روضة الصائم

سقطت مغمىً عليّ من التعب في أحد أيام رمضان وفلج الغنتق أعاد لي نشاطي

26 أبريل 2022
ذكريات الشهر الفضيل
26 أبريل 2022

الخيّاط خميس أمبوسعيدي ورحلة صداقة ووفاء مع ماكينة الخياطة على مدى 52 عاماً

مع بزوغ أشعة الشمس بألوانها الذهبية يصل الوالد خميس بن سعيد بن محمد أمبوسعيدي إلى دكانه الصغير في السوق المركزي بولاية نزوى إيذاناً ببدء يوم عمل جديد في خياطة الملابس الرجالية التي يمتهنها منذ 52 سنة ويحافظ عليها رغم تقلّبات الأوضاع وظروف الحياة المختلفة حيث اتّخذ من هذه المهنة مصدراً لرزقه منذ بداية السبعينيات ورافداً لمورد آخر بعد التحاقه بعمل في بداية التسعينيات وحتى بداية الألفية الجديدة ليعود لمهنته بشغف كبير وهو سعيد والابتسامة تعلو محيّاه حين يستقبل الزبائن بأبيات من الحكم أو طرائف من الأدب لتكون عربون صداقة دائمة بينه وبين زبائنه من روّاد السوق وممن كانوا أوفياء لرفيق دربهم في الماضي ولم يبتعدوا عنه برغم وجود محلات الخياطة الأخرى التي توفّر -الموديلات الجديدة باستمرار- وخلال زيارتي له في محله المتواضع استقبلني كعادته مع كل من يُقبل عليه بالترحاب والابتسامة وزادت عبارات الترحيب سيما وأننا ترافقنا في رحلة حج مباركة في إحدى السنوات فكانت فرصة لاستعادة شريط الذكريات معه وحكايته مع مهنة الخياطة وأجواء رمضان.

بدأت الحوار مع العم خميس عن ذكرياته في شهر رمضان حيث بدأ الصيام في عمر العاشرة تقريباً وكان الوقت في ذلك العام شتاءً الأمر الذي ساعده على استكمال صيام الشهر بسهولة ويسر سيما وأن والده كان يتابعه باستمرار ويشجّعه على اغتنام أوقات شهر رمضان في أشياء مفيدة كون شهر رمضان أيامه فضيلة وتتواصل الأيام وتدور الأشهر ويقع شهر رمضان في أحد شهور الصيف الحارة وكنت وقتها أقتني درّاجة نارية وقبل المغرب وبينما كنت أقود الدراجة أحسست بدوار من شدة الحرارة والعطش ووقعت مغمىً علي وصادف مرور بعض الأشخاص الذين أخذوني إلى فلج الغنتق وقاموا برشّي بالمياه لاستعادة وعيي ونشاطي فكانت من المواقف الشديدة والصعبة ولكنّها كانت مفيدة زادتني إصرار على التمسّك بالصيام وتابع القول في نهار رمضان كنت أقوم ببعض الأعمال نتيجة الفقر وقلة ما باليد حيث أساعد الوالد في أعماله وفي الزراعة ونتعلّم وقت العصر عند المعلّم راشد بن عبدالله العامري رحمه الله مع بعض الأخوة من رفقاء الدرب ثم انتقلنا للتعلّم في جامع نزوى عند المعلّم سعود بن أحمد الإسحاقي ومررت على كثير من المعلمين من بينهم المعلّم علي بن راشد الحسيني والمعلّمة عيناء بنت سالم بن بشير الحوقانية والمعلّم مبارك بن مرهون العبيداني في سعال وغيرهم ممن مررنا عليهم خلال فترة الصبا.

