No Image
روضة الصائم

سيف الفرقاني: الحفظ يعلمك التنظيم في حياتك والالتزام بالوقت

03 أبريل 2022
حوار مع أهل القرآن
03 أبريل 2022

حفظة القرآن هم أهل الله وخاصته، اختارهم الله من بين الخلق لكي تكون صدورهم أوعية لكلامه العزيز، بفضله وتوفيقه، فتلك بركة أسبغها الله على حيواتهم، نالوها ثمرة لجهدهم في تدارس القرآن وحفظه، فبذلوا أوقاتهم رغبة منهم في حصولهم على هذا الوسام الرباني، فنالوا ما كانوا يرجون. كيف بدأت رحلتهم في الطريق المبين؟ ومن أعانهم على سلوكه؟ وما العقبات التي ذللها الله لهم لاجتيازهم هذا الدرب؟ وقصص الشغف التي رافقتهم في هذا الطريق القويم؟ وما آمالهم وطموحاتهم المستقبلية التي يطمحون إلى تحقيقها، كل ذلك وغيره نستعرضه في هذا الحوار مع الحافظ لكتاب الله «سيف بن سعيد الفرقاني»

يخبرنا الفرقاني عن بداية رحلته فيقول: بدأت رحلتي في الحفظ منذ الصغر حيث كانت تدفعني والدتي العزيزة للدراسة في مسجد الإمام نور الدين السالمي بمرفع دارس بولاية نزوى العريقة في فترة الصباح، وكانت هذه المراكز تهتم بالأجزاء الثلاثة الأخيرة من سورة المجادلة وحتى نهاية القرآن الكريم أي إلى سورة الناس، وكنتُ أرغب في حفظ باقي الأجزاء ولكني لم أجد أحدا يرشدني لمركز أو لأحد المدرسين لذلك توقفت في فترة صغري حتى انتقلت إلى العاصمة مسقط في سنة ١٤٢٥ هجرية الموافق ٢٠٠٥ م بعد ذلك لازمتُ الشيخ ناصر الخروصي في مسجد عمار بن ياسر بالحيل الشمالية بولاية السيب وبدأنا من جزء عم مرة ثانية في الحفظ والضبط وبعد ذلك حصلت ظروف للشيخ ناصر الخروصي مما اضطر إلى السفر خارج السلطنة وتوقفت مرة أخرى.

ويكمل الفرقاني حديثه: «وبعد مضي يومين من سفر الشيخ وجدتُ إعلانا في باب المسجد عن شيخ مصري اسمه محمد علي الصعيدي كان يعمل في مدرسة خاصة في الحيل الشمالية وفي الوقت نفسه كان إماما في مسجد الصحابي الجليل عمرو بن القعقاع، وبدأتُ معه من سورة البقرة كنت أقرأ في كل حصة ربعا من القرآن الكريم مع تسميع القديم من الحفظ الماضي وكنتُ أحضر في كل أسبوع ٤ حصص وكان ذلك بإيجار شهري بسيط، وقد تكفلتْ والدتي بدفع هذا المبلغ شهريا بدون كلل أو ملل بل كانت تعطيني المبلغ في وقته بدون أن تتأخر علي أو على الشيخ».

وأوضح الفرقاني أنه: «بعد ذلك انتقلتُ للشيخ المصري علي أحمد كان إماما في جامع الجيطالي بالموالح الشمالية بولاية السيب وقرأتُ عنده شطرا من القرآن مع مراجعة القديم، وبعد ذلك توجهتُ للشيخ المصري الأزهري هيثم عبدالسلام شملول وكان هذا الشيخ هو مَن ضبّط لي مخارج الحروف والصفات وكان دقيقا وشديدا في الملاحظات وفي التصحيح، وهذه الدقة والشدة هي ساعدتني في ضبط القرآن الكريم والحمد لله رب العالمين على ما وهبني من فضله وعطائه وإنعامه».

القرآن والوقت

وأوضح الفرقاني أن حفظ القرآن الكريم لا يشغلك عن التحصيل الدراسي أو مزاولة أعمالك والتزاماتك، «بل يعلمك التنظيم في حياتك والالتزام بالوقت وكذلك يعلمك المحافظة على الوقت وكيفية إدارته، ومن عجيب الأمر أنني كنتُ في فترة المدرسة إذا استشكلتْ عليّ مسألة ما في أي فن من فنون العلم قرأتُ شيئا من القرآن الكريم فأجد الإجابة حاضرة عندي وهذه من المجربات عندي.

التحديات

وحول الصعوبات والتحديات التي واجهته في مسيرة حفظه لكتاب الله العزيز بين الفرقاني أن أكثرها كان في مراجعة المحفوظ «حيث إنني في بعض الأيام أترك المراجعة لظرف ما واليوم التالي أراجع المحفوظ فأجد نفسي قد نسيت بعض الآيات ولكن لا أيأس بل أقول لنفسي بأن هذه إشارة بأني لم أحفظ هذه السورة جيدا وتحتاج لضبط أكثر وبعد أن تتقن حفظ كتاب الله الكريم تنسى جميع تلك الصعوبات والتحديات وتتلذذ بحلاوة القرآن الكريم وتلاوته آناء الليل والنهار فهي متعة ما بعدها متعة.

