307
307
روضة الصائم

رمضانُ ميدانٌ للمنافسة في الطاعات، والمسارعةِ في القرُبَات

30 أبريل 2021
30 أبريل 2021

د. احمد الكعبي

تعالوا بنا أيُّها القُراءُ الأعزاءُ لنُحَلِّق بكم في عالَم الفائزين برمضان، إلى عالَم الحبِّ والإخاء، إلى دنيا الإيثار والوفاء عالَم المجتهدين والمستغفرين، عالم الرِّقة والخشوع والذلة والخضوع، عالَمِ المسارعين والمتنافسين، عالَم الحِرص والاستزادة، والتطوع بأنواع العبادة إنَّهُ عالَمُ الرجالِ الذينَ.. (لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ * يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ).

إنَّه عالمُ أهل الصفاءِ والنقاءِ، ورجالُ البذلِ والسخاءِ الذين سجَّل تاريخُ الدعوات مآثرَهم بأحرفٍ من نور فصارتْ أمجادُهم قَصَصا تُرْوَى وأحداثا على الأسماع تُتْلَى{ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا * ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

وهذه الصِّفات عَرَفْناها في سَلَفِنا الصالح رضوان الله عليهم، فنِعْم العالَم عالمُهُم، ونِعْم الصفاتُ صفاتُهم، فأولئك بحق ومن سار على دربهم واقتفى آثارَهم هم الذين أدركوا المعنى الحقيقيَّ لشهر رمضان فاستثمروا أيامه ولياليَه،

إنهم التالونَ لكتاب الله، الراكعون الساجدون، المتأثرون الباكون، المتصدقون المنفقون، المتحدثون الناصحون، العاملون المخلصون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

إنَّ الفائز بحق في رمضان هو الذي جعل عبادة الصيام وسيلةَ ارتقاءٍ إيماني، وأداةَ إحسانٍ تعبدي، فلم ينظرْ إلى العبادةِ نظرةَ حرمانٍ من المطعوماتِ والمشروباتِ وسائرِ الملذاتِ بقدر ما كانت نظرةً يتطلع من خلالها إلى الهدف الأسمى والغايةِ القصوى التي من أجلها فرض الصيام على الأمة، وهو ما أشار إليه الحق تبارك وتعالى بقوله:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ*}.

فهم لا يجعلونه موسمَ حرمان بقدر ما هو شهرُ طاعة وإيمان، وذلك لأنهم يوقنون أنه قد خاب وخسر من خرج من رمضان وهو صفرُ اليدينِ من الطاعاتِ، أو مُحَمَّلٌ بالأوزار والتبعات.

أوضح لنا رسولنا الكريم أن رمضان مجالٌ للتسابق للفوز بمغفرة الله، ونيل جنتهِ ورضاه؛ ففي الحديث عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «صعِدَ النَّبيُّ ﷺ المنبرَ فقال: آمينَ ، آمينَ ، آمينَ ، قال: أتاني جبريلُ عليْهِ السَّلامُ فقالَ : يا محمَّدُ مَن أدرَكَ أحدَ والديْهِ ، فماتَ ؛ فدخلَ النَّارَ فأبعدَهُ اللَّهُ ، قل : آمينَ ، فقلتُ : آمينَ ، فقالَ يا محمَّدُ من أدرَكَ شَهرَ رمضانَ فماتَ ، فلم يُغفَر لَهُ ، فأُدخِلَ النَّارَ ؛ فأبعدَهُ اللَّهُ ، قُل : آمينَ . فقلتُ :آمينَ ، قالَ : ومن ذُكرتَ عندَهُ فلم يصلِّ عليْكَ فماتَ ؛ فدخلَ النَّارَ ؛ فأبعدَهُ اللَّهُ ، قُل : آمينَ . فقلتُ : آمينَ».

إنه رمضانُ أحباءنا الذي يتحتم علينا أن نتنافس فيه في الخيرات، ونتسابق في القربات متطلعين إلى رحمةٍ من الله ورضوان وجناتٍ لنا فيها نعيمٌ مقيمٌ، في جناتٍ ونهَرٍ في مقعدِ صدقٍ عند مليكٍ مقتدر، فأنعمْ بها من غاية! وأكرِمْ بِهَا مِنْ مآلٍ ونهايةٍ!

رمضانُ سبيلٌ للقرب من الله سبحانه وتعالى في زمنٍ زحفت فيه المادية نحو المجتمعات الإسلامية بقضها وقضيضها، فتناسى جلُّهم إلا من رحم الله الغايةَ التي منْ أجلِهَا خُلِقُوا، وأنَّهم حتما إلى ربهم واردونَ، وعلى أعمالهم مُحاسبونَ (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ).