علي الهطالي
علي الهطالي
روضة الصائم

علي بن صالح الهطالي يروي كيف كان يقسم ماء الفلج بمطالعة النجوم

01 مايو 2021
01 مايو 2021

يبلغ من العمر 85 عاما، ويحمل معه كنزا من الحكايات والذكريات التي تغطي تلك السنوات الطويلة من عمره المديد. إنه الوالد علي بن صالح بن عيسى الهطالي من سكان قرية الهجير بولاية العوابي بمحافظة جنوب الباطنة.

يقول الهطالي في حديثه لصفحة «روضة الصائم» أنا من مواليد 1357 هجري. وفي هذا الموضوع يتذكر الوالد علي الهطالي من كان في عمره من رفاق الدرب. ويقول بنبرة ملؤها الأسى: أفتقدهم ومشتاق إليهم وهم بالمئات من كانوا في سني أو دون ذلك وباتوا تحت الثرى. ورغم أن نظره بدأ في الضعف قليلا ولا يستطيع المشيء لمسافات طويلة إلا أنه صحته ما زالت جيدة، وعندما سألته عن سر ذلك قال: هذا توفيق من الله سبحانه وتعالى. ثم يكمل حديثه بالقول: رغم قسوة العيش في الماضي إلا أن طعامنا كان من بيئتنا محليا، وأكثره من السمن العماني وعسل النحل الجبلي وحليب الأغنام، وإن كان من سبب بعد الله سبحانه وتعالى في بقاء صحتي فيعود لتلك المأكولات إلى جانب أن حركتنا كانت كلها مشيّا على الأقدام، وكان أكثر مسيرنا في الجبال للتنقل من مكان لآخر إما لطلب العيش كجلب الحشيش الجبلي «هو علف الحيوانات» أو لجلب الحطب أو للبحث عن العسل.

يقول: ولدت في قرية حيل الأثر في كهف هناك بني أمامه جدار بسيط بالطين والحجارة فلم تكن المنازل متوفرة آنذاك فكل البناء كان بدائيا من الطين وسعف وجذوع النخيل. ويتحدث وفي نفسه حسرة وألم لأنه لم يتعلم فوالده كان ضعيف الحال لا يجد ما يقدمه للمعلم من إيجار لتعليمه فالتعليم يكلف ولي الامر 30 قرشا حتى يكمل الطالب ختم القرآن، ووالده لم يكن يجد حتى ربع هذا المبلغ لكنه في الوقت نفسه استرجع وقال: عوضني الله سبحانه وتعالى فما حرمت منه أنا وجدته في أبنائي فقد تعلموا ونالوا نصيبا من العلم والآن يعملون وبنو مستقبلهم ولديهم منازل وأسر وأولاد كل ذلك كان بتوفيق الله سبحانه وتعالى وبعد أن قيضّ الله سبحانه وتعالى لعمان السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- وجاء من بعده مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- الذي نرتسم فيه خطى السلطان الراحل والحمد لله رب العالمين عمان تعيش في خير وأمن وآمان وقد انزاح الهم وكدر العيش والمعاناة التي كنا نجدها قبل السبعين.

يواصل حديثه عن نفسه يقول بعد والدتي انتقل والدي للعيش في قرية العير بوادي بني عوف وهي قرية جبليه وبعد وفاة والدي سكنت قرية ستال بوادي بني خروص ثم سافرت لمملكة البحرين فعملت هناك كل يوم ب 6 روبيات ثم عدت إلى السلطنة ورجعت لقرية الهجير واستقر بي المقام هنا منذ ذلك الوقت فعملت في الزراعه وتربيه النحل ولم التحق بعمل حكومي فقد استعنت بفضل الله على لوازم الحياة حتى كبر أولادي فكانوا خير معين لي والحمد لله.

وعن الحاجة وشظف العيش يقول نزلنا في إحدى السنين إلى العوابي أيام جداد المبسلي فقط لنأكل رطب ولكن وجدنا الناس هناك بأعداد كبيرة ولم نستطع ان نزاحمهم للحصول على شيء فاشتغلت في التركبة «التركبة المكان الذي كانت تطبخ فيه بسور المبسلي» كنت أعمل من الصباح إلى المساء مقابل قرش واحد فقط، ويقول أذكر أن حدث في سنة من السنوات انعدمت الثمار بشكل نهائي من أودية وادي بني خروص ووادي بني عوف ووادي السحتن وذهب الناس إلى المدن في العوابي ونخل والرستاق وقاموا باستطناء ثمار نخيل المبسلي وكانوا في أمس الحاجة إليه لحصاده والعودة به إلى بلدانهم لكن شاءت قدرة الله تعالى فهطلت أمطار غزيرة استمرت لفترة فأدت إلى تساقط كل الثمار وما بقي عالقا في النخيل فسد ولم يعد صالحا للأكل ورجعوا بدون فائدة وكانت معاناتهم في تلك السنه شديدة للغاية فكان التمر هو الغذاء الرئيسي في كل عمان.

