روضة الصائم

سامي المعمري: أعظم البركات أن الله يسر لي العمل معلما للقرآن الكريم لأنفع به مجتمعي المشكلة التي تعيق الحُفّاظ هي مسألة تنظيم الوقت ومقدار الحفظ

20 أبريل 2022
حوار مع أهل القرآن
20 أبريل 2022

أطمح في المستقبل القريب لإتقان القراءات العشر

حفظة القرآن هم أهل الله وخاصته، اختارهم الله من بين الخلق لكي تكون صدورهم أوعية لكلامه العزيز، بفضله وتوفيقه، فتلك بركة أسبغها الله على حيواتهم، نالوها ثمرة لجهدهم في تدارس القرآن وحفظه، فبذلوا أوقاتهم رغبة منهم في حصولهم على هذا الوسام الرباني، فنالوا ما كانوا يرجون، كيف بدأت رحلتهم في الطريق المبين؟ ومَن أعانهم على سلوكه؟ وما العقبات التي ذللها الله لهم لاجتيازهم هذا الدرب؟ وقصص الشغف التي رافقتهم في هذا الطريق القويم؟ وما آمالهم وطموحاتهم المستقبلية التي يطمحون إلى تحقيقها، كل ذلك وغيره نستعرضه في هذا الحوار مع الحافظ لكتاب الله «سامي بن سعيد المعمري»

متى بدأت رحلتك مع حفظ كتاب الله؟ وهل شجعتك العائلة على ذلك أم أن هنالك كانت رغبة شخصية لديك؟ حدثنا عن قصة حفظك بالتفصيل؟

بدأت حفظ كتاب الله منذ بلوغي الثامنة من عمري وسبب ذلك أنني كنت أحب سماع القرآن الكريم كثيرا من القراء وكانت لدي أشرطة سمعية احتفظ ببعضها إلى الآن فاستعذبت تلاوتهم لأنه لامس وجداني وطرق باب عقلي لأبدأ مشوار رحلتي مع القرآن الكريم فأذهب للجامع للتعليم من معلم القرآن، وأرجع البيت لأكمل ما تعلمته وأستمع لما أريد أن أحفظه لئلا يكون هناك خطأ في حفظي فوجدت التشجيع الكبير من والدي ومن مجتمعي، فأصبحوا يقدمونني للإمامة في المسجد وأنا ابن الخامسة عشرة من العمر فوجدت الحافز المجتمعي لإكمال المشوار فالناس بطبيعتها تشعر بالفخر لحافظ القرآن مهما كان عمره وطبيعته.

كيف كنت تنظم وقتك في حفظ القرآن الكريم أثناء التحصيل الدراسي أو مزاولة أعمالك والتزاماتك؟

أكثر مشكلة تعيق الحفاظ هي مسألة تنظيم الوقت ومقدار الحفظ وعدم تحديد ذلك يؤدي إلى نتيجة غير مرضية أو التوقف تماما في أحيان أخرى، فنجدهم يحفظون ما تيسر لهم من الوقت والمقدار وهنا يقعون في تشتت في مستوى حفظهم، لأن الوقت الذي حدده سابقا قد يشغل بأمر طارئ، ولذلك يجب تحديد مقدار الحفظ كذلك لأجل أن يعوضه في وقت آخر حتى يستمر على خطته التي رسمها، فمسألة المذاكرة أو الالتزام في العمل جزء من حياة كل إنسان وليست عائقا وعقبة تحيل دون ذلك فما الناجحون والمبدعون إلا اهتمامهم بتنظيم أوقاتهم وتفاصيل حياتهم.

ما الصعوبات والتحديات التي واجهتك في مسيرة حفظك للكتاب العزيز؟

إذا نظرت حولك ستجد الكثير من الأشخاص الذين يتعرضون للفشل لأنهم اختاروا الاستسلام وعدم مواجهة الصعوبات التي اعترضتهم ولكنك حينما تضع هدفا عاليا قيِّما مثل حفظ كتاب الله فيجب العمل بجد من أجل تحقيقه، فمن الصعوبات التي واجهتني مثلا متشابهات القرآن وعدم وجود مشرف يتابع حفظي في تلك الفترة ولكن الفضل بيد الله.

من خلال تجربتك الذاتية، كيف تجسدت البركة التي يتركها القرآن في حياة من يحفظه؟

الله وصف كتابه بقوله: «كِتابٌ أَنزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبَاركٌ لِّيَدَّبَّرُوا ءَاياته وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبابِ» فوصف الله له بأنه مبارك أي أنه لا يأتي إلا بخير كثير متزايد دائم، فالبركة حاضرة حينما يفتح الله لك من معاني القرآن ما يغلق عليك وما استشكل فهمه، والبركة تكون مع الحافظ في ماله وصحته وعقله ووقته، ومن أعظم البركات أن الله يسر لي العمل معلما للقرآن الكريم لأنفع به مجتمعي وأعلم غيري تلاوته وحفظه ونسأل الله الإخلاص فيه.

يقول أحد العلماء: «ما رأيت شيئا يغذي العقل والروح ويحفظ الجسم ويضمن السعادة أكثر من إدامة النظر في كتاب الله تعالى» وكفى بها بركة.

