No Image
روضة الصائم

سيف الحرّاصي: ننتظر إشعال النار من «قرن هلال» لنستبشر بقدوم رمضان أو العيد السعيد

04 أبريل 2022
ذكريات الشهر الفضيل
04 أبريل 2022

استقرأ ذاكرته - سامي بن خلفان البحري

الوالد سيف بن وروار بن ناصر بن خميس الحراصي وهو في العقْد السابع من العمر من قرية صقلة الشامخة العالية بشموخ وعلو أهلها يدنو من أذني فيقول: كثيرون من أجيال اليوم لا يعرفون كيف عاش أجدادهم وآباؤهم قبل عشرات السنين وما عانوه من ضنك العيش بدون كهرباء أو ماء أو وسائل مواصلات واتصالات كما هو اليوم، وكيف استطاعوا أن يطوعوا تفاصيل المكان ليحيوا مدة من الزمان، ثم قال: سأخبرك كيف كنا نستبشر برؤية الأهلة.

قرن هلال

«قرن هلال» كان يمثل علامة فارقة لدى كثير من الأجيال السابقة التي تعاقبت في السكنى في قرى وادي بني حراص في ولاية نخل بمحافظة جنوب الباطنة ومنها: صقلة والفيق والمويبين والعوينات والحاجر وغيرها؛ نعم فذلك الجبل العالي المطل على قرية الفيق يعتبر من أفضل الأماكن لرؤية هلال شهر رمضان المبارك أو إيذانا بالعيد السعيد.

ومن خلاله تنطلق شرارة إشعال النار التي يرقبها الجميع وهم في سطح العريش أو أمام خيمة سعف النخيل أو تحت شجرة السمر أو السدر أو فوق حصاة معهودة أو في الصباح الذي يجمعهم لتبادل أطراف الحديث؛ تلك هي سكناهم والبيوت التي تؤويهم قبل عشرات السنين من الآن.

إشعال النار

ويضيف الحراصي: يصعد خليفة بن عبدالله الحراصي من قرية المويبين وسعيد بن خلفان الحراصي (رحمه الله) من قرية الفيق مشيا على الأقدام التي كانت الوسيلة الأبرز والأسرع في التنقل بين تلكم الجبال العالية إلى (قرن هلال) في ذلك المكان العالي المعهود لدى جميع الأهالي المطل على قرية الفيق والذي من خلالها يمكن رؤية العديد من القرى والأودية والشعاب، وهناك يكون الأفق الغربي قد لاح للناظر من بعيد.

إن اختيار الوالد خليفة والوالد سعيد من قبل الأهالي ليس صدفة أو عشوائيا؛ فهم من الثقات وأهل الأمانة والصدق لدى الجميع لا سيما تمتعهم بقوة النظر وحضور البصيرة مما يؤهلهم لرؤية هلال الشهر في اليوم التاسع والعشرين، فيقومون بإشعال نار عالية تكون علامة بارزة للجميع تبشرهم برؤية الهلال ودخول الشهر الجديد لا سيما عيد الفطر السعيد، وإذا لم تُشعل النارُ فذلك دليل على إتمام عدة الشهر العربي ثلاثين يوما.

مدفع القلعة

مع أنهم تفصلهم جبال وأودية وفضاءات متباينة إلا أن سماع مدفع قلعة نخل في الجهة الشرقية أو مدفع قلعة الرستاق في الجهة الغربية، أو سماع صوت (التفق) من قرية (السوجرة) بالجبل الأخضر بعد غروب شمس التاسع والعشرين من شعبان أو من رمضان يكون إيذانا بدخول شهر الفضائل أو الخروج منه لتكون فرحة الصائم فجر اليوم التالي. نعم لأن سفوح (جبل القبال) تعد من أعلى الجبال الشامخة في تلك المنطقة كذلك (الوطاة) أو في أعلى وادي المْصَنْعَة خلف قرية (طحب)، أو في (جبل الرق) أعلى قرية الغبرة بوادي مستل. ولا يصعب على صغيرهم أو كبيرهم اعتلاؤه؛ فحياتهم ورزقهم وعيشتهم بين تلك الجبال التي أخذوا منها الصلابة والقوة والشموخ مما أكسبهم الصبر وحب العمل وبساطة الحياة القديمة.

يقول الوالد سيف: نكون أحيانا في قمم الجبال نتنقل بينها ونرعى أغنامنا وتكون هناك سكنانا فنسمع صوت مدفع قلعة نخل أو قلعة الرستاق، أو نرى النار من قرن هلال فنعرف بأن رمضان المبارك قد أتى، وإذا كنا في آخر الشهر الفضيل فنعرف بأن العيد السعيد قد جاء.

نأكل مما نزرع

نفطر بعد أذان المغرب في شهر رمضان بالخبز والحليب والسمن والعسل وقليل من التمر؛ فلم تكن الأسواق كما هي اليوم ولا وسائل التنقل؛ فأقرب سوق بولاية نخل أو الرستاق أو نزوى أو مطرح يتطلب مسيرا على الأقدام أو بالحمير مدة ومسافة ليست بالسهلة، وإن وصلنا فلا نجد ونرى في الأسواق ما نراه اليوم إطلاقا فحتى الأسماك لم نكن لنأكلها أو نجدها إلا في القليل النادر، كذلك (العيش) أو الأرز فقد كان قليلا جدًا وقد ينعدم في ظروف قاسية. وقد كان (مَنّ) التمر بقرش واحد، والسمك يوزن بـ«الكياس» الذي قد يعادله وزن رميتين من رمي «الصمع» وصفرة واحدة، والميزان «بو سلاة».

