4141
4141
روضة الصائم

زاوية لغوية: الفعل المتعدي ثلاثيا اللازم بدخول الهمزة عليه

08 مايو 2021
08 مايو 2021

يقدمها: إسماعيل العوفي -

وقع الخلاف بين النحاة في أفعل أيُعدّ مطاوعا لفَعَل أم لا؟

وبيان في هذه المسألة يكون في نقاط:

1- معنى المطاوعة:

المُطَاوَعَةُ «أن تُريد من الشيء أَمرًا ما، فتبلُغَه بأن يَفعل ما تُريده، إن كان ممّا يَصِحُّ منه الفعل، وإِمَّا بأن يصير إِلى مثلِ حال الفاعل الذي يَصِحُّ منه الفعلُ، وإِن كان لا يصحُّ الفعل منه.

فأمَّا ما يُطاوِعُ بأن يَفعل فِعلًا تُريده منه، فنحو قولك: أَطلَقتُه فانطَلَقَ، وصَرَفتُه فانصرفَ، ألَا ترى أنه هو الذي فعلَ الانطلاقَ، والانصراف بنفسه عند إرادتك إِياهما منه، أو بَعثِك إِيّاه عليهما؟ وأمَّا ما تبلغ منه مُرادك بأن يصير إلى مثل حال الفاعل الذي يصحّ منه الفعل، فنحو قولك: قَطَعتُ الحبلَ فانقطَعَ، وكَسرتُ الحِبَّ فانكسرَ؛ ألَا ترى أنَّ الحبلَ والحُبَّ لا يَصِحُّ منهما الفعل؛ لأنه لا قُدرة لهما، فإِنما أردتَ ذلك منهما، فبلغتَه بما أحدثته أنت فيهما، لا أنهما تَوَلَّيا الفعل؛ لأنَّ الفعل لا يَصحُّ من مثلهما، ومن ذلك قوله:

(لا خُطْوتِي تَتَعاطَى غَيرَ مَوضِعِها)... ولا يَدِي، في حَمِيتِ السَّمنِ تَندَخِلُ

هو مطاوع «أدخَلتُه»، وهو من باب: انقطَعَ الحبلُ؛ لأنَّ اليد لا تكون فاعلة، إِنما هي آلة يُفعل بها».

فالمطاوعة قبول الأثر كقولنا: كسرت الزجاج فانكسر، والأصل في ذلك أنه يحتاج إلى علاج، ومباشرة عمل، والأصل في باب المطاوعة انفعل، وقد جاء افتعل للمطاوعة فيما ليس فيه علاج، وعمل مباشر كغمَّه فاغتمَّ، وجاء استفعل مطاوعا فعل كقولنا: أقمته فاستقام، وطاوع تفاعل فاعل كباعدته فتباعد، وطاوع تفعلل فعلل كقولنا: دحرجته فتدحرج، وطاوع أفعل فعل عند بعض النحاة كقولنا: كبّه فأكبّ، وهذا الوزن الأخير موضع البحث.

ورود أفعل مطاوعا فعل

ظاهر كلام المتقدمين أن أفعل لا يأتي مطاوعا فعل، وقد تتبعت هذه المسألة في الكتاب، والمقتضب وهما أصلان يحتكم إليهما؛ فلم أجد في مظان ذلك ما يدل على أن أفعل يأتي مطاوعا فعل، وقد ذكر صاحب الصحاح، وصاحب المصباح المنير أن هذا الباب قد جاء على عكس المتعارف عليه، فالأصل أن أفعل أرقى من فعل في باب التعدي، واللزوم، وليس في كلامهما ما يدل على أن أفعل مطاوع فعل، وقد ذكر الزمخشري (ت:538هـ) في الكشاف أن أكب يجعل مطاوع كب، ولكنه لا يؤيد هذا الرأي؛ فذكْر الرأي لا يلزم منه موافقته، قال الزمخشري: «يجعل (أكب) مطاوع (كبه) يقال: كببته فأكب، من الغرائب والشواذ، ونحوه: قشعت الريح السحاب فأقشع، وما هو كذلك، ولا شيء من بناء أفعل مطاوعا، ولا يتقن نحو هذا إلا حملة كتاب سيبويه»، وذكر أيضا رضي الدين في شرحه على الشافية كلاما في معنى كلام الزمخشري، وظاهر نصه أنه لا يثبت مطاوعة أفعل لفعل، ويدل على ذلك أنه جعل قول من قال: أكب مطاوع كبَّه من باب التدريس والتمرين، والقياس لا يؤيد ذلك، قال في شرح الشافية: «وقولهم: أكب مطاوع كبه تدريس؛ لأن القياس كون أفعل لتعدية فعل لا لمطاوعته».

رأي الباحث:

تبين لي من خلال الكلام المعروض المتقدم أن أفعل ليست من أوزان المطاوعة، فما معنى (أفعل) في أكبَّ ونحوه؟

يظهر من كلام الزمخشري في الكشاف أن معنى أفعل في أكبَّ، وأقشع الدخول في الشيء، أو الصيرورة إليه؛ فمعنى أكب دخل في الكب، أو صار ذا كب، ومعنى أقشع السحاب دخل في القشع وصار ذا قشع، ومطاوع كب انكب، ومطاوع قشع انقشع، قال صاحب الكشاف: «وإنما «أكب» من باب «انفض»، و«ألأم» ومعناه: دخل في الكب، وصار ذا كب، وكذلك أقشع السحاب: دخل في القشع، ومطاوع كب، وقشع انكب وانقشع».

وهذا المعنى جوّزه قطب الأئمة (ت:1232هـ) مع تصديره بأن أكب مطاوع كبَّ، قال في تيسير التفسير: «ومكباً مطاوع كب المتعدي وهو من أفعل المطاوع لفعل كمريت الناقة وأمرت وشنقت البعير فأشنق رفع رأْسه، وقشعت الريح الغيم فأشقع، ونزفت البئر فأَنزفت، ونسلت ريش الطائر فانسل، فانظر شرحي على لامية الأَفعال، وأُجيز أن يكون أكب للصيرورة، أو للدخول كالأم صار لئيماً، وأصبح دخل في الصباح، وأيمن دخل اليمن، وكل ذلك غير المطاوعة»، والظاهر من كلامه في شرح لامية الأفعال أنه لا يثبت معنى المطاوعة في أفعل «قد لا نسلم أن أكب مطاوع كبّ بل بمعنى دخل في الكب، أو صار ذا كبٍّ كأصبح دخل في الصباح، وأغدَّ صار ذا غدٍّ، وهما غير نادرين».