No Image
روضة الصائم

الحياة

18 أبريل 2022
أفلا تتفكرون
18 أبريل 2022

خالد بن حمدان الندابي

إن أجل نعمة امتن الله بها علينا هي نعمة الحياة، فلولا هذه النعمة ما وجدنا هاهنا، ولا تمتعنا بهذه النعم الأخرى المحيطة بنا، فهو جل وعلا الحي، مصدر الحياة، خلق هذا الوجود، وبث فيه شتى أشكال الكائنات، ومن ضمنها نحن البشر، خلقنا الله تعالى على ظهر هذه الأرض، التي هيأها لنا لنعيش فيها، وهيأ لنا فيها كل أسباب الحياة واستمرارها، ثم أنزل علينا منهجا نعيش به: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [الْمَائِدَةِ: 3].

ولسنا محتاجين لتعريف الحياة، لأنها هي حياتنا، وما يدور حولنا في هذا الوجود من حركة، وما نراه حولنا من بشر، وحيوانات، ونباتات، وجمادات وأنظمة، ونمو، وكذلك ما نشاهده من انتهاء أمد بعض الكائنات -ومن ضمنها الإنسان- بالموت، والخروج من دائرة الحياة، لذا تكرر في القرآن ربط الحياة بالموت، ليوقن المؤمن أن هذه الحياة الدنيا؛ إنما هي حياة محدودة بمدة زمنية معينة، فيدرك بذلك حقيقتها ومقدارها، وأنه لا بد أن ينتقل منها إلى دار أخرى، قد كتب الله فيها الخلود: (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت: 64] .

وقد أنبأنا الله تعالى عن الحكمة مما امتن به علينا من الحياة على ظهر هذه الأرض، وهو الابتلاء والاختبار والامتحان، وأن هذه الدار إنما هي مزرعة للآخرة، وأننا سنجازى هناك على أعمالنا: (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[الْمُلْكِ: 2]، فكأننا هنا في سباق، من منا سيكون الأحسن-عند الله- في دينه وإيمانه، وإخلاصه ويقينه، وأخلاقه وعبادته، وتعاملاته وجميع أعماله؟ ومن منا سيعيش وهو مدرك تمام الإدراك بأنه يعيش اختبارا من الله، وأنه سيمر بمحطات فيها ابتلاءات متنوعة: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)[الْأَنْبِيَاءِ: 35]، وبأن خالقه جل وعلا ينظر إليه، وهو يمر بتلك الاختبارات، وما فيها من نعم تفتح أمامه، وشدائد تنزل بفنائه، فهل سيكون كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ» رواه مسلم، أم أنه سيقع في الكفر: طغياناً بالنعم، وإبلاساً عند النقم، وقد سمعنا ممن مر بابتلاءات من الشدائد، ممن لم يشع نور الإيمان في قلبه، بأنه كما لم يشاور في وجوده في هذه الحياة، فإن له الحق أن ينهيها، ويخرج منها منتحرا، إن من يعيش تلك التصورات الإلحادية، سيعيش عيشة ضنكا وأحوالا منغصة؛ لأنه لم يؤمن بالخالق الرازق، ولم يحب الرحمن الرحيم، ولم يقترب من اللطيف الكريم، وإلا عرف مراد الله من خلقه، وفقه كيف أراده الله أن يعيش في هذه الحياة؟ وما هي نظرة منهاج الله إلى الابتلاءات والشدائد؟ فعندما يعلم ذلك، ويعلم بأنه إنما خلق ليعيش اختباراً، وأن عليه أن ينتشل نفسه من دروب الموت والظلمات، وأن يحيا في مسالك الأنوار: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ)، [الأنعام:122]، فيقبل ما أراده الله منه بروح مليئة بالإيمان، فإن كان في حال الابتلاء بالنعم عرف كيف يتصرف فيها: شكراً لله على نعمه، واستقامةً على منهاجه، وأداءً للحقوق الواجبة عليه، وأيقن بأن تلك النعم محض فضل من الله: (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)[النَّحْلِ: 53] وعندما تمر عليه أحوال من الشدة والنقص، فإنه سيتقبل ذلك بروح مليئة بالصبر والرضا، واحتساب الأجر، والثبات على دين الله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)[البقرة: 155]، ويسعى بعد ذلك متوكلا على الله في إصلاح ما يستطيع إصلاحه؛ لينعم هو ومن حوله بصلاح الأحوال وتيسير الأمور، فليس الشر والشدة ضربة لازب، وإنما ذلك حال الحياة الدنيا: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ)[آلِ عِمْرَانَ: 140].

وقد تكفل الله تعالى لمن يعملون الصالحات من المؤمنين والمؤمنات، بالحياة الهانئة الطيبة في هذه الحياة الدنيا، وفي الدار الآخرة:(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97)، تلك هي حياة من آمن وعمل صالحا سماها الله تعالى «حياة طيبة»، ونفهم من ذلك أن حياة من لم يؤمن ولم يعمل صالحا، هي حياة أقل ما يقال فيها أنها غير طيبة: (أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ) [الأعراف:179].

وإننا لنعلم علم اليقين، بأن حياة الإنسان لا يمكن أن تستقيم، إذا ما حرص فقط على إشباع نزغاته ونزواته، وإرواء حاجاته الجسدية، دون التفات منه إلى جانبه الروحي، وكذلك هذه الحياة، لا يمكن أن تستقيم دون روح، وروح هذه الحياة هو كتاب الله ومنهاجه: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا)[الشورى:52].

وأخيرا نقول بأن من أراد أن يعيش في هذه الحياة، فعليه أن يضيء حياته بأنوار الله، وأن من أعرض عن منهاج الخالق، فإنه أعرض عما فيه حياة له:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ)،[الأنفال:24].