روضة الصائم

المنهج النبوي في تربية الأبناء

22 أبريل 2022
حوار مع أهل القرآن
22 أبريل 2022

مما لا شك فيه أن كل مربٍ واعٍ يبحث عن أفضل المناهج وأفضل الطرق التربوية لإنشاء جيل متميز ومبدع وخلاق. ومع كثرة المناهج والطرق التربوية المنتشرة في هذا العصر يبقى المربي في حيرة من أمره، و قد يصل به الأمر إلى تطبيق ما يسر ويضر من طرق تربوية غير مدرك لما قد يتناسب مع البيئة التي يعيش فيها أبناؤه، وما قد يضر ويخل بمعتقداتهم وعاداتهم؛ فينشأ جيل مشتت يرتزق على اللمم والفتات من مناهج التربية، على الرغم من وجود منهج رائد أثبت فعاليته بإحداث جيل رائد قاد البشرية إلى قمة التميز والرقي في شتى نواحي الحياة، جيل لن يكرره الزمن لأنه كان على يد رجل أخذ على عاتقه إنشاء جيل واع ومبادر وخلوق ومتمسك بدينه؛ لذلك جاء منهاج النبوة في التربية من أفضل المناهج وأروع التجارب التي سنتحدث عنها في هذا المقال تطبيق عملي وأسلوب ميسر، فهيا بنا معا ننهل من عبير هذا المنهج، قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا «الأحزاب: 21»، من هنا تأتي أول قاعدة في المنهج النبوي في التربية ألا وهي التربية بالقدوة. فعندما يكون المربي قدوة لأبنائه في قوله وفعله، يرتسم ذلك على سلوك أبنائه سريعا دون عناء.

أيها المربي الحذق كن قدوة لأبنائك في كل قول وعمل، فالأبناء يفتخرون بآبائهم وأمهاتهم ويرونهم قدوة، وتذكر دائما أيها المربي النبيه قول الشاعر:

إن كان ربُّ البيت بالدف ضاربا

فشيمة أهل البيت كلهم الرقص

فإدا أردت أن يلتزم ابنك/ابنتك بالصلاة فحري بك أنت أولا أن تلتزم بها، وإذا أردت لطفلك أن يكون رحيما ولطيفا بإخوته دعه يرى رحمتك واحتواءك به وبإخوته وبكل من هم حولك.

ورسولنا الكريم كان آية في الرحمة والعطف على الكبير، ولكنه كان ألطف ما يكون على الصغار؛ حيث قال عليه السلام: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا» (رواه أبوداود والترمذي)، وصية منه ومنهاج منه أن الرحمة على الصغار واللطف بهم هو شعار تربوي رائع؛ فبالرحمة واللطف يُغرس ما لا يغرسه العقاب والضرب، فها هو أنس بن مالك يقول: خدمت رسول الله عشر سنين فما قال لي أف قط، وما قال لي لشيء صنعته لم صنعته ولا لشيء تركته لم تركته. (رواه البخاري ومسلم)، فرحمته عليه السلام شملت الجميع دون تفريق وتخصيص. قال ربنا العدل الحكيم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ٩٠ «النحل: 90»، ورسولنا الكريم كان قرآنا يمشي على الأرض فكان العدل منهاجًا له مع الصغير والكبير، فقد روي عن النعمان بن بشير أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما. فقال: «أكل ولدك نحلت مثله؟» قال: لا. قال: فأرجعه. (رواه البخاري). فمن هنا أيها المربي الفطن اتخذ العدل بين أبنائك منهجا مهما مال قلبك إلى أحدهم حاذر أن يحس أبناؤك بذلك؛ لأنها شرارة من شرارات الفتنة والعداوة بين الأبناء، وكن قريبا منهم رفيقا لهم محبباً لديهم.

«سنة، سنة» كانت كلمات دخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قلب الفتاة الصغيرة أم خالد- حين قدمت إلى رسول الله مع والدها فامتدح رسول الله ثوبها الجميل بقول هذه الكلمة -التي تعني حسن، حسن باللغة الحبشية- (رواه البخاري).

