No Image
روضة الصائم

السيد الحميري

04 أبريل 2023
رواد الأدب العماني
04 أبريل 2023

وُلِد إسماعيل بن محمد بن يزيد بن وداع الحميري سنة (105هـ /723م) في عُمان، ونشأ في حضانة والديه الإباضيَّين، وانتقل في بداية حياته إلى البصرة وعاش فيها. وكانت البصرة في ذلك الوقت مرتادا لأكثر أرباب الملل والنحل، ففيها الإباضية والشيعة والأموية وغيرهم، فاحتك بدعاة الشيعة، وهكذا في مرور الأيام يجد الصبي نفسه على أبواب عقيدة تختلف عن عقيدة أبويه اختلافا كبيرا. فذهب إلى البصرة واتصل بالأمير عقبة بن سَلم، وتزلَّف لديه حتى‏ مات والداهُ، فورثهما ثم غادر البصرة إلى الكوفة وأخذ فيها الحديث عن الأعمش وعاش متردِّدا بينهما. كان الحميري من أوائل الشعراء الذين نظموا في الشعر القصصي والتاريخي، فقد كان مفتونا بنظم القصص والمناقب والأخبار التي تروى عن علي وأبنائه. ويعده بعضهم من طبقة بشار وأنهما أشعر المحدثين، وكان أحد الشعراء الثلاثة الذين لم يضبط ما لهم من شعر، هو وبشار وأبو العتاهية - حتى عد بعضهم شعره في بني هاشم أكثر من ألفين وثلاثمائة قصيدة - وإنما مات ذكره وهجره الناس لسبه وإفحاشه في القذف، فتحاماه الرواة. قال المازني: سمعت أبا عبيدة يقول: ما هجا بني أمية أحد كما هجاهم يزيد بن مفرع والسيد الحميري». جاء في كتاب الأغاني عن الحميري أنه «كان أسمر تام القامة، أشنب، ذا وقرة، حَسَن الألفاظ، جميل الخطاب. إذا تحدث في مجلس قوم أعطى كل رجل في المجلس نصيبه من حديثه، وكان كذلك أنتن الناس إبطين لا يقدر أحد الجلوس معه لنتنهما، إما من حيث الشاعرية فله طراز ومذهب قلما يلحق فيه...». وقد برع في الشعر القصصي براعة لافتة، ومن ذلك تصويره لمواقف علي بن أبي طالب، فمثلا ما يروى عن أن عليا - كرم الله وجهه - عزم على الركوب، فلبس ثيابه وأراد لبس خفيه فلبس أحدهما، ثم أهوى إلى الآخر ليأخذه، فانقض عقاب من السماء فأخذ الخف وحلّق به ثم ألقاه، فسقط منه أسود -ثعبان- وانساب فدخل جحرا، فلبس الخف، وحين سمع السيد ذلك قال في سرعة:

ألا يا قوم للعجب العجاب

لخف أبي الحسين وللحباب

أتى خفا له وانساب فيه

لينهش رجله منه بناب

فخرّ من السماء له عقاب

من العقبان أو شبه العقاب

فطار به، فحلق ثم أهوى

به للأرض من دون السحاب

إلى جحر له فانساب فيه

بعيد القعر لم يرتج بباب

كريه الوجه أسود ذو بصيص

حديد النّاب أزرق ذو لعاب

ودفع عن أبي حسن علي

نقيع سمامه بعد السياب

وقال ابن المعتز في طبقاته: كان السيد أحذق الناس بسوق الأحاديث، والأخبار، والمناقب في الشعر، ولم يترك لعلي بن أبي طالب فضيلةً معروفةً إلا نقلها إلى الشعر. وقال ابن عبد ربِّه في العقد الفريد: السيد الحميري وهو رأس الشيعة، وكانت الشيعة من تعظيمها له تلقي له وسادة بمسجد الكوفة.

وكان إذا جلس في مجلس لا يدع أحدا يتكلم إلا بفضائل آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فجلس يوما في مجلس من مجالس البصرة فخاض الناس في ذكر النخل والزرع فغضب السيد وقام، فقيل له: مم القيام يا أبا هاشم؟ فأنشد:

إني لأكره أن أُطيلَ بمجلس

لا ذكر فيه لآل بيت محمدِ

لا ذكر فيه لأحمدٍ ووصيه

وبنيه ذلك مجلسُ قصفُ ردي

إن الذي ينساهم في مجلس

حتى يفارقه لغير مسدد

توفي السيد الحميري، في الرميلة ببغداد وذلك في سنة (173 هـ) في خلافة الرشيد، ودُفن في جنينة من نواحي الكرخ.

