روضة الصائم

الوالد مسلم المشيخي: كنا نحصل على بعض الأطعمة بمقايضة منتجاتنا الريفية وما نجمعه من اللبان

13 أبريل 2022
ذكريات الشهر الفضيل
13 أبريل 2022

طاقة - أحمد بن عامر المعشني

يبلغ من العمر 85 سنة وهو من سكان نيابة جبجات بولاية طاقة بمحافظة ظفار يرى أنه بحكم سكنهم في الريف فقد كانوا يعتمدون على الرؤية البصرية لتحري الهلال، وقد كانوا يصعدون العقبات الكبيرة لأجل أن تكون الرؤية واضحة، هذا ما أوضحه لنا الوالد مسلم بن أسلم بن سالم المشيخي أثناء حديثه عن ذكريات رمضان.

وأكمل قوله بأنه لم تكن توجد مدافع قريبة لنتبين منها أن أهل المناطق المجاورة قد رأوا الهلال.

ويقول: إن الاستعدادات لشهر رمضان الفضيل لها طابع خاص وهو تقليد حافظ عليه العمانيون طوال السنوات الماضية وأعطوه من الاهتمام والجدية ما جعله محط انتظار وترقب الجميع نظرا لما يعنيه الشهر من عظمة وحب كبير على الصعيد الديني والاجتماعي، وما تمثله لياليه وأيامه من عادات عديدة وذكريات خالدة وترابط ملحوظ بين الأهالي حيث يظهر الناس وهم مجتمعون على مائدة واحدة وفي صف واحد للصلاة وتزداد الزيارات وتقوى وشائج التماسك بالدين.

وأشار الوالد مسلم إلى أنه لا يتذكر أول يوم صامه (بحكم أنني أصبحت كبيرا في السن، نظرا لمرور سنوات كثيرة على تلك الأيام ولكن ما أتذكره أنني كنت أصوم كل سنة بضعة أيام ولم أصمه كاملا إلا بعد أربع سنوات من بدايتي في الصوم، أي لما وصلت لعمر الحادي عشر أو الثاني عشر).

ولا أتذكر ولم يسبق لنا أن سمعنا أحدا من القرى المجاورة كان صائما في صباح العيد، وذلك لرؤيتنا الذاتية للهلال، فإن رأيناه أفطرنا، وإن لم نره أكملنا صيامنا، وكذلك بقية القرى المجاورة لنا في الريف.

وأوضح أنهم كانوا يقضون نهارهم برعي الماشية والتنقل من مكان إلى آخر، وأما المتعلمون فكانوا يقرأون القرآن، ولكن الصفة الغالبة على الناس أنهم غير متعلمين، فلم يدرسوا القراءة والكتابة، ولكن كان يوجد منا من تعلم القرآن خارج البلد، والبعض الآخر تعلمه في المدن على أيدي شيوخ ومعلمين.

أما عن الوجبات الرمضانية التي كانوا يأكلونها وقت الإفطار والسحور فأجاب بأنهم كانوا يعتمدون على شرب الحليب والماء وفي بعض الأحيان مع التمر، لأنه في كثير من الأحيان لم يكن متوفرا، وكانوا يأكلون الذرة أو الرز على العشاء وما تبقى منه يحتفظون به للسحور.

وأخبرنا الوالد مسلم أنهم مروا بمواقف صعبة وهم صائمون في نهار رمضان منها العطش الشديد، حتى يكاد الواحد أن يفطر من شدة الحر، وذلك عندما يأتي رمضان في فصل الصيف، وذلك تبعا لطبيعة الأعمال التي كانوا يعملونها وتتطلب جهدا جسديا، ومشيا بالأقدام لمسافات بعيدة، فكان العطش يبلغ بهم مبلغه.

كما يذكر أصعب رمضان صامه فيقول: أتذكره، كنا متنقلين من مكان إلى آخر ولا يوجد لدينا طعام إلا اللوبيا (الدجر) وتعبنا بشكل كبير من تكرار هذا الطعام، ومن عدم وجود طعام آخر، وأيضا من شدة العطش مع كثرة التنقل لعشرات الكيلومترات.

وعندما سألناه عن المحاصيل الزراعية هل تزرعونها أو تشترون هذه الأغذية؟

أجاب: الزراعة كانت ضعيفة في بيئتنا لعدم وجود المياه، وأيضا كون المنطقة بين الريف والبادية، ونعتمد أكثر شيء على المحاصيل التي نحصل عليها بالمقايضة لمنتجات الذرة أو اللوبيا أو الرز مع ما نجنيه من استخراج اللبان.

وعن حصولهم على الماء يقول: كنا نأتي بالماء من منابع عيون صغيرة جدا ونقطع مشاوير طويلة حتى نصل إليها، وكنا نحمل الماء على ظهورنا، وقد لا يكفينا ليوم واحد، ولم يكن يتوفر الماء البارد كما هو الآن لعدم وجود ثلاجات، ولكن بعض الوسائل تحافظ على برودة مناسبة، وكانت الأوعية التي نجلب فيها الماء عبارة عن القرب المصنوعة من جلود الأغنام.

وعن معرفة أوقات الإفطار والسحور، والطرق التي كانوا يستخدمونها في معرفة وقت الإفطار والسحور، يقول: كانت الساعات نادرة جدا ولا تتوفر مع كل الناس، وكان الاعتماد في الإفطار على أصوات بعض الحشرات التي تصدر صوتا إعلاما بدخول الليل لأنها تخرج في وقت الغروب.

وسألناه أيضا: هل كنتم تجتمعون عند المسجد لتسمعوا الأذان؟ أو تصعدون إلى سطوح المنازل؟ فقال: نحن رعاة متنقلون ولا توجد أي مساجد معنا في القرى الصغيرة، كما أنه لا توجد معنا منازل فيها سطوح في الريف.

وأهم المظاهر الاجتماعية التي كانت موجودة سابقا، وأصبحت قليلة الآن؟ يقول نفتقد الجلسات الليلية التي يجتمع فيها أفراد المجتمع للحديث وتناقل الأخبار، وكذلك الألحان الشعبية والغنائية التي كانت قائمة في تلك الأوقات.

وبين أنه في ذلك الوقت لا يوجد إفطار جماعي بين أفراد القرية وذلك يعود لقلة الطعام، والإفطار لا يتجاوز أفراد الأسرة ومن كان عندنا من الضيوف.

ـ وكيف كنتم تحصلون على ملابس العيد، هل تشترونها جاهزة أم تقوم النساء بخياطتها؟

-لم تكن هنالك ملابس جديدة للعيد، فقد كانت قليلة، وكنا نعتمد على ما يوجد عندنا من ملابس، نقوم بتغسيلها، ومن مظاهر عيد الفطر تجهيز وجبة الطعام التي قد تكون عصيدة أو أرز مع السمن المحلي والحليب الطازج والإكثار منه تحسبا لتبادل الزيارات من المجاورين.