فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي
فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي
روضة الصائم

فتاوى

10 أبريل 2023
فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان
10 أبريل 2023

ـ في قوله تعالى في بني إسرائيل: "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ" وقال الله تعالى:"كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ" وهذا الوصل في أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، هل يعني أن بني إسرائيل فضلهم الله تعالى حتى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟

لا. لا يعني هذا، فالآية الأولى هي خطاب لبني إسرائيل في ما فضلهم الله تعالى به على عالمي زمانهم كما يقول العلامة السيوطي في تفسير الجلالين، وكما نص على ذلك مفسرو كتاب الله عز وجل بأن المقصود أهل زمانهم، فهذا التفضيل هو عموم عرفي كما يقال، دل عليه السياق، ويقصد به أنهم مفضلون بنعم عددها الله تبارك وتعالى عليهم، ذكرت تفصيلا وذكرا إجمالا على أهل زمانهم، يفهم هذا بما في كتاب الله تبارك وتعالى من قوله جل وعلا: "وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ" فهنا يذكرهم موسى عليه السلام بالنعم التي بسطها الله تبارك وتعالى عليهم ففضلوا بها على العالمين في زمانهم، فإن كان المقصود بالخطاب الحاضرين زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو تذكير بالنعم التي كانت على آبائهم وسلفهم، وفيه إشارة إلى أن هذا التفضيل هو من عند الله تبارك وتعالى، وهو تفضيل بما خصهم به ربهم تبارك وتعالى، فكما أنه فضلهم فهو جل وعلا قادر على أن يفضل غيرهم، فينتبهوا إلى هذا المعنى، أنهم إن كانوا قد فضلوا في زمانهم، وما كان تفضيلهم إلا ببعثة الأنبياء فيهم، واستجابتهم للأنبياء، فإنه جل وعلا يفضل من شاء، بأن يبعث فيهم رسولا وبأن يبوئهم لقبول ما جاء به الرسول فحتى يتنبهوا إلى هذا المعنى يخاطبون بهذا الخطاب وإن كان المقصود هو حكاية ما خوطب به سلفهم، فإن المعنى أظهر في أن المقصود هو عالمي زمانهم، فإن غيرهم في ذلك الوقت لم يتلق رسالة رسل، وكانوا أسرى لشهواتهم ولأحوالهم الاجتماعية ولظروفهم السياسية، بينما حرر بنو إسرائيل من كل ذلك، وتوالت فيهم الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وآتاهم من النعم ما لم يؤت غيرهم، مثل المن والسلوى وظلل عليهم الغمام، ومن عليهم بالعفو، وأراهم الآيات آية بعد آية، وتاب عليهم بعد عظيم الجرائم التي ارتكبوها، وبسط لهم في الأرض، وأوسع لهم في الرزق، فكل هذه من النعم التي فضلوا بها على العالمين في وقتهم، وهذا هو المقصود.

أما قوله تبارك وتعالى: " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" فهو تفضيل على الإطلاق، فهذا تفضيل عمومي على وجهه، لأنه استعمل كلمة الخير، وهناك التفضيل بأمور معلومة يعلمها المخاطب، وبينها كتاب الله تبارك وتعالى وهي التي تقدم ذكرها، أما هذا فهي خيرية على الإطلاق، ثم إنه قال" خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" فهذا يعني أنه ليس محصورا بزمانهم، وإنما زمانهم يمتد بامتداد رسالتهم، ولأن رسولهم هو سيد الأولين والآخرين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، ولأن رسالته هي الرسالة الخاتمة فإن هذه الخيرية ممتدة باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لكن هذه الخيرية التي وصفوا بها إنما هي مشروطة بتحملهم لهذا الميراث، وأدائهم لحقوق هذه الرسالة التي جاء بها نبينا صلى الله عليه وسلم، ولهذا الكتاب الذي أكرموا به والله تعالى أعلم.

ـ توفيت الأم وعندها ابن وبنت تجاوزا العشرين عاما، ولكن أوصت الأم بعد موتها بأن يكون الأولاد مع خالتهم، بالرغم من أن الأب كبير في السن ويعيش لوحده في بيت، ويدعوهم إلى البر لكنهم رفضوا وكانوا يعيشون جميعا في بيت واحد قبل وفاة الأم، هل يعتبر عدم تنفيذ هذه الوصية من العقوق؟

لا ليس هذا من العقوق، لأن مثل هذه الوصية ليست مما يجب تنفيذه عليهما، إلا إن ظهر لهما مزيد بر ومصلحة، ولا يظهر هذا، فإن البر بأن يقومان بشأن أبيهما، وأن يرعياه، وأن يؤديا إليه حقوقه، وأن يكونا معه، نعم لخالتهما عليهما حق لكنه ليس كحق الأب، فلا يظهر وجه أن توصي الأم أولادها بأن يقطعوا أباهم، وأن يصلوا خالتهم، فكان الأجدر بهما أن توصيهم ببر الجميع، وأن ينزلوا هذه الحقوق منازلها، فحق الأب أعظم، من حق سائر من بقي لهم من أقاربهم ما كان يزيد عليه إلا حق الأم، وقد وفدت إلى ربها، وهم بالغون مكلفون راشدون، فليست هذه الوصية من الوصايا التي يجب تنفيذها، وإنما ينظر فيما فيها من وجوه البر والمعروف مما يمكن لهما أن يقوما به فلا يفرطا فيه، لكن الأولى لهما أن يقوما بشأن أبيهما وأن يرعياه، ولا سيما أن السؤال يقول بأنه أصبح كبيرا في السن، فعليهما أن يتقربا إلى الله تبارك وتعالى بالقيام بحق أبيهما عليها والله تعالى أعلم.