No Image
روضة الصائم

أحمد الندابي: كتاب الله نعم الشاغل الذي تقضى به الأوقات ويلملم كل شتات

16 أبريل 2022
16 أبريل 2022

حفظة القرآن هم أهل الله وخاصته، اختارهم الله من بين الخلق لكي تكون صدورهم أوعية لكلامه العزيز، بفضله وتوفيقه، فتلك بركة أسبغها الله على حيواتهم، نالوها ثمرة لجهدهم في تدارس القرآن وحفظه، فبذلوا أوقاتهم رغبة منهم في الحصول على هذا الوسام الرباني، فنالوا ما كانوا يرجون، فكيف بدأت رحلتهم في الطريق المبين؟ ومَن أعانهم على سلوكه؟ وما العقبات التي ذلّلها الله لهم لاجتياز هذا الدرب؟ وما قصص الشغف التي رافقتهم في هذا الطريق القويم؟ وما آمالهم وطموحاتهم المستقبلية؟ كل ذلك وغيره نستعرضه في هذا الحوار مع الحافظ لكتاب الله «أحمد بن محمد الندابي»

متى بدأت رحلتك مع حفظ كتاب الله؟ وهل شجعتك العائلة على ذلك أم كانت هناك رغبة شخصية لديك؟ حدثنا عن قصة حفظك بالتفصيل.

لقد بدأت رحلتي مع كتاب الله منذ أن أحببته وشعرت بالأنس معه، فما صحبت في حياتي رفيقا ككتاب الله الذي تطمئن القلوب به وتسكن إليه النفوس الطيبة، ولا شك أن الرغبة هي المبدأ الذي يعول عليه المتحدثون في هذا الجانب وغيره إن كان حبا أو ضدا، فسائق الضمير هو المتحكم في راكبي هذه الرحلة المباركة، ثم لا شك أن الوالدين حفظهما الله هما الناصح الذي يحب الخير لعلمهم ببركة كتاب الله، فقد كان يدعوني والدي لقرية لزغ وهي إحدى قرى ولايتنا العريقة ولاية سمائل لأقضي فترة الإجازة الصيفية هناك أنا وأخي مع أقاربنا وأبناء عمتنا، تحت ظلال اللمبا مع الأستاذ المعلم الوالد مبارك بن ناصر بن علي الندابي حفظه ربي وأطال في عمره، وكذلك الفترة التي كان فيها مركز لزغ الثقافي بالجامع القديم مزدهرا بعطائه مع نخبة من الأساتذة الأجلاء الكرام الذين لا أحصي مناقبهم وفضلهم داموا خيرا لا ينضب وعطاء لا يكل ولا يمل، فكانت لزغ وقبلها، وأذكر بالتفصيل بعض السور التي حفظتها هنا وهناك، ثم قدمني بعدها جماعة مسجد المزرع وهي البلدة التي أسكن فيها للصلاة بهم على الرغم من كوني حديث سن لم أتجاوز الرابعة عشرة من عمري على أن هذا الأمر لربما لم يعد متقبلا قبل ثمانية عشر عاما من قبل الكثيرين، ولكنهم رأوا فيّ حبا وشغفا وبمحبة منهم صنعوني على أعينهم وجعلوني قائد زمامهم في الوقت الذي كنت فيه على قلة فقهي ودرايتي بأمور الدين، فكانت المحطة هي ذلك المسجد الذي أتممت فيه حفظ كتاب ربي عند انتهائي من الدراسة، وكان لي مشجعون لا أحصي ثناءهم وذكر فضلهم منهم أستاذي الراحل عبدالله بن سعيد بن خلفان النبهاني عليه رحمة ربي ورضوانه.

هل شغلك حفظ القرآن الكريم عن التحصيل الدراسي أو مزاولة أعمالك والتزاماتك؟ وكيف ذلك؟

أما ما يتعلق بشغلي لوقتي بالقرآن أو ما يتعلل ويتعلق به البعض في شغل الوقت بكتاب الله فأقول قد كان نعم الشاغل الذي تقضى به الأوقات، ويلملم كل شتات ويكفي قول الله (كتاب أنزلناه إليك مبارك) ومنها بركة الدقائق والساعات، فالعمر لا شك يمضي فهل سنُمضيه على ما يرضي الذي استقر به آباؤنا أم ما يسخط ضمائرنا!