فلم يثنه منصبه ولا مكانته من النزول إلى مستوى الأطفال ومداعبتهم، وأنت أيضا أيها المربي المتميز ضع بصمتك في قلوب أبنائك وداعبهم والعب معهم، انزل لمستواهم؛ فنحن لسنا في معسكر تجنيد نوجههم في كل وقت بأمرهم العب هذا ولا تفعل ذاك، وإنما نحن هنا لنبني علاقة تدوم وأثر يبقى في نفوس أبنائنا.

وتأكد أنك إذا لم تصاحب أبناءك وتتقرب منهم سيبحثون عن بديل يؤنسهم في سبل الحياة، فيا حظ من كان خليله كحامل المسك ويا بؤس من كان خليله كنافخ الكير. حيث روي عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحْذِيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة» (رواه مسلم).

من هنا يأتي دور المربي الفطن ليرشد أبناءه لاختيار الجليس الصالح الذي يمسك بيده ويرفع مقامه في الدنيا والآخرة، فأيها المربي المتميز كن على علم دائما بأصدقاء أبنائك، اسأل عنهم وعن آبائهم، صاحبهم وكن قريبا منهم، لتطمئن على أبنائك، فأنت ستكون معهم في أوقات محددة ولكن الأصدقاء سيرافقونهم في كل وقت وحين، أشرك أبناءك وأصدقائهم في برامج مميزة تشغل وقتهم بما ينفعهم، فتصرف جل اهتمامهم عن كل خبيث وخطير.

ولا يعني ذلك أن الأبناء لن يرتكبوا الأخطاء أبدا؛ لأننا بشر ولسنا معصومين عن الخطأ، فلا تتوقع من أبنائك أن يكونوا ملائكة يمشون على الأرض، لذلك نتعلم من المنهج النبوي الشريف أن الحوار هو من أهم الركائز لإقناع الأبناء بالصحيح من الأفعال، ولا تأتي كل الأمور بالإكراه، وإنما بالحوار، فكم من المواقف التي اعتمد الرسول عليه السلام على الحوار في الإقناع والحجة الدامغة، فحين جاء شاب يستأذن الرسول عليه السلام بالزنى أتاه الرسول من باب العائلة فهو لا يرضى ذلك لأمه وأخته فكيف يرضاها لغيره وأعطاه رسول الله الحل مباشرة فإما أن يتزوج أو يصوم ليدرأ عن نفسه الفتنة، ولم يترك الشاب معلقا يتلمس من ينقذه ويرشده إلى الحل، كما استخدم الرسول عليه السلام الثناء مع مراعاة الاعتدال فيه وعدم التهويل، فقد كان يشجع الصحابة على الخصال الطيبة بعد أن يثني عليهم ليقوم سلوكهم حيث قال لعبد الله بن عمر: «نعم الرجل عبدالله، لو أنه كان يصلي من الليل» (رواه البخاري ومسلم)؛ مما حفز عبدالله وهو الفتى الصغير أن لا يفوت قيام الليل دائما طول حياته.

ومهما حاولنا احتواء مناهج الرسول عليه السلام في تربية الناشئة فلن تكفينا المجلدات ولا الأوراق لتدوينه وجمالياته، فله في كل باب بصمة وأثر، ولكن حسبنا ما ذكرناه مما يلامس احتياجاتنا التربوية، وتجلي أبرز الطرق التربوية النبوية بناءً على متطلبات الأبناء واحتياجاتهم، وأهمها منهج القدوة في التربية؛ لما لوحظ من انصراف المربين إلى التوجيه اللفظي لأبنائهم دون الالتفات إلى تصرفاتهم وأعمالهم أنفسهم، ولما للتربية بالقدوة من أثر بليغ على الناشئة، مع التركيز على ضرورة استحضار منهج الرحمة واللطف في التربية المغلف بروح المداعبة والملاطفة التي لها تأثير سحري على القلوب، فما نصل إليه باللطف لن نصل إليه بالعنف، فضلاً عن العدل في المعاملة، وهنا نقصد العدل بذاته وليس المساواة؛ فالعدل كان سمة نبوية في كل شي حتى مع زوجاته عليه الصلاة والسلام.

وختاما لك أيها المربي الرائع مني نداء خاص مغلف بروح الأخوة والمحبة: لتكسب أبناءك أكثر صاحبهم وصاحب أصحابهم وحاورهم وكن قريبا منهم؛ يكونوا لك سندا في الدنيا ويصلك جزاء حسن أعمالهم في الآخرة.