ثم يقول الوالد سيف بن وروار: نعتمد على الزراعة كثيرا وعلى تربية الأغنام وما نستطيع الحصول عليه من الطبيعة الجبلية والأودية كالنباتات والأعشاب والأشجار الطيبة. منهم من حرث الأرض وأنشأ المدرجات الزراعية في المناطق الجبلية ليزرع البر والثوم والبصل وبعض البقوليات والعنب والأمبا والسفرجل والبوبر والوعى وغيرها، وآخرون يربون الماشية فيأكلون من لحمها ويشربون من ألبانها ويبيعون منها لسد احتياجاتهم الأخرى. كما يعمد البعض إلى البحث عن عسل النحل الجبلي وجني ثمار الجبلية الموسمية كالبوت والسعتر مثلا، أو يستخرج الزيوت الطبية كزيت الشوع والقفص وغيره.

صيفا وشتاءً

نصوم رمضان في الصيف الحارق أو الشتاء القارس أو في الاعتدال وبيوتنا خيامٌ من سعف النخيل أو طين أو تحت ظلال الأشجار. في نهار رمضان نزرع ونحصد ونرعى الأغنام، وفي الليل لحافنا نجوم السماء، ولا تخلو الأجواء من التقلبات الطبيعية فتأتي الأمطار بلا موعد وتستمر أياما قد تأخذ معها شيئا من خيامنا.

يتذكر الوالد سيف الإفطار الجماعي في مسجد المحيدث بقرية صقلة ومسجد الجامع أحيانا تلك المساجد الصغيرة المتواضعة والعامرة بأهلها فيأتي كلُّ جارٍ بما لديه من خبز أو حليب وشيء من التمر أو قليل من السمن والعسل والقهوة المطبوخة بالحطب في (دلة المدر) فيفطرون بمعية أولادهم. كما يلتقون بعد صلاة التراويح لتبادل أطراف الحديث وما وصلهم من أخبار البلدان. أما السحور بالأكلات ذاتها ولكنْ كلٌّ في خيمته ينتظرون المؤذن الذي يستدل بنجمة في السماء كما يستدل بالشمس في ساعات الغروب.

هنا تذكرت الماء فكيف ومن أين يشربون والحرارة قد تتعدى الأربعين وقد تنزل دون الصفر في ذلكم المكان العالي؟! فيجيبني قائلا: فلج العين الغربي وفلج المحيدث الشرقي في الصيف يكون أقرب للبرودة وفي الشتاء هو أقرب للحرارة، منه نشرب ونسقي. فسبحان الله الذي أبدع كل شيء خلقه وسخر لهم ذلك. كذلك عندما يسكنون في بطون الأودية أو قمم الجبال العالية البعيدة فإما أن يكون (الغيل) في الوادي هو مصدر الماء أو (الجباة) أو ما يتجمع في (الجفر أو الكيران) مثلا أو تلك الأحواض التي بُنيت قديما بطين محروق مع شيء من الأشجار الجبلية القوية ليمثل الصاروج العماني القوي. كما كانت تُدبغ جلود الأغنام والماعز في نزوى وبهلا ومسلمات فيصنع منها (السعن) وتصنع (الجحال) وكلها لتبريد وحفظ مياه الشرب.

مظاهر العيد

(الشامية) أو (الشويمية) المصنوعة من شعر الأغنام العمانية هي النِعال البارزة التي قد تتهيأ للبعض ليغطي بها باطن قدمه، أو قد تُدبغ جلود الأغنام والماعز فيُصنع منها النعال. ومنهم من يستخدم سعف النخيل أو صوف الجعد أو الخرفان وشعر الغنم فيغزلها وينسجها ويصنع (سُمّة) صغيرة لتكون كُمّة أو قميصا. كما قد يحصل آخرون على قطع قماش في أحد الأسواق البعيدة فتقوم النساء بخياطتها يدويا في البيت فتخرج (دشداشة) لها قيمتها ورونقها ليزهو بها ويحافظ عليها.

ويؤكد الوالد سيف بن وروار الحراصي أن الزي العماني التقليدي الأصيل الضارب بجذوره في عمق التاريخ الموغل لا مساس به من الصغير أو الكبير فالدشداشة العمانية والمصر والمحزم والخنجر والسير والسكين لا تفارقنا إلى يومنا هذا. كذلك إكرام الضيف ومساعدة الأخ والتعاون وغيرها من الصفات النبيلة والعادات والتقاليد.

ثم يقول: لقد دخلت الكهرباء إلى قرى وادي بني حراص قبل عشرين عاما تقريبا، وما زلنا إلى اليوم محافظين على كثير من مظاهر العيد التي كانت أبرزها أكلة (العرسية) في ليلة العيد فيجتمع الجيران ليأكلوا جميعا. كما أننا وبعد صلاة العيد نأكل (التقلية) وفي اليوم الثاني تعمل المشاكيك على الحصى بطريقة المضبي اليوم، ونأكل (الكبسة أو القبولي) في اليوم الثالث، وأما في فترة العصر ولمدة ثلاثة أيام تقام الفنون الشعبية كالرزحة والعازي.