ما هي الصعوبات والتحديات التي واجهتك في مسيرة حفظك للكتاب العزيز؟

** فإن قيل الأمر صعب فأقول هذه القمة الشماء أقرب للسماء، لن يرتقي إليها من رضي بالهين وقنع بالرخاء والهناء، فدروب السماء بها أحمال وأثقال، لن ينالها سوى الأشداء من الرجال، فالصبر الصبر في أول أيام الحفظ وأقول ليتني كنت حافظا لكتاب الله العزيز في سن مبكرة ولكن حكمة الله غالبة، ولا أظن أن الذي في عمري يواجه صعوبات سوى ما نراه في أبنائنا من حب الدعة والكسل والخمول ويردها بالهدايا وبالزجر أحيانا.

من خلال تجربتك الذاتية، كيف تجسدت البركة التي يتركها القرآن في حياة من يحفظه؟

من خلال تجسيد البركة في حياة المسلم فإنني أتكلم والشواهد كثيرة على أن صاحب القرآن موفق في حياته وتتهيأ الأسباب أمامه ولو لم يكن من أهلها في البداية إلا إنها ستطاوعه وترضخ أمامه الصعاب العسرة لأنها عموم البركة التي حدثتكم عنها سابقا وينبغي أن يعلم من خلالها أنها مغمورة بالعقبات لا بالعقوبات وبالشدائد التي سرعان ما تذوب عندما ترى قلبا لا يلين ولا يستكين كيف لا وهو الذي صعد ٦٢٣٦ درجة ليرى النور الحقيقي الذي لا تطيقه النفوس المظلمة.

هل تغيير القناعات حول قدرات الراغبين في حفظ كتاب الله من الممكن أن تجعل عملية الحفظ أسرع؟

لا شك أن بعض هذه الخطوات طويلة ومنها القصيرة ولكن الحافظ حينما يبدأ مشواره بقوة وعزيمة على أطول سورة بالترتيب المصحفي ويتقنها لا شك أنه سيجد بقية الكتاب دونه في الحفظ فكأن لسان حاله ينطق بقول (إذا كنت حفظت البقرة فمالي لا أحفظ آل عمران وهل النساء بأطول من البقرة، ولا شك أن آيات المائدة الأنعام ليست بأطول من آية الدين ودواليك... إلى أن ينتهي بهذه العزيمة) فهذه عملية تجعل من الحفظ أسرع.

يعاني البعض من سرعة نسيانه لما حفظه من القرآن الكريم، ما هي الطرق الحديثة التي طبقتموها والتي تعين على رسوخ الحفظ وعدم النسيان؟

إن السرعة لطالما تلاشت بكثرة الأشغال والأعمال فترى الحافظ الماهر ينسى ما حفظ في خضم ذهابه وإيابه، إلا أن معاهدة القرآن هي الأنجع والأحكم التي ترجعنا للحفظ القديم لأنه سيتهالك بدون هذه المعاهدة، ولن أجد لكم طريقة ترسخ الأقدام وتثبت كمراجعته الجهرية عند الصلاة بالناس أو السر وأعظمها صلاة الليل، فأغلب الحفظة هذا دأبهم في مراجعة محفوظهم في الصلوات الليلية ومن أجمل القصص في الصلوات الليلية أنه طلب مني أول مرة أن أصلي بهم في إحدى الصلوات الليلية بأحد جوامع الولاية فلم أتردد بالموافقة، مع أنها الأولى في انطلاقة الليل وبقيت حتى الساعة لم أنس تلك العرصات الطيبة في مشهد مهيب من صفوف المصلين ومن ضمنها أنني حفظت سورة الأنفال في جلسة واحدة بعد صلاة العصر ولن أخبركم عن الأسرار التي يوحيها القرآن لأصحابه ويكرمهم بها، أولا يكفي أن الحافظين الماهرين بالقرآن مع صفوف الملائكة مع السفرة الكرام البررة.

