57
57
روضة الصائم

حسن الظن بالله

03 مايو 2021
03 مايو 2021

أحمد الحداد

إن فضائل الله سبحانه وتعالى على عباده لا تعد ولا تحصى؛ ومن هذه الفضائل التي تكرّم بها المولى على المؤمنين هي نعمة حسن الظن به جلّ في علاه؛ وهذا النعمة تعد عبادةً عظيمةً من عبادات القلوب؛ فإذا صَلُحت عبادة القلب، صلُحَ العمل والذي هو نتيجة لتكوّن الإيمان لدى المؤمن، وعلى النقيض تمامًا لمن يسيء ظنه بخالقه فإن مآله الخسران المبين في الدنيا قبل آخرته؛ ولن يضر الله شيء.

فحسن الظن بالله هو تعلق القلب بالخير العظيم الذي وعد الله به المؤمنين؛ ولا يتأتى ذلك إلا بفعل أسباب النجاة والمحصورة في اتباع أوامر الله، واجتناب نواهيه؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «حسن الظن من حسن العبادة» إن حسن الظن بالله يدفع المسلم إلى الإكثار من الطاعات، رغبة في ما عند الله، ورجاءً لجناته، ويحجزه عن اليأس والقنوط، فالمجتهد في العمل هو الذي يرجو؛ فإحسان العمل يقابله حسن الظن بالله؛ ومن وصايا المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله»

لا ريب أن المؤمن في كل أحواله يطير بجناحين هما الخوف والرجاء، وكلها تدخل في هذه العبادة القلبية- حسن الظن بالله- فهناك أحوال تستدعي تغليب أحدهما على الآخر بحسب الحال وهذا من رحمة الله ورحمة الإسلام بأن علمنا هذا؛ فإن كان ممن غلبته معاصيه وذنوبه وأوصلته إلى حد اليأس من رحمة الله، وترك العبادات؛ فإن العلاج هو أن يغلّب جانب الرجاء على الخوف، فيرجو من الله الرحمة والعفو والغفران؛ حتى تتنشط نفسه من جديد، وتعود إلى فعل الطاعات، يقول الله سبحانه وتعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر-53، وكذلك من صور الأحوال الذي يجب على المؤمن أن يغلب جانب الرجاء، وأن يحسن ظنه بخالقه هو عند دنو الموت وظهور أماراته، فيرجو ما عند الله من خير، والنعيم المقيم الذي وُعِدَ به المتقين، وهذا هو توجيه المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه عندما دخل على شاب وهو في الموت فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «كيف تجِدُكَ» قال: والله يا رسول الله إني أرجو الله، وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخاف».

لا شك أن إساءة الظن بالله هي بسبب البعد عن الطاعات واقتراف المعاصي؛ يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن أحوال من اقترفوا المعاصي وأساؤوا الظن بربهم: هؤلاء قوم كانوا يدمنون المعاصي ولا يتوبون منها، ويتكلمون على المغفرة حتى خرجوا من الدنيا مفاليس ثم قرأ: ﴿ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ فصلت: 23.

فمن غرته نفسه، وسيطر عليه الشيطان؛ فجعله يبتعد عن فعل الطاعات، وأغواه وحبب إليه اقتراف المعاصي والسيئات، وصوّر له بأنه يحسن الظن بالله؛ فإن هذا يمنّيه الشيطان بأماني كاذبة؛ فمثلما ذكرنا في بداية المقال أن حسن الظن الله يقتضي العمل الصالح وفعل العبادات والابتعاد عن المعاصي، فالذي تحدثه نفسُه بأنها تحسن الظن بالله، وترجو ما عنده، وهي مقيمة على المعاصي والسيئات، ومبتعدة عن الخير والطاعات؛ فلا يصدق هذا الحديث، فهذا من الأماني الكاذبة مثلما ذكرنا؛ فهو استرواح لتسويف الشيطان الرجيم.

إذا فإن حسن الظن بالله مقترن بحسن العبادة والطاعة، والابتعاد عن المعاصي والآثام، فمن ظن بالله خيرًا فهنيئًا له، ومن ظن به بغير ذلك فلا يلومن إلا نفسه؛ ويكفينا الحديث القدسي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم» قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي؛ فليظن بي ما شاء».