روضة الصائم

المسألة الثانية عشرة: إشباع لام صلِ

07 مايو 2021
زاوية لغوية
07 مايو 2021

ظاهر كلام النحاة أن الإشباع لا يصح إلا فيما ورد فيه السماع، وعباراتهم تدل على قِلَّته «وربَّما مَدُّوا مثل مَساجد ومَنابر، فيقولون: مَساجيد، ومنابير، شبّهوه بما جُمع على غير واحدهِ في الكلام، كما قال الفرزدق:

تَنْفِي يَداها الحَصَى في كلَّ هاجرة

نَفْيَ الدَّناَنيرِ تَنقادُ الصياريف»

وهو مخصوص بضرورة الشعر، وفي الاختيار لا يجوز إجماعا.

والذي يظهر أن ذلك يدرى بالمشافهة لا بالكتابة، ويدل على ذلك نص الكتاب «وهذا تحكمه لك المشافهة»، وقد ساق النحاة جملة في الشواهد على الإشباع أنقل في هذا الموضع شيئا منها، ثم أذكر بعد ذكرها ما يمكن الخروج به من رأي في مسألة الإشباع عموما، والمسألة التي بين أيدينا خصوصا «وقد جاء ذلك كثيرًا في استعمالهم

قال الشاعر في إشباع الضمة:

الله يعلمُ أنَّا في تَلَفُّتِنَا

وأنَّني حيثمَا يَثْنِي الهوَى بصرِي

يومَ الفِرَاقِ إلى إخواننا صُورُ

من حيثمَا سلكُوا أدنُو فَأَنْظُورُ

أراد "فَأَنْظُرُ"، فأشبع الضمّ، فنشأت الواو

وقال الآخر:

هجَوْتَ رِبَّان ثمَّ جِئْتَ معتذرا

من هَجْوِ رِبَّانَ لم تَهْجُو ولم تَدَعِ

أراد "لم تَهْجُ"

وقال الآخر:

كأنَّ في أنيابِها القَرَنْفُولْ

أراد"القَرَنْفُلْ"

وقال الشاعر في إشباع الفتحة:

وأنتَ من الغوائِلِ حينَ تُرْمَى

ومِنْ ذَمِّ الرجالِ بِمُنْتَزَاحِ

أراد "بِمُنْتَزَح"، فأشبع الفتحة فنشأت الألف

وقال الآخر:

أقولُ إذا خَرَّت على الْكَلْكَالِ

يا نَاقَتَا ما جُلْتِ من مَجَالٍ

أراد" الكَلْكَلَ"

وقال الآخر:

إذا العجوزُ غَضِبَتْ فَطَلِّقِ

ولا تَرَضَّاهَا ولا تمَلَّقِ

أراد "ولا ترضها"

وقال عنترة:

يَنْبَاع مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جَسْرَةٍ

زَيَّافَةٍ مثل الفَنِيقِ المُكْدَمِ

أراد "يَنْبَع".

وقال الشاعر في إشباع الكسرة:

تَنْفِي يداها الحَصَى في كلِّ هَاجِرَةٍ

نَفْيَ الدَّرَاهِيمِ تَنْقَادُ الصَّيَارِيفِ

أراد "الدراهم" و "الصيارف"، فأشبع الكسرة، فنشأت الياء، ويحتمل أن يكون الدراهيمُ جمعَ دِرْهَام، ولا يحتمل في الصياريف هذا الاحتمال،

قال الآخر:

كأني بِفَتْخَاءِ الجناحينِ لَقْوَةٍ

على عَجَلٍ منِّي أُطَأْطِئُ شِيمَالي

أراد "شِمَالِي"

وقال الآخر:

لمَّا نَزلْنَا نَصبْنَا ظِلَّ أخْبِيَةٍ

وَفَارَ للقومِ باللحْمِ المَرَاجِيلُ

أراد "المراجِلَ"

وقال الآخر:

لا عَهْدَ لِي بنِيضَالْ

أصبَحَت كالشِّنِّ البَال

أراد "بِنِضَال"

وقال الآخر:

ألمْ يأتِيكَ والأنْبَاءُ تَنْمِي

بِما لَاقَتْ لَبُونُ بني زِيَادِ

أراد "ألم يأتِكَ"، فأشبع الكسر، فنشأت الياء، وإشباعُ الحركات حتى تنشأ عنها هذه الحروف كثير في كلامهم»

رأي الباحث: عند النظر في هذه الشواهد التي سيقت في الاستشهاد للإشباع يتبين للباحث أن الإشباع لا يكون إلا حيث يعرف المخاطِب والمخاطَب أن المراد بأنظور أنظر مثلا، وبالصياريف الصيارف، فلا يكون هناك لبس بين الكلمة المشبعة وكلمة أخرى، وقد تنبه على هذا المعنى قطب الأئمة في شرح النيل فقال: «ولا سيما الإشباع فإن المعنى لا يبتدأ به فإن معنى أنظور وأنظر في قوله: من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور واحد، ومعنى العقرب والعقراب واحد في قوله: أعوذُ باللهِ من العَقْرَابِ ، ومعنى أقعد وأقعود واحد في قوله: لو أن عمر أهم أن يرقود »

وبناء على هذا العرض يتوجه النظر إلى الحكم بصحة الجواب الذي أجاب به المجيب؛ فإن إشباع لام (صلِ) يؤدي إلى تحول الخطاب من خطاب المذكر المفرد إلى خطاب المؤنثة المفردة، وقد تقدم أن العرب كانت لا تشبع حيث، ويكون لبس كما تشهد بذلك شواهدهم. انتهى...