أعلم.