زين بيت مبارك: ظفار غنية بالمحاصيل الزراعية وأهلها يعتمدون في معيشتهم على ما تنتجه الأرض
بدأ حديثه عن أول رمضان صامه فقال: عندما كنا صغاراً وقبل أن نلتحق بالمدرسة كنا لا نعرف تفسيرا للآية «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان» صدق الله العظيم. أو حديث النبي صلى الله عليه وسلـم «صوموا تصحوا» وكل ما نعرفه من أهلنا أن شهر رمضان فرض الله صيامه على المسلمين، هكذا بدأ الوالد زين بن سعيد الغاوي بن مبارك بيت مبارك حديثه عن ذكرياته مع الشهر الفضيل.
ويكمل بقوله: قد كانوا يرغبوننا في صيامه ويقولون لنا: «من يصوم يوما تنبت له نخلة في الجنة»، وعندما بدأت الصوم كنت أصوم يومين أو ثلاثة أيام ثم أفطر، ثم أصوم مرة أخرى، لنتعود على الجوع والعطش في رمضان، وبعدها أصبحنا نصوم رمضان كاملا، وأول رمضان بدأت فيه الصوم كان عمري لا يتجاوز الخمس سنوات، وكنا صغارا نتباهى بعملية الصوم ومن منا صام أكثر.
وأوضح الوالد زين أن طرق تحري رؤية هلال شهر رمضان أن الأهالي كانوا يخرجون إلى مناطق تكون فيها الرؤية ممكنة بحيث لا يوجد فيها ضباب، كما أننا نعتمد على الأخبار الواردة إلينا من المناطق الأخرى، وذلك بسماع طلقات المدافع في حالة الرؤية، كما كان هذا المدفع يطلق يوميا بعد غروب الشمس إيذانا بموعد الإفطار، و لم تكن هناك حواجز أو ضوضاء السيارات كما هو الحال الآن فإن صوت هذا المدفع كانوا يسمعونه أهلي مدينة رزات والمعمورة والمغسيل ويسمعه أهل الريف أيضاً. وكان الشخص الذي أوكل إليه القيام بأعمال هذا المدفع اسمه سبيتي بن كبايه، وكان يعمل بمفرده بدون مساعدة أحد، فهو متمرس في حشو المدفع بالبارود وإطلاقه.
وبين أن الناس كانوا حريصين على كسب الأجر والثواب في شهر رمضان الذي تتضاعف فيه الحسنات، ولذلك كانوا يجلسون لتدارس القرآن وتلاوته، خاصة بعد صلاة العصر، عندما يكونوا قد فرغوا من أعمالهم وحتى قرب صلاة المغرب، ثم يذهبون إلى بيوتهم وبعدها يعودون عند الأذان لتناول الفطور و الصلاة مع جماعة.
وعن الوجبات الرمضانية والوجبات الشعبية وتنوعها فيقول تتنوع الأطعمة في رمضان كل حسب قدرته ففي وجبة الإفطار مثلا كان الناس يتناولون التمر والقهوة واللقيمات والخبز المقصقص وشوربة اللحم، أو «السخانة» والتي يتم اعدادها من نشاء النصيل «الشوفان» ويضاف إليها الدجر «اللوبياء» أو القمح، وكذلك الأرز مع مرق السمك أو اللحم، والأرز المطبوخ بحليب النارجيل، والأرز المضاف إليه السمن البلدي، والخبز المرضوف والهريس، وخبزالجريش بالسمن البلدي وخبزالجعاليل وخبز الشرييف «خبز يعمل مثل الكعك وإنما يغلف بأوراق الذرة ثم يطبخ في حليب النارجيل ويضاف إليه السكر».
أما عند السحور فكنا نأكل ماتبقى من الأكل بعد الأفطار أو نأكل عصيدة بالسمن أو مع المرس «الصبار يوضع في الماء ثم يصفى ويضاف إليه السكر والليمون، أو حليب النارجيل مخلوط بالسكر والليمون، أو القروص وتطبخ بحليب النارجيل ويضاف له السكر».
وهذه أغلب الأصناف الرمضانية وهي لا تُعمل في يوم واحد وإنما يعمل بعضها في يوم والبعض الآخر في يوم آخر.