ومن روائع قصائده، القصيدة المذهّبة، والقصيدة طويلة بدأها بمقدمة طللية غزلية، ثم ذكر خبر الولاية لعلي وبنيه ثم ذكر بعض مكارم الإمام علي ومناقبه، ليؤكد وجوب حب آل البيت، وحاله حين يذكرهم. ومن هذه الأبيات:

هلا وقفت على المكان المعشب

بين الطويلع فاللوى من كبكب

طال الثواء على منازل أقفرتْ

من بعد هند والرباب وزينب

أدم حللن بها وهن أوانس

كالعين ترعى في مسالك أهضب

يضحكن من طرب بهن تبسما

عن كل أبيض ذي غروب أشنب

حور مدامعها كأن ثغورها

وهنا صوافي لؤلؤ لم تثقب

كنا وهن بنضرة وغضارة

في خفض عيشٍ راغدٍ مستعذب

أيام لي في بطن طيبة منزل

عن ريب دهرٍ خائن متقلب

أين التطرب بالولاء وبالهوى

أإلى الكواذب من بروق الخلب

أإلى أمية أم إلى شيع التي

جاءت على الجمل الخدب الشوقب

خير البرية بعد أحمد من له

مني الهوى والي بنيه تطرّبي

صهر النبي وجاره في مسجد

طهر بطيبة للرسول مطيب

سيان فيه عليه غير مذممٍ

ممشاه أن جنبا وإن لم يجنب

وسرى بمكة حين بات مبيته

ومضى بروعة خائف مترقب

خير البرية هاربا من شرها

بالليل مكتتما ولم يستصحب

باتوا وبات على الفراش ملفعا

فيرون أن محمدا لم يذهب

حتى إذا طلع الشميط كأنه

في الليل صفحة خد أدهم مغرب

ثاروا لأخذ أخي الفراش فصادفت

غير الذي طلبت أكف الخيب

فوقاه بادرة الحتوف بنفسه

حذرا عليه من العدو المجلب

فتراجعوا لما رأوه وعاينوا

أسد الإله مجالدا في منهب

قالوا اطلبوه فوجهوا من راكب

في مبتغاه وطالب لم يركب

حتى إذا قصدوا لباب مغاره

ألفوا عليه نسيج غزل العنكب

صنع الإله له فقال فريقهم

ما في المغار لطالب من مطلب

ميلوا وصدهم المليك ومن يرد

عنه الدفاع مليكه لا يعطب

حتى إذا أمن العيون رمت به

خوص الركاب إلى مدينة يثرب

فاحتل دار كرامةٍ في معشر

آووه في سعة المحل الأرحب

وله بخيبر إذ دعاه لراية

ردت عليه هناك أكرم منقب

إذ جاء حاملها فأقبل متعبا

يهوي بها العدوي أو كالمتعب

يهوي بها وفتى اليهود يشله

كالثور ولي من لواحق أكلب

غضب النبي لها فأنبه بها

ودعا أخا ثقةٍ لكهلٍ منجب

من لا يفر ولا يرى في نجدة

إلا وصارمه خضيب المضرب

فمشى بها قبل اليهود مصمما

يرجو الشهادة لا كمشي الأنكب

تهتز في يمنى يدي متعرض

للموت أروع في الكريهة محرب

في فيلق فيه السوابغ والقنا

والبيض تلمع كالحريق الملهب

والمشرفية في الأكف كأنها

لمع البروق بعارض متحلب

وذوو البصائر فوق كل مقلصٍ

نهد المراكل ذي سبيب سلهب

حتى إذا دنت الأسنة منهم

ورموا فنالهم سهام المقنب

شدوا عليه ليرجلوه فردهم

عنه بأسمر مستقيم الثعلب

ومضى فاقبل مرحب متذمرا

بالسيف يخطر كالهزبر المغضب

فتخالسا مهج النفوس فأقلعا

عن جري أحمر سائل من مرحب

فهوى بمختلف القنا متجدلا

ودم الجبين بخده المتترب

وله مناقب لا ترام متى يرد

ساع تناول بعضها بتذبذب

إنّا ندين بحب آل محمدٍ

دينا ومن يحببهم يستوجب

منا المودة والولاء ومن يرد

بدلا بآل محمد لا يحبب