عبدالله بن خلف الهنائي
عبدالله بن خلف الهنائي
روضة الصائم

المعاني الإنسانية في زكاة الفطر

11 مايو 2021
11 مايو 2021

جاء الإسلام متكاملا في تكافله الاجتماعي، فلم يفضل طبقة على طبقة وإنما وضع أسسا وقواعد لتستمر الحياة وفق منهج يسمح للفرد أن يشارك إخوته ويبسط سعادته دون أن يحسّ أحدهم أن له فضلا على الآخر، فوضع قاعدة أن المال لله وإنما الإنسان خليفة فيه يتصرف بإرادة الله وله في ما بقي حرية التصرف وفق ما أحله الله له

ومما فرضه علينا الإسلام زكاة الفطر وهي صدقة يخرجها الصائم سواء كان فقيرا أو غنيا عاقلا أو غير عاقل حرا أو عبدا، صاعا من غالب قوت البلد يدفع للفقراء والمساكين فقط وتوقيتها قرب عيد الفطر وغايتها إغناء الفقير في يوم العيد وكفه عن التطواف على الناس أو كتم حزنه وفقره في يوم الأصل فيه السعادة والمشاركة،

إن هذه اللفتة التي يوليها الإسلام لهذا التكافل توضح الاهتمام البالغ لموازنة الحياة بين الناس وحفظ ماء الوجه دون أن يتكلف المحتاج بالسؤال فهو يبادر في حل هذه المشكلة قبل أن تقع ووضع تشريعات تحث المسلم على العمل بها بل أوجبها عليه ورتب عقوبة إن لم يفعلها، لأن معاني الإنسانية متجسدة في صور الإسلام، وحقيقة هي شيء لا يذكر ولكنها تصنع الفرق في يوم يحق للجميع أن يفرح فيه دون أن تكدر صفوة فرحته حاجة أو مال.

وهذا التكافل يضعنا أمام حقيقة الإنسانية، وهي أنه ينبغي على البشرية جمعاء أن تلتفت لبعضها البعض وتساهم في الرفق والرحمة في ما بينها والبحث عن حاجات الفقراء والمساكين والمسارعة لتوفير متطلباتهم الحياتية دون أن يطلبوا منا ذلك أو نراهم وصلوا لحالة اليأس والضعف ثم نستعطفهم بصورهم لكي نبادر ولكن بعد أن أنهكتهم الحياة وضاقت بهم السبل.

إن ديننا الإسلام وضع قواعد نستطيع بها أن نحفظ مجتمعنا ونبني به قوة متماسكة من التكافل والتدافع وهو قد أسس حقوق الإنسان قبل أن تبسط المنظمات المعنية بذلك يدها وتخرج للوجود، والتاريخ الإسلامي شاهد بذلك لدرجة أن يصل بهم في أوقات لا يجدون فقيرا يأخذ صدقتهم فيصرفونها في طاعة الله في صنوف أخرى غير مهمة في الدولة كإطعام الطير وهذا يدل على حجم الفائدة التي يجنيها المؤمن من تطبيق شرع الله في هذه الأموال.

ولا شك أن زكاة الفطر تلبي هذه الحاجة وتغني الفقير في وقت يكون أشد الحاجة إليه بعد أن صام شهرا كاملا وفي يوم ينال فيه جائزته فهو فرح مسرور دون سكب ماء وجه، فقد حفظ له المجتمع حقه الذي فرضه الله وأغناه وعياله من الحاجة والمسألة واستطاع أن يشارك المجتمع فرحته.

وهذا يؤكد لنا معشر المسلمين أن شرع الله تعالى في الأموال من زكاة وصدقة وكفارات وغيرها تعين الدولة والمجتمع على تخطي أشد الأزمات التي يمر بها وكما هو حاصل في زماننا هذا، والإسلام يضع الحل لنا أن يجتهد الأغنياء في إخراج ما فرضه الله تعالى عليهم فقط لا غيره وبه سيكون عونا للدولة والمجتمع بدعم الفقراء والمسرحين عن العمل والغارمين وهو ما سيساهم في إنعاش الاقتصاد في البلد ونشر الطمأنينة بين الناس، فالفقير عندما يجد الغني يعطيه من ماله يشرح صدره له وتغيب الضغينة بينهما ولا شك أن هذا أساس قيام الأمن في المجتمعات، فالغني يؤديها طيبة بها نفسه ويجد السرور بوعد الله له بزيادة ماله وتعويضه بأفضل منه والغني يأخذها كحق له لا منّة عليه ولا تكلف وهذا هو غاية التكافل الإنساني.