لقد تيقنت أن القرآن يأتي لطالبه بالقوة والصون والحفظ والعزة والنصر والتكريم ما عمل وأخلص لله، والأصل أن نقول إن القرآن يحفظ حافظه لا العكس إلا من قبل العرف الظاهر أما ما يتعلق بالحفظ وأما الحفظ الحقيقي فقد تكفل الله به عسى أن يجعلنا من جنده الحافظين المحفوظين.

ما الآية التي تتردد في ذهنك دائما؟ تجد نفسك تتلفظ بها دون أن تشعر؟

لكم صالت وجالت في سمعي وأمام بصري آيات عظيمات حينما وفقني الله لذلك وأرسل لي رسالات آياته الكريمات ومنها (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) وهي الآية التي لطالما ندمت على ما قلت في غضب أو رهب أو اشتهاء، والآيات العظيمات (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) ثم الآية (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار).

وغيرها من الآيات التي أجد وقعها حينما تأتيني وأكتم عبراتي كي لا أؤلم بها القلوب التي تجرعت من ذي الدنيا مرارة لا يعلمها إلا الله.

أمام هذا الكم الهائل من الملهيات ووسائل الترفيه واللعب.. ما هي الطرق والأساليب الحديثة التي تتبعونها في ربط الناشئة بالقرآن الكريم؟

في ما يتعلق بتربية الناشئة على كتاب الله فأقول باختصار شديد أن يزرع حب القرآن ويبعد عن من الملهيات والأجهزة وهناك من الكتب ما يعين المربي لو كان يعقل هذا الفضل العظيم.

ما هي المسابقات القرآنية التي شاركت فيها؟ وهل تجد أن هذه المسابقات حافز للحفظ ولتجويد الحفظ؟

نعم لقد كان للمسابقات دور عظيم في تشجيعي عندما كنت في المراحل السابقة لما لأثر الهدية في نفوس الصغار من مشجع على استمرار ما بدأوه والثناءات العطرة وقد وحصدت مراكز متقدمة بفضل الله علي ثم بدعاء الأحبة وأولهم الوالدة العزيزة حفظها ربي وقد كانت المسابقات على مستوى السلطنة والمحافظة ولله كل الحمد والمنة (إنه غفور شكور).

كيف يستعد الحفاظ للمشاركة في المسابقات الدولية لحفظ القرآن الكريم؟

التحضير المسبق يكون بالاجتهاد في التعهد بكثرة المراجعة السرية والجهرية والحدرية أحيانا ثم التدويرية والتحقيقية بمعنى أن القارئ الحافظ لا يلتزم بتلاوة واحدة فقد يحتاج للسرعة أحيانا في الحدر أو التمهل في التحقيق أو القراءة لنفسه سرا أو لغيره جهرا وغيرها ولكنني لم أشارك خارج السلطنة.

ما هي القراءات القرآنية التي تجيدها؟ وكيف تعلمتها؟

أجيد بعض القراءات من غير حفص وما كنت أحفظ لولا قوة من الله وعون وليس لي عون سواه ولا أعد نفسي حافظا أمام من هم يهتمون ويختمون في كل يوم ويتنافسون على دراسة معاني الكتاب وفهمه وتفسيره وتدبره واقتناص أنواره وصيد أغواره وقد قرأت عن بعضهم أنه ضاقت دنياه بسبب أنه أنقص حزبا عما كان يقرأ وبعضهم يغضب إن سمع عن شيخ جليل وعالم كبير لا يحفظ القرآن حتى قال منهم العابد العارف بالله: مسلم لا يحفظ القرآن!؟ بم يتنعم؟ بن يترنم؟ بم يناجي خالقه وربه وسيده ومولاه؟

وأرجو رجاء الآمل بالله أن يكون في كل بيت حافظ وفي كل مسجد قائم يختم كتاب الله فإنني أتعجب حينما أرى بعضنا يقرأ من ٤ صفحات من القرآن ويتجاهل الـ ٦٠٠ الباقيات!