وقال حدث في زمن جدي غلاء كثير وانعدم الأرز، وقد طلب جدي من والدي الذهاب الى سوق نزوى واشترى سدس أرز بقرشين فضة «والسدس أقلّ من المكيال وهو وعاء صغير يستخدم لكيل العيش وتقدير كميته» يقول: لم نكن نعرف اللباس المتوفر اليوم، حتى الأحذيه كانت غير موجودة وكنا نستخدم الشامية «الشاميّة حذاء لنصف القدم فقط تصنع من الصوف ومن يستخدمها يجب أن يمشي على مقدمة قدميه فبقية القدم حافية» كان الناس في حاجة لا صحة ولا تعليم ولا وسيلة نقل أذكر أن أحد الجماعة اسمه صفوان بن عبدالله الهطالي أصله من ولاية نخل جاء متطوعّا ليعلّم القرآن الكريم لمن لا يستطيع التعلم وكان مجتهدا في تعليم الناس وإرشادهم وتعلم على يديه عدد من أهالي القرية وكانوا للإضاءة يستخدمون القلاليم «جمع قلمة وهو جزء من طرف النخيل اليابس» هذه نماذج من الصعوبات والحياة السابقة وقد عرّج بنا الوالد علي إلى الحياة بصفة عامة في القرية يقول الناس متعاونون ويساعد بعضهم البعض في قضاء احتياجاتهم خاصة في الزراعه وخلال حصاد الثمار ويقول إلى ما قبل أربع سنوات كانت القرية تستخدم نظام ري الزراعة بالنجوم في الليل واللمد في النهار لتقسيم مياه الفلج في عمليه الري وتسمى «الحيانة» وكان لديّ معرفة وخبرة في هذا المجال فأنا منذ الصغر بدأت أتعلم طريقه متابعة النجوم وطريقه توزيع مياه الفلج وعن سبب تغيير النظام يقول كان اللمد في جدار المسجد وتمت إعادة بناء المسجد فانطمست معالم اللمد فاعتمد الأهالي على نظام الساعة وكنت ولا أزال أحفظ النجوم التي عندما يظهر أحد منها يدل على مقياس معين لري الزراعة فكانت النجوم تسمى «كوي والمنصف والطائر والغراب والأدم والصارة الأولى والصارة الوسط والخلع ونجم العرش والكوكبين والفتح والثرياء والدبران وغيرها» ويقول بعض النجوم يحسب لها قدر أثرين من الماء وآخر يحسب له أثر ونصف وهكذا وعدد آثار فلج القرية يصل إلى 360 أثرا وكل مياه الفلج تسقى بها مزروعات القرية ويتم تلجيله «أي جمع الماء في خزان أرضي يسمى اللجل» وعندما يتجمع يقوم صاحب الماء بطلق اللجل ثم يسقي مزروعاته وقد تعارف الأهالي على هذا منذ القدم وما زالوا يسيرون على النهج نفسه وأكثر الزراعة هي لاشجار النخيل والليمون والبر والثوم والبصل والغرغر في وقت الزراعة الموسميّة ويختم الوالد علي حديثه عن رمضان يقول هو شهر الرحمه والمغفرة وكان الناس يتجمعون للفطور في المسجد ثم لأداء صلاة التراويح وكان الفطور قليلا من التمر وشيئا من اللبن وكذلك السحور الآن الموائد من كل صنف والناس تكثر من إعداد وجبات الرمضان وأنصح بالترشيد والعمل والمحافظة على الصحة والأهم في كل ذلك المحافظة على طاعة الله سبحانه وتعالى والعمل بما أمر به واجتناب ما نهى وأنا ولله الحمد رغم أنني لم أتعلم لكني كنت استمع للمقرئين فمّن الله تعالى علي بحفظ شيء يسير من القرآن الكريم ومواظب على قراءته.