روضة الصائم

باستماع أمي إلى كتاب الله أثناء عملها في البيت.. حفظتُ جزء «عم» سماعا

14 أبريل 2022
حوار مع أهل القرآن
14 أبريل 2022

جهاد الجابري: قراءة القرآن في الصلوات له الأثر البالغ في تثبيته

على الوالدين غرس حب العلم في الناشئة فهو إن تمكن زاحم كل شيء

حفظة القرآن هم أهل الله وخاصته، اختارهم الله من بين الخلق لكي تكون صدورهم أوعية لكلامه العزيز، بفضله وتوفيقه، فتلك بركة أسبغها الله على حيواتهم، نالوها ثمرة لجهدهم في تدارس القرآن وحفظه، فبذلوا أوقاتهم رغبة منهم في الحصول على هذا الوسام الرباني، فنالوا ما كانوا يرجون، فكيف بدأت رحلتهم في الطريق المبين؟ ومَن أعانهم على سلوكه؟ وما العقبات التي ذلّلها الله لهم لاجتياز هذا الدرب؟ وما قصص الشغف التي رافقتهم في هذا الطريق القويم؟ وما آمالهم وطموحاتهم المستقبلية؟ كل ذلك وغيره نستعرضه في هذا الحوار مع الحافظ لكتاب الله «جهاد بن جمعة الجابري»

متى بدأت رحلتك مع حفظ كتاب الله؟ وهل شجعتك العائلة على ذلك أم أن هنالك كانت رغبة شخصية لديك؟ حدثنا عن قصة حفظك بالتفصيل؟

في البداية أحببت أن أقول إن حفظي لكتاب الله لا يختلف عن الشائع عند الصغار في الكتاتيب وحلقات المساجد. ومن طريف ما أذكره أنني لا أذكر أني في يوم من الأيام مكثت أردد سورة معينة من جزء (عمّ)، بل -بفضل الله- كان مطبوعا في قلبي منذ أن أدركت معنى الحياة؛ لأن والدتي -حفظها الله- كانت حين كنسها البيت تستمع إلى كتاب الله، خصوصا الجزء الذي حفظته من ذلك السماع بصوت القارئ أحمد بن علي العجمي، وفي صيف من الأصياف أخبرني أعمامي أنهم يذهبون إلى حلقة للتحفيظ في غير الحي الذي أسكنه فالتحقت بهم، وسمّع لي المعلم في أول يوم من الناس إلى سورة الفجر، ولم يكن أحد منهم واصلا إليها، فكان فرحي بذلك عظيما، ولكن لم تطل بي الأيام في ذلك المسجد؛ إذ حصلت مشاكسات بين أعمامي ومن كان معهم في الحي من الطلاب وبين طلاب الحي الذي فيه المسجد، فكانت النتيجة إقصاء الغرباء عن الحي وكنت معهم، ولا جريرة لي في ذلك، والله المستعان.

بعد تلك التجرِبة وفقني الرحمن -جل جلاله- ومَنَّ عليَّ بقبولي في مدارس القرآن الكريم بمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم، وفيها يتعلم الطالب ضبط محفوظه وتجويده، ومما يحفزنا لذلك الأموال الكثيرة إلى تغدق علينا نهاية كل فصل، فيا لله ما أحلاها من أيام وما أسرع ذهابها!

بقيت بعد تلك المحطة في حيّنا كلما جاء إمام للمسجد أسمّع له ما حفظته من قبل دون زيادة إلا قليلا، وهكذا دواليك كلما جاء إمام جديد أعدنا ما حفظناه قبلُ، حتى أتى الإمام القارئ خالد بن سعيد البوصافي الذي نقلني إلى محطة جديدة، وهي حفظ سورة من الطوال وهي سورة الإسراء (بني إسرائيل)، فما إن حفظتها حتى شجعني بمال ذكرني بأيام مدارس القرآن الكريم بمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم، لكنه لم يبق معنا إلا قليلا، أشهرا معدودات، قصرت فكأنها أنفاس، وطابت فكأنها أعراس!

