No Image
روضة الصائم

فتاوى

11 أبريل 2023
فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان
11 أبريل 2023

ـ الأموال التي اختلط فيها الحلال بالحرام كيف يتم التصرف بها، هل يجوز استخدامها؟

الأصل أن الأموال التي تأتي من كسب خبيث غير طيب أن على من اكتسبها كسبا غير مشروع أن يتخلص منها، فإن كان قد أخذها من أحد فإن عليه أن يرد هذه الأموال إليهم، وإن كانت مجهولة الأرباب فإن عليه أن يدفعها إلى الفقراء والمساكين، ويعتمد ذلك على نوع هذا الكسب غير المشروع حتى آلت إليه هذه الأموال، فعلى سبيل المثال معاملة ربوية، فآكل الربا ليس له إلا رأس ماله، وتلك الزيادة عليه أن يردها إلى من أخذ منه ذلك المال، وفي الأموال المسروقة ويريد أن يتعامل بها بيعا وشراء، فإن قامت لديه البينة أن عين هذا المال أو السلعة مسروق فليس له أن يبتاعه من صاحبه حتى لا يعينه على الباطل إن قامت عنده الحجة على عين ذلك المال، أما أن يتعامل مع من يدخل في ماله الحرام، ويعلم عنه ذلك، لكنه لا يعلم عين المال فلا مانع من التعامل معه، ومن الصور أيضا ما يكون من الكسب غير المشروع ما نهى عنه الشارع كمهر البغي، وحلوان الكاهن، لكن هذه الصور تختلف، ففيما كان من كسب حرام لكن صاحبه حصل على منفعة فإنه لا يجمع له بين منفعتين، وفيما يتعلق بمهر البغي هذا الذي استمتع بالبغي بحرام ودفع لها مالا ثم تابت هذه البغي، فإنها لا ترد له المال، كما أنها ليس لها أن تأخذ هذا المال، فهي لا ترد إليه المال لأنه حصل على منفعة في مقابل ما دفع فلا تُجمع له منفعتان، صحيح أن هذه المنفعة غير مشروعة، ومحرمة، لكن لا يرجع إليه المال بتوبة البغي، لكن يدفع هذا المال إلى الفقراء والمساكين تخلصا، ومثله ما يتعلق بحلوان الكاهن ما يكون أيضا من أجرة تدفع للكهان والمشعوذين والدجالين لعمل ما فإن هذا الكاهن إن تاب فإن عليه أن يتخلص من هذا المال لا أن يرده إلى من أخذ منهم لأن أولئك قد حصلوا على منفعة. فإذن للموضوع له صور عديدة فعلى السائل أن يبينها حتى نعرف ما الذي يسأل عنه.

ـ أنا شاب في عمر الزواج، أرغب في الزواج من فتاة محترمة، فاستشرت أهلي في ذلك ولكن تم الرفض بحجة أن أم البنت أجنبية، وهذا يتعارض مع عادات وتقاليد مجتمعنا، فما رأيكم؟

فيما يتعلق بالزواج فلا ريب أن المعايير التي يعول عليها في الصدارة هي معايير الدين والخلق، وهذا الذي أرشد إليه كتاب الله عز وجل، وهذا الذي أرشدت إليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" ويقول: "إذا خطب إليكم الكفؤ فلا تردوه، فنعوذ بالله من بوار البنات" ويقول: فاظفر بذات الدين تربت يداك" بعض هذه الأحاديث وإن كان لبعض أهل العلم مقال فيها إلا أن الأمة تلقتها بالقبول، ومع ذلك فإن الأحاديث صحيحة ثابتة عنه عليه الصلاة والسلام، ولكن هل يعني هذا عدم الالتفات إلى أوصاف أخرى، أو أن الشرع يمنع من اعتبار أوصاف أخرى في الراغب في الزواج، الصحيح أن الشرع يرعى كل ما يتعلق بالكفاءة، وسأستشهد لذلك ببعض الروايات، فلما أتت فاطمة بنت قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستشيره في من تقدم إليها، وقد تقدم إليها معاوية بن أبي سفيان، وأبو الجهم، وأسامة بن زيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، يعني أنه رجل فيه شدة، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، ولكن انكحي أسامة" تقول فنكحت أسامة فاغتبطت به أي فرحت به. فلم يكن المطعن في أحدهم الخلق أو الدين، وإنما كان في أحدهم ما يتعلق بالخصال الطبعية فيهم، أو في الأوضاع الاجتماعية أو المالية التي كانوا فيها، فأبو الجهم رجل به شدة، فعبر عنه صلى الله عليه وسلم بأنه لا يضع عصاه عن عاتقه، فالنساء تحتاج إلى من يتحنن عليهن ويعطف عليهن وتنفر ممن كان شديد الطبع غليظا في المعاملة، ومعاوية كان في ذلك الوقت فقيرا لا مال له، فإذن هنالك موانع رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكن أن تؤثر في مقاصد الزواج من الألفة والمودة والرحمة التي تنشأ بين الزوجين، وفي رواية أخرى خطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر رضي الله عنهما ابنته فاطمة، فقال لهما عليه الصلاة والسلام إنها صغيرة، ثم خطبها سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فزوجه إياها، لذلك قال للشيخين إنها صغيرة ولكن للتقارب في السن بينها وبين ابن عمها زوجه إياها.

وفي مثال آخر لصورة زواج حاصل نجد امرأة ثابت بن قيس أتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترفع أمرها إليه، فقالت: ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خلق ولا في دين ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أتردين عليه الحديقة، قالت: نعم. فطلب من ثابت أن يطلقها في مقابل قبوله بالحديقة، هي قالت أكره الكفر في الإسلام والمقصود باختصار شديد أنها لا تجد معه من الألفة والمودة ما يعينها على الطاعة والقيام بالحقوق، فخشيت أن يدفعها ذلك إلى كفران العشير وإلى تضييع الحقوق، وإلى ما يسخط الله تبارك وتعالى، فقصدت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثابت زوجها، هو خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده منزلته عند أصحاب رسول الله.

هذه الروايات تكشف أن بعض الاعتبارات مرعية شرعا وأنه ينبغي الالتفات إليها لكنها تكون بعد الدين والخلق، والأولياء مكنهم الله تبارك وتعالى في الزوج من أن يكون لهم قول فإذن الولي شرط في صحة الزواج، ما لم يبلغ حد العضل، والله تعالى أعلم.