امتهان الخياطة

يواصل العم خميس حديثه بالقول في بداية عام 1970 التحقت بالجيش في عهد السلطان سعيد بن تيمور بوظيفة خيّاط براتب 25 ريالا في الشهر وتعلّمت الخياطة وبرفقتي زميل المهنة محمد بن خميس النعماني رحمه الله وكان مقرراً أن يكون مقر العمل في نزوى ولكن بعد مرور 20 يوما تم إبلاغنا بالانتقال إلى عبري ومكثنا هناك سبعة أشهر ثم بعد تولي السلطان قابوس - طيب الله ثراه - الحكم نُقلنا مرّة أخرى إلى الجبل الأخضر ومكثنا أربعة أشهر ثم مرة إلى نزوى ومكثنا أربعة أشهر ثم نُقلنا إلى صلالة ومكثنا ثمانية أشهر ونتيجة لهذه التنقلات بين الكتائب أصابنا الملل فقررنا أنا ورفيق دربي محمد النعماني الاستقالة وفتح محل خاص لخياطة الملابس وكان ذلك في أوائل العام 1971 حيث كان الإقبال على الخياطة كبيراً وهي مهنة بدأت في التوسّع من خلال وجود الكثير من العمانيين الذين يمتهنونها حيث قمت بشراء ماكينة خياطة بقيمة 45 ريالا وما زالت موجود معي حتى الآن لأنني أقوم بصيانتها والمحافظة عليها وكان قيمة خياطة الدشداشة الواحدة نصف ريال فالقناعة كانت موجودة ولله الحمد استمررت في العمل في هذه المهنة حتى مع التحاقي بالعمل كحارس في جامع السلطان قابوس عام 1982 حيث ظللت أمارس المهنة في وقت الراحة بين المناوبات وتفرّغت للمهنة مجدداً بعد تقاعدي حيث أواصل العمل حتى اليوم رغم حزني لرحيل رفقاء الدرب من أصحاب المهنة محمد بن خميس النعماني وزاهر بن سالم السيباني وعامر بن خميس الكندي وغيرهم؛ وقال رغم وجود المحلات الكبيرة للخياطة ودخول الوافدين في هذا المجال لم أفقد شغفي واهتمامي بالمهنة وكذلك لدي زبائني وحاول الكثير من الوافدين إغرائي بمحل أكبر وعمالة أكون مشرفاً عليهم إلا أنني رفضت وتمسّكت بمهنتي التي تساعدني على قضاء وقت الفراغ حيث أقوم بخياطة الدشداشة حالياً بثلاثة ريالات وكذلك خياطة الأحزمة التي يستخدمها الحجاج والمعتمرين لحفظ النقود والهواتف وكذلك تعديل القمصان والوزار وغير ذلك إضافة إلى خبرتي في إصلاح مكائن الخياطة.

وعن أوقات استقبال طلبيات الخياطة خلال المواسم الخاصة قال بالنسبة لعيد الفطر فإنني أتلقى الطلبيات إلى نهاية شهر شعبان حيث أتـفرّغ خلال شهر رمضان لخياطة الطلبيات الموجودة لكي أقوم بتسليمها في الوقت المناسب قبل العيد وليتمكّن الزبون من تجربتها وكذلك بالنسبة لعيد الأضحى أما بالنسبة لعمليات الخياطة فهي مريحة وسهلة حيث أنجز عمل الدشداشة خلال ساعتين؛ وبالنسبة للملابس النسائية فلم تكن هناك محلات خياطة بل تُخاط في المنازل عن طريق نساء معروفات يقمن بزركشتها ونقشها ولا يسمح للنساء بالعمل في الأسواق بل يقمن بالعمل في منازلهن.

القناعة والرضا

في السابق كانت معظم الأعمال في الزراعة والرعي ومساعدة الآخرين ونقل الأغراض والمؤن على الحمير ورغم صعوبة الحياة إلا أن القناعة والرضا سائد بين الناس وكذلك التكافل والتراحم فكل أنواع الزراعة موجودة ونأكل مما نزرع ونربي ولم نكن نستورد الغذاء من الخارج سوى الأرز والقهوة أما باقي المواد الغذائية متوفرة محلياً وأغلب طعام الناس وقت الإفطار التمر واللبن والقهوة ثم العشاء بالثريد والأرز ونتسامر في ليالي الشهر الفضيل ومع اقتراب نهاية الشهر الفضيل يتم الاجتماع لتحري الهلال خارج الحارة وهناك أشخاص مشهورين بحدّة النظر كما ينتشر مجموعة من عساكر الوالي في الحارات لتلقي أنباء الرؤية لإبلاغ المقر الإداري للحكم في حصن نزوى وهذا الإجراء متّبع عند دخول رمضان أو شوّال ويحدث كثيراً أن تتأخر عمليات البلاغات عن الصوم أو الفطر حيث يصل الخبر صباحاً.

مظاهر العيد

وفي صباح العيد تبدأ المظاهر بعد صلاة الفجر من خلال إطلاق الأعيرة النارية من الأسلحة الموجود - الكَند والصمع - ثم الاغتسال ولبس الملابس وأكل التصبوحة سواء العرسية أو الأرز بعدها نخرج زرافات لمصلى العيد ثم نقوم بتبادل الزيارات وتكون الزيارات جماعية؛ وفي المساء نتجمّع في الوادي الأبيض ملتقى الحارات وكان يطلق عليه بين حاجرين لأنه يربط الحاجر الشرقي بالغربي من نزوى حيث تقام الرقصات الشعبية والفن الشعبي واستعراض الخيول إلى سوق نزوى كما تقام عمليات الرماية المعروفة محلياً حيث تستمر الأفراح طوال أيام العيد.