وحول الصعوبات التي كانوا يواجهونها في رمضان يقول كانت المعاناة في فصل الشتاء، عند هبوب الرياح وتطاير حبيبات الرمل وانعدام الرؤية، فقد كان الرجال يلبسون الإزار فقط، وكانت أجسادهم وأقدامهم عرضة لهذا الرمل اللاسع، ولم تكن الأحذية متوفرة، وكان الناس يمشون حفاة
وعن المحاصيل التي يزرعونها وكيفية تجهيز الأغذية للطبخ قال: كانت ظفار غنية بالمحاصيل الزراعية، وأهلها كانوا يعتمدون في معيشتهم على ما تنتجه الأرض من المحصول الزراعي في السهل والريف، ومن هذه المحاصيل: «محصول الذرة» و«الشَّرْخْمُوت» (الذرة البيضاء) وكانت تزرع كثيرا في الريف في فصل الخريف. والنصيل (الشوفان). والمسيبلي والبمبي والرمى والدُّجُر (اللوبيا) والفندال (البطاطا الحمراء والبيضاء) والسكر والنارجيل والقمح وجميع أنواع الخضار. وفي الخريف يجني الناس ثمرتي التّنْتَلي والكوم من الجربيب والريف. وهاتان الثمرتان أو الشجرتان لذيذتان عند طبخهما بحليب جوز الهند (النارجيل) وتؤكلان في الخريف وغير الخريف. وأذكر كان الناس عندما يذهبون لجني شجرة التنتلي أو الكوم من الجبل يتغنون بهذا البيت:
يا تنتلي يا كوم ما ناكلك من جوع.... لكن سمعنا بك إنك دواء البطون
كما أن هناك بالريف منتوج آخر ينبت في فصل الخريف وهو البيضح (حبوب أكبر من حبوب النبق) يطبخ ويؤكل. كل هذه المحاصيل الزراعية كان الناس يعتمدون عليها في طعامهم،
أما المواد والأغذية التي يتم استيرادها فتنحصر في الملابس والسكر والشاي والتمر والدبس والأرز و(الجاز) لإنارة بيوتهم، وكانت الأمهات قديما يُجِدْنَ كل أنواع الطبخ ويخبزن في التنور. وقديما لم تكن في البلد مكائن لطحن الحبوب وكانت تستخدم الرحى والمنحاز (تطحن فيها الحبوب). وهذه العملية تقوم بها النساء، ويقوم الرجال والنساء بـ«النحيز» عند جلب المحصول من المزارع. وتصفيته كما يشترك الرجال والنساء في العمل في الرَّصْرَة (مكان تجميع المحصول) فالرجال يعملون على الدواب والنساء تدق السنابل بالعصي لاستخراج الحبوب. وعملية الطحن تتم حسب الطريقة التي يحتاجونها للخبز بالتنور أو الجريش أو العصيدة أو الرُّزِّيّة أو الجعاليل (تطبخ بحبوب المسيبلي) أو القروص (تعمل بجميع أنواع الحبوب)، وقد لا يخلو بيت من الرحى والمنحاز.
و كيفية الحصول على الماء والأواني المستخدمه لجلب الماء قال: الحمدلله البلد غني بالمياه سواء مياه العيون أو الآبار، ويكاد لا يخلو بيت من بئر محفور فيه، وقد حرص الناس على هذا منذ القدم، وأما الذين لا توجد في بيوتهم آبار فهم يحصلون على الماء من آبار جيرانهم. ويتم حمل الماء في الجحال وهي أوان تصنع من الطين والفخار وبسبب توفر الكهرباء، يتم تبريد الماء بالجحال المصنوعة من الطين أو الخزف أو بواسطة القدح أو «المركيز»، وهذه الأواني أصغر من الجحال بحيث تعبأ بالماء وتحفظ في أماكن غير معرضة للشمس ومقابلة للهواء ولتسرب ثراوة الماء من مسامها فيضربها الهواء ويبرد الماء بداخلها. وكنا أيضا نشرب الماء من الساقية في المزارع.
ولمعرفة أوقات الإفطار والسحور قال: قديما لم تكن الساعات متوفرة عند الغالبية العظمى من الناس ولكن اعتمادنا على ساعة الحكومة، حيث كان لديها ساعات لضبط الوقت ثم يقرع الجرس بداخل القصر السلطاني عند كل ساعة، وهذا الجرس يسمع صوته حتى مدينتي صلالة والحافة إذا لم تكن هناك رياح آتية من الشمال. أما عند الإفطار فهناك مدفع الإفطار يغني الناس عن الساعة. وفي المناطق البعيدة يعتمدون في إفطارهم على غروب الشمس ثم أذان المغرب وهكذا. أما عند السحور فكنا نعتمد على المسحراتي في مدينتي الحصن والحافة، والمسحراتي هذا كان مواطن يقرع الطبل ويدور في الحارات وهو ينادي: فَلاَح.. فَلاَح.. فَلاَح، أي سحور.. سحور.. سحور. وهكذا طيلة شهر رمضان. وبعد شهر رمضان نعطيه أجره عن عمله هذا والأجر ليس محدود، وإنما كُلٌّ يعطيه حسب استطاعته، فالبعض يعطيه مبلغا نقديا والبعض الآخر يعطيه أرز أو ذرة أو أي نوع من المحاصيل الزراعية الأخرى. أما في المدن الأخرى فهم يؤخرون صلاة التراويح إلى النصف الأخير من الليل. ويصلون التراويح وعند خروجهم بعد الصلاة ينادون في الحارة فلاح.. فلاح أو إنهم يخرجون وهم يرددون تواشيح دينية وهكذا يقوم الناس لتناول وجبة السحور.