هل تغيير القناعات حول قدرات الراغبين في حفظ كتاب الله من الممكن أن تجعل عملية الحفظ أسرع؟

ما عمل الإنسان إلا فكره ومشاعره وقناعاته فحينما تقدر ثقتك بنفسك وتهتم بمشاعرك وتغير قناعاتك نحو الأفضل تجد النتيجة مطابقة فالكثير منا يعتقد أن الأحداث هي التي تسيطر على حياتنا وأن المجتمع هو المسؤول عما وصل إليه، وهذا غير صحيح فالذي يشكل حياتنا قناعاتنا وتصوراتنا الذهنية، إذن فسلوك الإنسان الحاضر عبارة عن قناعة ماضية والقناعة الحاضرة ستنتج سلوكا مستقبلا.

يعاني البعض من سرعة نسيانه لما حفظه من القرآن الكريم، ما هي الطرق الحديثة التي طبقتموها والتي تعين على رسوخ الحفظ وعدم النسيان؟

أولا الحفظ الجيد المتقن أبقى وأدوم، ومراتبه الاستماع ثم القراءة ثم تجزئة الصفحة حسب موضوعاتها ثم ربطها مع بعض ثم تسجيل الصوت في جهاز للتأكد من إتقان الحفظ ثم اختبارك ما حفظته مع مسمع متقن ثم التكرار ثم التكرار ثم التكرار فالتكرار سر الحفظ المتقن لدى الحافظ والمقصود بالتكرار هو تكرار ما تم حفظه في أوقات مختلفة.

ما أجمل المواقف التي حصلت لك أثناء مسيرتك مع حفظ كتاب الله؟ احكيها لنا؟

أجمل المواقف حينما أرى نفسي مع الحفظة والمتقنين أنعم بالجلوس معهم وأستفيد منهم وأشارك حديثهم ولقاءاتهم وأرى اسمي في المراكز الأولى في مسابقات القرآن.

ما الآية التي تتردد في ذهنك دائما؟ تجد نفسك تتلفظ بها دون أن تشعر؟

قوله تعالى:«اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء ُوَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ».

أمام هذا الكم الهائل من الملهيات ووسائل الترفيه واللعب.. ما هي الطرق والأساليب الحديثة التي تتبعونها في ربط الناشئة بالقرآن الكريم؟

عن طريق الحافز المعنوي والمادي، فالمعنوي حينما يربى الطفل على أجر وفضيلة حافظ القرآن والثواب المعد له والبركة في حياته والتوفيق في سلوكه وأن هذا القرآن فيه نور يستضيء به في حياته، وأنه سبب من أسباب السعادة، وأما المادي فكما كتب هارون الرشيد مرة إلى الولاة يقول لهم: «أما بعد، فانظروا مَنْ التزم الأذان عندكم، فاكتبوه في ألفٍ مِنَ العطاء، ومَنْ جمع القرآن، وأقبل على طلب العلم، وعمَّر مجالس العلماء ومقاعد الأدب، فاكتبوه في ألفي دينار مِنَ العطاء، ومن جمع القرآن، وروى الحديث، وتفقَّه في العلم واستبحر، فاكتبوه في أربعة آلاف دينار، وليكن ذلك بامتحان الرجال السابقين لهذا الأمر، مِنَ المعروفين به مِنْ علماء عصركم، وفضلاء دهركم، فاسمعوا قولهم، وأطيعوا أمرهم، فإن الله تعالى يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ»، وهم أهل العلم».

قال ابن المبارك رحمه الله تعالى بعد ذلك: «فما رأيت عالما ولا قارئا للقرآن، ولا سابقًا للخيرات، ولا حافظا للحرمات في أيامٍ بعد أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيام الخلفاء والصحابة رضوان الله عليهم، أكثر منهم في زمن الرشيد وأيامه، لقد كان الغلام يجمع القرآن وهو ابن ثماني سنوات.

ما هي المسابقات القرآنية التي شاركت فيها؟ وهل تجد أن هذه المسابقات حافز للحفظ ولتجويد الحفظ؟

شاركت في مسابقة السلطان قابوس لحفظ القرآن الكريم في عدة دورات وحصلت على المراكز الأولى ولله الحمد، وشاركت في مسابقة دبي العالمية ومسابقة تونس الدولية ولا شك أن المسابقات تعين الحافظ على تقوية حفظه من خلال استعداده للمسابقة جيدا واختلاطه بالمشتركين والاستفادة منهم وتنبيهات المشايخ المحكمين في لجان التحكيم.

كيف يستعد الحفاظ للمشاركة في المسابقات الدولية لحفظ القرآن الكريم؟

بالتحضير الجيد لها من خلال اختبار الحافظ مع متقن والاستفادة من ملاحظات المشتركين السابقين.

ما القراءات القرآنية التي تجيدها؟ وكيف تعلمتها؟

أتقن قراءة عاصم براوييه حفص وشعبة وأخذت الإجازة فيهما من عند الشيخ أبي معقل الجزائري حفظه الله ولا أنسى هنا ذكر معلمي الأول الذي علمني التجويد بإتقان الأستاذ محمد المدهوشي جزاه الله خيرا وبارك فيه.

ما هي المشاريع المستقبلية التي تطمحون إلى تحقيقها والتي تخص كتاب الله؟

للنجاح مستويات عدة ولا يوجد حد لها، فأطمح في المستقبل القريب بإذن الله إلى إتقان القراءات العشر هذا على المستوى الشخصي وأما على المستوى المجتمعي فهو فتح مركز متكامل يعني بعلوم القرآن الكريم لتعليم الطلبة.