روضة الصائم

عبدالله بن سيف الهشامي: في نهار رمضان نتعلم القرآن ونرعى الأغنام بوادي مستل

11 أبريل 2022
ذكريات الشهر الفضيل
11 أبريل 2022

نسمع صوت الطبل من قلعة الغبرة قبل الفجر لنعرف بأنه وقت السحور

أمرني أبي بصيام شهر رمضان المبارك في ليلة باردة وهادئة، وأنا في بداية العقد الثاني من العمر بعد أن كنت أتعلّم القرآن والقراءة عند المْعَلّم رهين من الحيل ونحن في مسجد (الخزينة) القديم المبني بالطين في قرية الغبرة. نعم فقد شاهد آباؤنا إشعال النار من (قرن هلال) أعلى قرية الفيق بوادي بني حرّاص، أو من (جبل الرق) أعلى قرية الغبرة فهلّ هلال الشهر الفضيل. ذلك ما بدأ به حديثه الوالد عبدالله بن سيف بن أحمد الهشامي من قرية الصبحيّة بوادي مستل بولاية وادي المعاول.

وادي مستل هو أحد الأودية الشهيرة بمحافظة جنوب الباطنة، يضم العديد من القرى الجميلة والزراعية والسياحية، منها ما يتبع الجارتين: ولاية نخل والأخرى ولاية وادي المعاول؛ فمثل قُرى وكان والهجار والقورة وحدش والخضراء وعقبة وغيرها، إضافة لوادي بني حرّاص فهي تتبع ولاية نخل. أما قُرى الغبرة والصبحية وقيس ووجمة والردة وإمطي والحيل ومياقع وحسماء والشبيك ودعننت وغيرها فهي لولاية وادي المعاول، يعيش أهلها في ودٍّ وانسجام وتعاون وإخاء.

ويضيف الوالد عبدالله الهشامي: نسكن في (عرشان) وخيام من سعف النخيل أو بعض الحجارة والطين شتاءً وصيفا، لا نعرف الكهرباء والاتصالات ولا وسائل التنقل سوى الجمال والحمير. نزرع ونربي الإبل ونرعى الأغنام ونستقي من (الطوي) بقرية الغبرة، ونبحث عن عسل النحل ونجني ثمار الأشجار والنباتات الجبلية الموسمية كالبوت والزعتر، ونصنع الزيوت الطبية الطبيعية كزيت القفص وزيت الشوع، كل ذلك ونحن صائمون، تمرّ السنون وتتعاقب المواسم صيفا وشتاء منذ أن كنا أطفالا صغارا حتى بدأت ملامح الحياة تتغيّر في بدايات النهضة المباركة.

أما عن الإمساك والإفطار بعد الصيام فقال: نسمع صوت المؤذن من مسجد الخزينة؛ لأن القرى قريبة والليل هدوء وسكينة، كما نسمع صوت (الطبل) من قلعة الغبرة قبل الفجر لنعرف بأنه وقت السحور. فهم أهل خبرة ودراية بالمواقيت ويعتمدون على النجوم وحركة الشمس والظل.

أما عن الماء فيوضع عليه (لحاف) لتبريده؛ وهو قطعة من قماش ترش بالماء حتى تقوم بعملية التبريد قليلا، أو من يمتلك (جحلة) من فخار أو (قُربة أو سعن) من جلد الغنم. والماء يستخرج من (الطوي) إما بـ(الزيجرة) أو بـ(الدلو) يدويا، فمنها نسقي ونرتوي. وإذا جئنا إلى الإفطار أو العشاء أو السحور فحسبنا خبز (البُّر) وحليب الغنم الطازج وسمن البقر المحلي والعسل الجبلي وقليلٌ جدا من الأرز، وشيء من لحم الأغنام والماعز والضأن الطازج أو المجفف في الشمس بالملح والكركم والفلفل وهو ما يُسمى (المْشرّح). تلك الأكلات الطبيعية والصحية التي تطبخ بحطب السمر في أواني الفخار كـ(دلة المدر) أو النحاس (الصفر)، والنوم تحت النجوم هي التي تعيننا على بدء يوم جديد من العمل في الزراعة التي أبرزها النخيل والخيار والثوم والبصل والوعى (القرع) والبوبر وقليل من البقوليات، إضافة لتربية الحيوانات بكل نشاط وحيوية وسعادة ونحن صيام في الشهر الفضيل. كما أذكر أننا نفطر أحيانا مع الجيران والأهل في اجتماع طيب، وإذا أتى ضيف فيكرمه الجميع ويفطرون معه. كما نلتقي بعد الصلاة لتبادل أطراف الحديث. ويلعب الأطفال بعض الألعاب التراثية القديمة التي اختفت الآن مثل (الكربة والزورة) وغيرها.

ثم أخذنا الحوار عن الأمطار أو الجفاف في تلكم السنين الغابرة فقال الوالد عبدالله: أذكر (جرفة) أخذت شجرة السمر وما بها من سعف وقماش قليل الذي كان مأوى لنا ويمثل منزلنا! فقام الجيران والأهل بالتعاون والتكاتف والتلاحم لتوفير سعف النخيل وشيء من القماش القليل لنصنع بيتا آخر. فقد كانت الأمطار تستمر عدة أيام أحيانا وتؤثر على أماكن سكنانا كما قد تؤثر على النخلة والزراعة. وقد يأتي صيف حار وجاف نعيش فيه شدة وصعوبة الحياة وقلة المراعي. والحمد لله أولا وأخيرا.

وعن مظاهر العيد والاستعداد له قال الوالد عبدالله بن سيف الهشامي: نشتري من السوق البعيدة قطعة قماش ثقيلة فتقوم النساء بخياطتها ويتم المحافظة عليها طويلا؛ لأن الحصول على مثلها نادر وقليل وصعب. وفي أول أيام عيد الفطر السعيد وبعد أكل (العرسية) وصلاة العيد، نجتمع تحت السدرة لأكلة (القبولي) وهي الأرز واللحم الطازج المذبوح بعد الصلاة والمطبوخ بحطب السمر. ثم نذهب مع آبائنا للسلام على كبار السن والمشايخ والأهل والجيران. ويأتي اليوم الثاني لنأكل الخبز والمشاكيك. ولم نكن نعمل (الشواء) كما هو اليوم. ولا ننسى الفنون الشعبية التقليدية كالرزحة والعازي، إضافة لضرب (الشبح) وهي أهداف من الحصى توضع في مكان بعيد وبارز على أن تتم المنافسة بين الرماة بالأسلحة التقليدية والتي منها الصمع والكند وبو شعلة والسكتون وغيرها الكثير. ثم جاء عصر النهضة المباركة، وبدأت ملامح الحياة تتغيّر للأفضل ولله الحمد. وقد دخلت الكهرباء إلى وادي مستل قبل عشرين عاما تقريبا، ثم جاءت الاتصالات والطرق والخدمات الصحية والمياه وغيرها الكثير من مظاهر النهضة الحديثة والمستدامة.