روضة الصائم

أتممت الحفظ في عمر 17 سنة.. والقرآن الكريم يربيك ويهذبك

11 أبريل 2022
أمجد البوسعيدي: النسيان يأتي بسبب عدم التعهد وقلة المراجعة.. والتكرار أساس الإتقان
11 أبريل 2022

حفظة القرآن هم أهل الله وخاصته، اختارهم الله من بين الخلق لكي تكون صدورهم أوعية لكلامه العزيز، بفضله وتوفيقه، فتلك بركة أسبغها الله على حيواتهم، نالوها ثمرة لجهدهم في تدارس القرآن وحفظه، فبذلوا أوقاتهم رغبة منهم في الحصول على هذا الوسام الرباني، فنالوا ما كانوا يرجون، فكيف بدأت رحلتهم في الطريق المبين؟ ومَن أعانهم على سلوكه؟ وما العقبات التي ذلّلها الله لهم لاجتياز هذا الدرب؟ وما قصص الشغف التي رافقتهم في هذا الطريق القويم؟ وما آمالهم وطموحاتهم المستقبلية؟ كل ذلك وغيره نستعرضه في هذا الحوار مع الحافظ لكتاب الله «أمجد بن هلال البوسعيدي».

متى بدأت رحلتك مع حفظ كتاب الله؟ وهل شجعتك العائلة على ذلك أم أن هنالك رغبة شخصية لديك؟

بدأت رحلتي مع كتاب الله عز وجل منذ الصغر، فقد كنت أحفظ قصار السور في المرحلة الابتدائية، ولكن عندما وصلت إلى الصف السابع بدأت الالتحاق بالمراكز الصيفية التي كانت تتضمن خططها التعليمية حفظ مقررات من القرآن الكريم، وقد كنت أحفظ تلك المقررات طوال المدة الزمنية لتلك المراكز التي كانت تستمر لمدة 3 أشهر، فأكملت حفظ جزء عم، وحفظت كذلك جزء تبارك، وحفظت سورة البقرة.

ثم بدأت المشاركة في المسابقات المحلية للقرآن الكريم، وكنت أحصل فيها على المراكز الأولى، ثم دخلت في حلقة تجويد أسبوعية كانت تقام يوم الجمعة لمدة ساعتين، وبدأت تتطور مهاراتي في تلاوة القرآن الكريم، فبدأت أعرف أحكام التجويد، فازددت حبا لكتاب ربنا، وعقدت العزم على مواصلة مشواري في حفظ كتاب الله، وكنت بين الفترة والأخرى أتابع مقاطع مرئية في «يوتيوب» لاختبارات الحفظة، فأعجبت بإتقانهم، وأصواتهم الجميلة، فكنت كثيرا ما أتابع تلك الاختبارات والمسابقات التلفزيونية، وكانت بمثابة الحافز وإشعال همتي في المواصلة.

ففي الصف الثامن كنت قد حفظت 5 أجزاء، وفي الصف التاسع حفظت 9 أجزاء، وفي الصف العاشر حفظت 15 جزءا، وبين الصفين العاشر والحادي عشر قررت أن أحفظ القرآن الكريم في الإجازة الصيفية، وفي الصف الحادي عشر كنت أراجع الذي حفظته فقط، وتطورت عندي مهارات الحفظ، فأصبحت أحفظ بسرعة، وفي الإجازة الصيفية التي كانت بين الصفين الحادي عشر والثاني عشر أكملت حفظ 8 أجزاء المتبقية من كتاب الله، وبهذا ختمت حفظ القرآن كاملا ولله الحمد وأنا عمري 17 سنة.

هل شغلك حفظ القرآن الكريم عن التحصيل الدراسي أو مزاولة أعمالك والتزاماتك؟

في حقيقة الأمر لم يشغلني الحفظ عن التحصيل الدراسي، فقد كنت استغل الأوقات التي أكون فيها في المسجد، وخصوصا بعد الصلوات، أما في الصفين الحادي عشر والثاني عشر لم أكن أحفظ كما ذكرت سابقا وإنما كنت أراجع المحفوظ فقط، وكنت احفظ في الإجازة الصيفية.

وقد عزمت على حفظ كتاب الله كاملا في مرحلة التعليم المدرسي، فقد كنت أسمع أن التعليم الجامعي يوجد به ضغط في الوقت.

