300
300
روضة الصائم

زاوية لغوية - المسألة التاسعة: تعلق شبه الجملة بكائن أو استقر

30 أبريل 2021
30 أبريل 2021

يقدمها : إسماعيل العوفي

نذكر في هذا الموضوع مسألتين:

أولاهما: ما الخبر في قولنا: خالدٌ في المسجدِ؟

هذه مسألة وقع الخلاف فيها بين النحاة، فقيل: الظرف، أو الجار والمجرور هو الخبر، وقال آخرون: العامل في الظرف، أو الجار والمجرور هو الخبر، وقيل: الخبر مجموعهما، ونسبه الصبان إلى الرضي (ت:684هـ)، ولم أجده عنه، فمن جعل الخبر العامل نظر إلى أن العامل هو الأصل، والمعمول قيد له، ومن قال الخبر هو المعمول، وهو الظرف، أو الجار والمجرور نظر إلى الظاهر فجعله خبرا، ومن قال الخبر مجموعهما نظر إلى أن المقصود يتحقق بهما، فجعلهما خبرا.

والذي يظهر أن الخبر الظرف أو الجار والمجرور لكونه الظاهر، والمعنى يتم بهما، وكونه عمل فيهما غيرهما لا يلزم منه أن يكون العامل هو الخبر؛ فالعوامل تعمل في المفاعيل وغيرها، ولا يقال: إن العوامل هي المفاعيل.

ثانيهما: ما العامل في الجار والمجرور في قولنا: محمدٌ في المسجد أو في الظرفِ في قولنا: محمدٌ داخل المسجدِ.

هذه مسألة متعلقة بالعمل؛ لأن الجار والمجرور والظرف لابد أن يعمل فيهما عامل، حكمهما حكم غيرها من المعمولات، وقد اختلف النحاة في العامل فيهما، فقيل: المخالفة أي: أن الخبر ليس هو المبتدأ بخلاف (محمد قائم)، فالخبر في هذه الجملة هو المبتدأ، فالخلاف عند هؤلاء لزم منه الاختلاف في الإعراب، فالعامل معنوي وهو معنى المخالفة، وهذا القول منسوب إلى الكوفيين، فلا يحتاج إلى تقدير.

وقيل: العامل في الجار والمجرور أو الظرف الذين وقعا خبرا هو المبتدأ ونُسب إلى ابن خروف (ت:609هـ)، وهذه المسألة غير مسألة أن رافع الخبر هو المبتدأ على رأي سيبويه وجماعة من النحاة.

وقيل: العامل في الظرف أو الجار والمجرور محذوف لفظي يتعلقان به، واختلف في هذا المحذوف، فقيل: فعل؛ لأن الأصل في العمل الفعل، وتقدير الأصل أولى ونسب إلى الأكثر من النحاة، وقيل: المقدر المحذوف اسم فاعل؛ لأنه مفرد، والإفراد في الخبر هو الأصل؛ ولأن الفعل لا يغني تقديره عن تقدير اسم الفاعل؛ ليستدل على أنه في موضع رفع، واسم الفاعل مغن عن تقديره، وتقدير ما يغني أولى من تقدير ما لا يغني، وكل موضع وقع فيه الظرف، أو الجار والمجرور صلح أن يقدر العامل فيه اسم فاعل، وليس كل موضع وقع فيه الجار والمجرور، أو الظرف يصلح أن يقع فيه العامل المقدر فعلا؛ فلا يصلح أن يقدر الفعل بعد أما، وإذا الفجائية في قولهم: أما عندك فخالد، وجئت فإذا عندك محمد، وقيل: بالتخيير بين تقدير اسم فاعل، أو فعل لتكافؤ الأدلة .

والصواب في هذه المسألة: أن العامل في الجار والمجرور، أو الظرف محذوف لفظي يتعلقان به؛ لأن المعهود أن العمل يقع من الفعل وما كان في حكمه من المشتقات، ويقدر بحسب المعنى فيقدر كائن، أو استقر، أو المضارع منهما (يكون، ويستقر) إن أريد الحال أو الاستقبال، ويقدر كان، أو استقر، أو وصفهما (أي: اسم الفاعل الدال على المضي منهما) إن أريد الزمن الماضي، وإن جهل المعنى قدر الوصف، لكونه صالحا للأزمنة الثلاثة.

وقد تنبه النحاة للمعنى في التقدير في نحو (إكرامي محمدا مجتهدا)، فالتقدير (إذ كان) إن أريد المضي، و(إذا كان) إن أريد المستقبل، وأغفلوه في هذه المسألة.

وعند ذكر مسألة تعلق الظرف، أو الجار والمجرور بكائن، أو استقر يذكر النحاة أن الكون ينقسم إلى قسمين: كون عام وكون خاص، وعبر عنه بعضهم بالتام، وغير التام، فالتام هو الكون العام، وهو الذي يفهم بمجرد ذكره، أو هو ما لا يخلو منه فعل، وهو المعبر عنه بالأفعال العامة كقولهم: محمد في الدار أي: مستقر فيها، وأما غير التام فهو الذي لا يفهم إلا بذكر متعلِّقِه كقولهم: (خالد عاكف في المسجد)، فالمتعلق به في هذه الصورة لا يصح حذفه إلا إن دلت عليه قرينة كقولهم: أما سعيد فبك مأخوذ، وأما صالح فبغيرك أي: مأخوذ بغيرك، وعبر بعضهم عن الكون العام بالمستقَر، بفتح القاف، وعبر عن الكون الخاص باللغو، وسمي الأول مستقَرا؛ لاستقرار الضمير فيه بعد حذف المتعلق به، وسمي الكون الخاص لغوا؛ لعدم انتقال الضمير إلى الجار والمجرور أو الظرف، وعبر عن الكون العام بالكون المطلق، وعن الكون الخاص بالكون المقيد.

انتهى...