وحول كيفية الاستماع للأذان قال:
كنا ونحن صغارا نخرج إلى الشارع في الحي مجموعات ذكورا وإناثا وننتظر أذان المغرب وكنا نلعب ونغني، ومن هذه الأغاني والأناشيد:
يا مغرب أذن ويا شمس غيبي.. أمي صويمة تبغي اللقيمة
وعند سماع الأذان كل منا يجري إلى منزله لإبلاغ أهله بالأذان، لأنه لم تكن هناك ميكروفونات أو سماعات (مكبرات الصوت). والبعض الآخر يكلفه أهله بالصعود على سطح المنزل وإبلاغهم بالأذان عند سماعه. وكان المؤذنون يصعدون إلى أعلى المآذن ليرفعوا الأذان وحتى يسمعهم الناس، أما ونحن كبار كنا نجتمع عند المسجد ونفطر مجموعات على ما يجلبه أهل الحي من الطعام إلى المسجد.
وعن المظاهر الإجتماعية التي كانت موجودة سابقا، وأصبحت قليلة الآن أشار إلى أنه في القديم كانت هناك الكثير من المظاهر الاجتماعية التي نرى أنها اختفت أو أوشكت على الاختفاء، وهي عادات طيبة تتلاقى فيها الأسر في الشهر الفضيل. ومن هذه العادات:
المشاهرة: وهي زيارة العائلات والأسر بعضها بعضاً مع بداية شهر رمضان الكريم لتبارك لبعضها بحلول شهر رمضان.
تبادل وجبات الإفطار بين الجيران، فكان من المستحيل أن تفطر عائلة يوما دون أن تقدم لجيرانها هدية من وجبات الطعام التي أعدتها لنفسها، وذلك طيلة شهر رمضان.
سهر الأسر المتجاورة مع بعضها طيلة شهر رمضان وقد يتناولون السحور مع بعضهم.
ولعدم وجود أندية أو إنارة أو مطاعم فتجد الشباب مع أهلهم بالمنزل، وإن أرادوا اللعب والتسلية فهم لا يتعدون الحي.
وفيما يتعلق بكيفية الحصول على ملابس العيد، هل يشترون الملابس الجاهزة أم تقوم النساء بخياطتها قال: قديما كنا لا نلبس الدشداشة في العيد بل كنا نلبس القميص والإزار والكوفية. وهذا هو اللباس الرسمي كان في ظفار، وذلك لعدم وجود خياطين. حتى أولئك الذين يعملون مع الحكومة في القصر كان لباسهم الإزار والقميص وعليه المحزم والخنجر والمصر على الرأس. وكنا نشتري هذه الملابس من السوق جاهزة كما كان بعضهم يخيط الملابس بيديه. أما النساء فلم تكن ملابسهن متوفرة في السوق وكانوا يشترون القماش وتقوم النساء بخياطة الملابس النسائية في المنازل لأن ملابس النساء تحتاج إلى تطريز خاص على ذوقها وخاصة الثوب (بو ذيل) والشُّقَّة البيضاء «العباية».
مظاهر العيد التي أذكرها أننا في اليوم الأول من شوال (يوم العيد) نقوم بالاغتسال صباحا ونلبس الملابس الجديدة ثم نخرج لتأدية صلاة العيد. وقد كنا نذهب للصلاة في منطقة حيّ الشاطئ ويشارك بعض الشيوخ القادرين من سكان مدينتي الحافة وصلالة أيضا في الصلاة لأن صاحب الجلالة السلطان سعيد بن تيمور رحمه الله كان دائما يؤدي الصلاة في هذه المنطقة، وبعده كذلك صاحب الجلالة السلطان قابوس طيب الله ثراه. وهي منطقة مفتوحة على البحر وذات بستان جميل. أما باقي السكان في المدن فيصلون صلاة العيد في المساجد. وبعد أداء الصلاة والسلام على صاحب الجلالة يتجه المصلون وكل من حضر من المواطنين لتناول وجبة الفطور التي كانت تُعَدُّ داخل القصر السلطاني.
ومن مظاهر الابتهاج بالعيد إقامة الاحتفالات والرقصات الشعبية في المساء أمام القصر في ساحته الخارجية، ومن هذه الرقصات رقصة المدار والهبّوت والشبّانيّة وأحمد الكبير. وقبل المغرب تنصرف كل الفرق المشاركة في الاحتفال. وفي اليوم الثاني (ثاني يوم العيد) صباحاً يبدأ الناس بالمعايدة فيجتمع الرجال وأبناؤهم ويذهبون ليباركوا لأهلهم في البيوت بالعيد وتناول ما لذّ وطاب من طعام، مثل الحلوى والقهوة واللقيمات والكيك والأرز واللحم.. إلخ. وتستمر المعايدة لمدة ثلاثة أيام، وفي الليل تذهب النساء للمعايدة أيضا.