ما هي الصعوبات والتحديات التي واجهتك في مسيرة حفظك للكتاب العزيز؟

الصعوبات التي واجهتها في البداية تتمثل في أنه لم يكن هناك محفظ أو مراجع، أو معلم، يرشدني ويوجهني وينصحني، ويسمِّع لي، بالإضافة إلى أنه لم يكن عندي صاحب قرآني أو مجموعة قرآنية لتحفيز بعضنا البعض على المواصلة وعدم الانقطاع، حتى نختم كتاب الله سبحانه وتعالى.

كما أنني لم يكن عندي مشجع لأنه لم يكن أحد يعلم بأنني كنت عازما على حفظ كتاب الله كاملا، ولم يعلم أحد عندما ختمت حفظه سوى بعض الأشخاص.

ولم تكن عندي خطة واضحة، حول المقرر اليومي للحفظ، وكيف أوافق بين الحفظ والمراجعة، وما هي الأوقات المناسبة للحفظ، والأوقات المناسبة للمراجعة، فقط كان الهدف عندي هو الحفظ، وسعيت إلى تحقيقه، ومنّ الله عليَّ بذلك.

من خلال تجربتك الذاتية، كيف تجسدت البركة التي يتركها القرآن في حياة مَن يحفظه؟

يقول الله عز وجل: «كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ» فهو كتاب مبارك، وأي قلب تعلق به يصبح مباركا، ويصبح أثر هذه البركة محسوسا في كل شيء، فمن الأشياء التي التمستها من هذا الكتاب الكريم هو أنني تخلصت من العادات السيئة، لأن القرآن الكريم يربيك ويهذبك.

والأمر الآخر أنني ما فكرت في أمر ما أو احتجت إلى شيء ما إلا وجدته يتحقق بشكل عجيب، فالله تعالى يقول: «إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ» حتى في ما يتعلق بالأمور المادية، فلا أكاد أصرف مبلغا كبيرا إلا ويأتيني أضعاف ذلك المبلغ في مدة بسيطة، وكل ذلك ببركة هذا الكتاب الكريم، فهذا الكتاب ينوّر لك حياتك، كما ألاحظ بركة هذا الكتاب في علاقتك بالناس في المجتمع وعلاقتهم بك، فتجد القبول في قلوبهم.

هل تغيير القناعات حول قدرات الراغبين في حفظ كتاب الله من الممكن أن تجعل عملية الحفظ أسرع؟

نعم تغيير القناعات له دور كبير جدا في مواصلة الحفظ، فالمقبل على الحفظ يجب عليه أولا أن يمتلك عزيمة قوية ورغبة ملحّة لحفظ كتاب الله، وكذلك يجب عليه أن تكون عنده نية صالحة، ويبعد عنه الأفكار المثبطة التي تأتيه كمثل قوله «أنا كبير في السن، أو أنا الآن في الجامعة وأصبحت مشغولًا بالدراسة، أو أنا بدأت أعمل وكوّنت أسرة وعندي أولاد، وارتباطاتي كثيرة ولا أستطيع أن استمر في الحفظ»، ومن ضمن الأفكار المثبطة للحافظ هو عدم إيمانه بقدرته على الحفظ، والحقيقة أنه ليس بالضرورة أن من حفظ القرآن هو أحفظ منك أو أذكى منك أو أفهم منك، ولكنه كان يمتلك العزيمة والخطة الواضحة التي أعانته في تحقيق الهدف.

ما هي الطرق التي طبقتموها والتي تعين على رسوخ الحفظ وعدم النسيان؟

النسيان يأتي بسبب عدم التعهد وقلة المراجعة والتكرار، وكما هو معلوم عند جميع الحفظة أن التكرار هو أساس الإتقان، فكلما كررت أكثر كان حفظك أقوى، وإذا لم تكرر فإنه سيذهب عنك المحفوظ وتبدأ في النسيان.

فيجب على الحافظ أن يجعل لنفسه وردا يراجع فيه ذلك المحفوظ، فمثلا الحافظ لخمسة أجزاء فقط، ينبغي عليه أن يقسم هذه الأجزاء الخمسة على أسبوعين، فمعناه أن تلك الأجزاء الخمسة كررها في السنة 24 مرة، هذا الأمر يساعد في تثبيت الحفظ وترسيخه وعدم النسيان.

ما الآية التي تتردد في ذهنك دائما؟ تجد نفسك تتلفظ بها دون أن تشعر؟

الآية التي تتردد في ذهني دائما وأتلفظ بها دون أن أشعر هي قوله تعالى: «فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» وهي آية تمدني بالثقة أن حياتي بيد الله تعالى، وثقتي في اختياراته لي في كل شيء.