وعن البركة التي يتركها القرآن في حياة من يحفظه يؤكد أنها تجري في كل شيء كيف لا؟ وهو أعظم كلام في الوجود وكلام رب العالمين، والبركات تتنزل عليّ سواء شَعرتُ بذلك أو لم أشعر وهناك بركات لا تعد ولا تحصى وتكفي من هذه البركات انشراح الصدر الدائم الذي لا يتغير.

وعندما سألناه أنه هل تغيير القناعات حول قدرات الراغبين في حفظ كتاب الله من الممكن أن تجعل عملية الحفظ أسرع فأجابنا: «أنا أقول كل واحد يركز في شخصيته ويعرف كيف يتعامل معها، لأن بعض القناعات ترفع الهمم وبعضها تهدمها، ولا أنصحُ أي أحد أن يُسرَعَ في الحفظ وقد رُوِيَ عن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه حفظ القرآن الكريم في ٨ سنوات ليس ذلك لقلة في ذاكرته أو من هذا القبيل وإنما كان يحفظ و يتدبر في الآية ويعمل بها فلا يُجاوِزُونَها حتى يعملوا بها و يقفوا عند حدودها.

رسوخ الحفظ

وعن الطرق التي تعين على رسوخ الحفظ وعدم النسيان أوضح لنا طريقته التي استمدها من كتاب الله، حيث قال: «قال تعالى: «اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ» لذلك أفضل طريقة لترسيخ الحفظ هي الكتابة، والوسائل الحديثة معينة للحفظ ولكنها لا ترقى إلى مستوى الكتابة، فمَن أراد الترسيخ الأمثل والحفظ الأقوى عليه بالكتابة، والنسيان يأتي بسبب عدم المراجعة أو بسبب عدم الضبط ولابد أن تكون هناك ذاكرتين لحفظ القرآن الكريم الذاكرة البصرية، وهي عبارة عن الكتابة و الذاكرة السمعية وهي عبارة عن سماعك للقرآن الكريم من قارئ متمكن، يفصل الآيات تفصيلا، أما التلاوات التي تكون في الصلاة عادة يكون صوتها جميل ونفعها أقل، وأما ما سُجلتْ في الاستوديوهات فهي أنقى وأحلى لحافظ القرآن الكريم، أو ممن يريد أن يحفظ كتاب الله تعالى.

ويذكر لنا الفرقاني تشجيع الشيوخ الذين يحفظ معهم ومواقفهم المحفزة له فيقول الفرقاني: «أجمل قصة ذكرها لي الشيخ هيثم عبدالسلام شملول قال لي: الجميل فيك أنك لا تتغيب عن أي حصة قرآنية سواء كنتَ حافظا الجديد أم لا، وهذا يدل على اهتمامك بالقرآن الكريم ونسأل الله السلامة والعافية والإخلاص في الدنيا والآخرة يا رب العالمين».

وحول الآية التي تتردد في ذهنه دائما، ويجد نفسه يتلفظ بها دائما دون أن يشعر، فأجابنا أن هناك آيات كثيرة من أكثرها آية النور: «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ».

ربط الناشئة بالقرآن

أما عن الطرق والأساليب التي يمكن اتباعها لربط الناشئة بالقرآن الكريم أمام هذا الكم الهائل من الملهيات ووسائل الترفيه واللعب فبين أنه لا بد أن تكون للناشئة قدوات، ولذلك عندما يرون القدوات الذين يحفظون القرآن الكريم، وكيف يستغلون أوقاتهم في الحفظ و القراءة لا ريب بأنهم يحبون أن يظهروا مثل قدواتهم الذين اقتدوا بهم، لذلك أفضل طريقة للناشئة هو تحديد وقت لهم بسيط جدا لهذه الملهيات وأفضل لعبة لهم في عُمُرِهم هذا هو القراءة والكتابة مع مرحٍ تعليمي لطرد الملل وتغيير نفسية الناشئة.

وحول المسابقات القرآنية التي شارك فيها، وهل هذه المسابقات حافز للحفظ ولتجويد الحفظ فأجاب بأنه شارك في مسابقات محلية أُقيمت في نزوى ومسقط وكذلك في منطقة الباطنة، وبين أن هذه المسابقة مفيدة وتشجع الحافظ على إتقان حفظه، والسير قُدُما لحفظ ما تبقى من القرآن الكريم وهي حافز له لتثبيت الحفظ وكذلك هذه المسابقات تُبرز لنا المواهب المخفيّة في المجتمع.

وعن المشاريع المستقبلية التي يطمح إلى تحقيقها يقول الفرقاني: سجلتُ القرآن الكريم كاملا بصوتي ولله الحمد والمنة تحت إشراف الشيخ الأزهري الدكتور لؤي الشريف المُدرس بكلية العلوم الشرعية وأرجو أن يتقبله الله مني خالصا لوجهه الكريم لا أبتغي من هذا التسجيل لا سُمعةً ولا رِياءً وأنشره لوجه الله تعالى وكل مَن أراد أن ينشره فأنا أسمحُ له بذلك بدون أن يرجع إلي وأسأل الله أن يوفقني في تسجيل باقي القراءات القرآنية فقد تحدثتُ مرةً إلى سماحة شيخنا العلامة أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة -حفظه الله ورعاه- في يوم من الأيام وقلتُ له أُريد أن أسجل مصحفا كاملا برواية ورش فأرشدني أولا أن أسجل مصحفا برواية قالون وكان هذا التوجيه غاية في الأهمية.

وكذلك أريد أن أُعلم الناس القرآن الكريم كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».