محمد المسقري
محمد المسقري
روضة الصائم

ثلاثية القيم والتجارة الرابحة

07 مايو 2021
07 مايو 2021

بعد أن غطت (القيم الروحية والفكرية) و(القيم العملية) ثلثي مدينة القيم القرآنية؛ تأتي (القيم الاجتماعية والأخلاقية)، والتي اعتنت بها الآية الكريمة عبر واحة (الإنفاق في سبيل الله )، وفي مقدمته – بطبيعة الحال – فريضة الزكاة الواجبة، بل هو المراد في الآية كما يرى السادة المفسرون، وإن كان اللفظ عاما.

حين تتكامل الشخصية المؤمنة فكريا وروحيا؛ وتؤدي شعائرها التعبدية وحق الله عليها؛ تتطلع إلى أن تكون لها بصمة خير في المجتمع، وإن نورا يشعشع في القلب من أنوار القرآن والصلاة ليحدو بالمؤمن أن يبث منه الخير لمن حوله، كما تنثر الوردة العاطرة عبيرها في الأجواء؛ ومن هنا كان المؤمن مدفوعا بإيمانه وبما منّ الله عليه من فكر قرآني وقلب رباني إلى الإنفاق في سبيل الله حريصا على عموم نفع المجتمع بالخير ؛ لتكتمل شخصيته الفريدة كما يريدها الله وبما يحقق لها التجارة الرابحة معه – جل وعلا-.

ولقد احتل الإنفاق في سبيل الله هذه المكانة العظيمة، فكان في صدر قائمة القيم الاجتماعية والأخلاقية، وشكّل ثلث مدينة القيم القرآنية المتكاملة بما فيه من مزايا وخصوصية اجتماعية وخلقية ، وبما يمد به الفرد والمجتمع من النفحات، ومن تلك المزايا والنفحات :

أولا : تزكية قلب المنفق والعمل على تطهيره من الأنانية والاغترار بالمال والتعالي به على الآخرين، وإحلال قيم اجتماعية محلها من إيثار وتواضع وتعاون.

ثانيا : تطهير قلب الفقير والمحتاج من الحسد والحقد على الأغنياء الذين يستأثرون بالمال ولا يلتفتون لغيرهم .

ثالثا : الإسهام في إحداث توازن في المجتمع والتخفيف من الفوارق والعمل على إذابة الطبقية عبر مداولة المال.

رابعا : الحراك الاقتصادي بتمكين أكبر جزء من أفراد المجتمع من استحداث مشروعات اقتصادية صغرت أم كبرت.

خامسا : الترابط والتلاحم الاجتماعي، وتحقيق مبادئ الإخوة السليمة والتآلف بين أفراد المجتمع.

وأسرار الزكاة للغني والفقير والمجتمع بأسره كثيرة ليس المقام مقام حصرها ..

كما أن الإنفاق في سبيل الله لا يقتصر على ما يدفع للفقير أو المسكين من مال، بل هو شامل لكل جانب الإحسان للناس، فالمؤمن ينفق من فكره ومن جهده البدني ومن إيراداته النقدية والعينية، بل كل معروف يصنعه الإنسان لبني مجتمعه حين يحتسب به أجر الله هو إنفاق لذلك الجهد منه أيا كان نوعه، ومن هنا عدّت السنة النبوية التبسم في وجه الإخوة صدقة، ففي الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : "تبسمك في وجه أخيك صدقة"

إن هذه المنظومة القيمية الثلاثية التي بنيت عليها هذه الآية تشكل ميدانا فسيحا لكثير من القيم الإسلامية؛ فكل قيمة منها لها في بابها أخوات تشكل جانبا من جوانب القيم ؛ حتى تتكامل الشخصية المؤمنة التي ترتقي بروحها أولا ثم تطبق مبادئها، ثم تعمم خيرها على المجتمع بذلا ودعوة.