أمام هذا الكم الهائل من الملهيات ووسائل الترفيه واللعب.. ما هي الطرق والأساليب التي تتبعونها في ربط الناشئة بالقرآن الكريم؟

بالنسبة لي شخصيا، حفظت القرآن الكريم مع وجود تلك الملهيات، فقد كنت دائما ألعب كرة القدم، كما كنت ألعب «بلاي ستيشن» لكن كان كل شيء وله وقته، فقد كنت ألعب في وقت الظهر البلاي ستيشن، وألعب في العصر كرة القدم مع أقراني، أما بقية الوقت فكنت أوزعه بين واجباتي ومراجعة دروسي وبين حفظ القرآن الكريم.

فتقسيم الوقت مهم جدا، فيجب أن يعمل للطلاب برنامج متكامل بحيث يتضمن وقتا للحفظ، ووقتا للمراجعة، ووقتا للترفيه، بحيث يعلم الطالب أن يومه ليس محصورا في أمر محدد، ولكن لكل أمر وقته، فالحفظ له وقته، واللعب وممارسة الهوايات لها وقتها.

ما هي المسابقات القرآنية التي شاركت فيها؟ وهل تجد أن هذه المسابقات حافز للحفظ وتجويده؟

شاركت في عدة مسابقات محلية ودولية، فشاركت على مستوى الولاية، وعلى مستوى المحافظة، وعلى مستوى سلطنة عمان وحصلت بفضل الله على مراكز متقدمة، وكذلك شاركت في مسابقة السلطان قابوس لحفظ القرآن الكريم عدة مرات، وحصلت فيها على المراكز الأولى، ثم مثلت سلطنة عمان في مسابقات دولية، منها في كرواتيا والجزائر، وحصلت فيها على المركز السابع، ومسابقة تونس التي حصلت فيها على المركز الرابع.

ولهذه المسابقات دور كبير في الحفظ وتثبيت المحفوظ، فمثلا إذا كان المقرر المطلوب للحفظ في المستوى المناسب لعمره هو حفظ 12 جزءا، وهو حافظ لعشرة أجزاء، فهو يسعى أن يحفظ الجزأين المتبقيين للمشاركة في هذا المستوى الذي يشترط حفظ 12 جزءًا.

كذلك بالنسبة لتثبيت المحفوظ، فالحافظ يقوم بالاستعداد للمسابقة بطريقة مكثفة، بحيث عندما يشارك في تلك المسابقة سوف يسمع له ولا يخطئ وهذا مما يساعد على تثبيت المحفوظ، ويجب أن تكون النية خالصة لله تعالى عند دخول هذه المسابقات وهي نية إتقان حفظ كتاب الله بما تتيحه هذه المسابقات من منافسة في الخير.

كيف يستعد الحفاظ للمشاركة في المسابقات الدولية لحفظ القرآن الكريم؟

يجب أن يكون الشخص حافظا لكتاب الله تعالى ومثبتا للمحفوظ أي أنه يكون متقنا لحفظه، ومجوّدا له، وهناك معايير ثلاثة لكل مسابقة وهي: الحفظ، والتجويد، والأداء. والمنافسات في المسابقات الدولية تكون قوية، فكل متسابق شارك فيها لتمثيل دولته.

والاستعداد يجب أن يسبق المسابقة بفترة زمنية مناسبة بما يناهز الشهرين، بحيث يضاعف مقدار المراجعة، والهدف من هذا هو الإكثار من الختمات قبل الشروع في المنافسة، وكذلك يفضل أن يسمع هذه الأجزاء على يد شيخ متمكن في الحفظ، حتى يرشدك ويعطيك الملاحظات التي يجب أن تنتبه لها.

ما هي المشاريع المستقبلية التي تطمحون إلى تحقيقها والتي تخص كتاب الله؟

أطمح لأن تكون لي مدرسة أو مركز خاص لتحفيظ القرآن الكريم، أديره بنفسي، وأن يكون لي طلاب من الساعين لحفظ كتاب الله عز وجل، أعلّم فيه وأنقل ما تعلمته وحفظته من كتاب الله تبارك وتعالى لعدد كبير من الأشخاص حتى يكون لي زاد في الثواب، وحتى يشفع لي القرآن وأهله عند الله تعالى.