ثم كانت المحطة الأجمل والأقرب إلى قلبي، حين جاءنا الإمام القارئ إسحاق بن سيف الزهيمي، الذي قذف في قلبي حب كتاب الله والسعي إلى حفظه، حتى أكرمني الله -تعالى- بحفظ كتابه، لكن بعد ذهابه عنا.

كيف كنت تنظم وقتك في حفظ القران الكريم أثناء التحصيل الدراسي أو مزاولة أعمالك والتزاماتك؟

بفضل الله لم أحتج إلى تنظيم؛ لأن الدراسة لم تكن عسيرة، فيكفي أن يتذكر الطالب بإتقان مع فراغ البال وانعدام الأشغال قبل يوم من الاختبار لينال التفوق في دراسته.

ما هي الصعوبات والتحديات التي واجهتك في مسيرة حفظك للكتاب العزيز؟

لم أجد شيئا من ذلك بحمد الله إلا ما ابتلى الله به عباده من كسل وفتور وتقصير، والله المستعان.

يعاني البعض من سرعة نسيانه لما حفظه من القران الكريم، ما هي الطرق الحديثة التي طبقتموها والتي تعين على رسوخ الحفظ وعدم النسيان؟

قراءة القرآن في الفرائض والسنن والنوافل بعد قراءة تفسير ما أريد قراءته وسماعه من أحد القراء كان له الأثر البالغ في تثبيته في القلب.

ما أجمل قصة حصلت لك أثناء مسيرتك مع حفظ كتاب الله؟ احكيها لنا؟

انتابني شعور كبير وهمة عالية لإتمام حفظ كتاب الله، فكنت أسمّع صفحات كثيرة بعد أن كنت أسمّع صفحة أو أقل في جلسة، وجئت يوما لتسميع سورة الأحزاب وهي ١٠ صفحات (نصف جزء)، والقاعدة عند أستاذنا الزهيمي أن لك في الجلسة خطأين وإلا فالفراق البات في ذلك اليوم، فما كدت أصل نصف السورة إلا ووقعت في الثالث، فقال: اذهب وأتقن حفظك، فقلت له: إن بقيت على قاعدتك لم أحقق أمنيتي إلا بعد أمد بعيد، فقال لي كلمة غيرت حياتي، وما وَنِيتُ أراها تَطِنّ على بالي كلما سوّلت لي نفسي شيئا يتعلق بالدنيا، قال: ولدي صلّح نيتك.

ما الآية التي تتردد في ذهنك دائما؟ تجد نفسك تتلفظ بها دون أن تشعر؟

(فَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَىْءٍۢ فَمَتَٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)، لا أزعم أني أتلفظ بها دون أن أشعر، ولكني أراها دائما ماثلة أمامي، هي وما في معناها من الآيات الكثيرة في كتاب الله.

أمام هذا الكم الهائل من الملهيات ووسائل الترفيه واللعب.. ما هي الطرق والأساليب الحديثة التي تتبعونها في ربط الناشئة بالقران الكريم؟

تبصيرهم بالغاية التي خلقنا من أجلها، وبفضل حفظ كتاب الله، والتدرج معهم بتقليل ساعات اللعب بالأجهزة، مع تحفيزهم وتشجيعهم على الألعاب البدنية النافعة، وقراءة قصص الصالحين وسيرهم، والروايات النافعة، وتحبيب العلم لهم، فإن حب العلم إن تمكن زاحم كل شيء، فكان من ثمرة ذلك ترك بعضهم الألعاب الإلكترونية مطلقا، وبعضهم أصبح يلعب في الأسبوع ساعة، تزيد قليلا أو تنقص، بعد أن كانوا يلعبون في اليوم ما يقرب من ٥ ساعات، ولله المنّة والفضل.