No Image
روضة الصائم

أبو الحواري

29 مارس 2023
رواد الأدب العماني
29 مارس 2023

أبو الحواري محمد بن الحواري القري المعروف بالأعمى، عالم وفقيه ورع من علماء النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وأدرك الرابع، وهو من قرية تنوف بنزوى، أخذ العلم عن محمد من محبوب، ومحمد بن جعفر، ونبهان بن عثمان، وأبي المؤثر الصلت بن خميس وهو أخص شيوخه وأكثرهم ملازمة له.

كان أعمى، ولا يُعلم على وجه التحقيق، أكان عماه منذ صغره، أم أمر حدث له بعد ذلك في حياته، ويأتي بعد ذكر اسمه، أنه المعروف بالأعمى، روى أبو سعيد: " أن أبا الحواري رفعت إليه امرأة إلى أبي جابر محمد بن جعفر، وكان_ على ما قيل _ قاضياً، فألزم أبو جابر أبا الحواري اليمين، وأراد أن يحلفه، فوصل أبو الحواري إلى نبهان فقال له: إن جابر يريد أن يحلفني. فقال له نبهان: لا يحلفك أره عينيك. فلما حضره أبو الحواري، أراد أبو جابر أن يحلفه، فقال له: يا أبا جابر تحلفني وأنا أعمى؟ أنظر إلى عيني. فنظر أبو جابر إلى عينيه، فقال: نعم، هذه ذاهبة، وهذه غائبة فلم يحلفه.

كان ثالث ثلاثة من علماء أهل عمان في عصره، وقيل إنه كان أجمعهم علما وفقها. يقول عنه صاحب الكشف: “إنه أكثر أهل زمانه من العلماء فقها وعلما على ما يظهر من أموره، وخاصة في أحكام الحلال والحرام....”.

وكان زاهدا في متاع الدنيا مقبلا على الآخرة ومن آثاره جامع أبي الحواري، وتفسير: “الدراية وكنز الغناية ومنتهى الغاية وبلوغ الكفاية في تفسير خمسمائة آية". وله سيرة هي رد على أسئلة إلى أصحابه في حضرموت، نشرت ضمن كتاب "السير والجوابات لأئمة وعلماء عمان". كما أنَّ له زيادات مفيدة على كتاب جامع ابن جعفر. وقام بعض العلماء بجمع فقه وأجوبة أبي الحواري، وقد نشرته وزارة التراث والثقافة في خمسة أجزاء تحت عنوان "جامع أبي الحواري"، وسئل عنه أبو الحسن فقال: إذا لم أتول أبا الحواري فمن أتولى، صحبته ستين سنة ولم نعلم منه هفوة.

عاش أبو الحواري في آخر القرن الثالث وأول القرن الرابع الهجريتين لكن لا تسعفنا المراجع -التي طالعناها- بتحديد تاريخ مولده، ولا تاريخ وفاته، وفي هذه الفترة شهدت عمان أحداثاً جساماً، وهي عزل الإمام الصلت بن مالك، وأحداث موسى بن موسى، وراشد بن النضر، وعزان بن تميم، وما نتج عن ذلك من تدخل العباسيين في حكم عمان، بقيادة محمد بن بور، وافتراق علماء عمان إلى فرقتين، أحدهما عرفت بالنزوانية، والثانية عرفت بالرستاقية. وقد برهنت تلك الأحداث على حسن إدراك أبي الحواري للأمور، وسعة أفقه لاحتواء تلك الأحداث، حيث كان رأيه الوقوف عن تلك الأحداث وأصحابها، فقد روي عن أبي سعيد قائلاً: " وأما أبو الحواري محمد بن الحواري المعروف بالأعمى، فالذي بلغنا عنه أنه كان يقف عن موسى بن موسى، وراشد في تلك الإمامة، ولا يبرأ منهما"

وقيل أن "بيجرة" عامل العباسيين وابن بور في نزوى، أرسل جنديا لقتله، فوجده يتلو القرآن في محراب مسجد بن سعيد المعروف بأبي القسام، وهو مسجد الشجبي، فأراد الجندي أن يبعده عن المحراب لئلا يطش دمه فيه، فقال له: إن أبا أحمد -بيجرة- يقول لك سر إليه. فقال أبو الحواري: ليس لي به حاجة، وأخذ في القراءة. فبقي الجندي متحيرا لا يدري كيف يفعل به حتى جاء رسول "بيجرة "، فقال له: لا تحدث في أبي الحواري حدثاً، فرجع عنه ولم يفعل شيئا.

كتاب الدارية ومنز العناية ومنتهى الغاية وبلوغ الكفاية في تفسير خمسمائة آية يتناول تفسير خمسمائة آية من آيات الأحكام في القرآن الكريم، أخذاً بأثر ابن عباس الذي يقول فيه: " خمسمائة آية من كتاب الله في الحلال والحرام، لا يسع المسلمين إلاّ أن يعلموا تفسيرهن، ويعملوا بهبهن". ويقع الكتاب المطبوع في جزئين، قام بتحقيقه د/ محمد محمد زناتي عبد الرحمن. وأصل تفسير العلامة أبي الحواري في معاني الآيات مأخوذ باختصار من تفسير مقاتل بن سليمان الأزدي الخراساني أبي الحسن توفي سنة خمسين ومائة.

وقد قام العلامة أبو الحواري بالتعليق عليه واستخراج المسائل الشرعية وأدلتها وإضافتها إلى التفسير، فحمل تفسيره جانبين: بساطة تفسير الآيات وشرح الأحكام الشرعية، وهذا عمل جليل قام به الإمام أبو الحواري العماني، فظهر كتاباً بديعاً في فنه وتصنيفه. وهو مبوب كتبويب كتب الفقه، فأول ما يبدأ به تفسير الإيمان ثم الطهارة ثم الصلاة ثم الزكاة، ثم الصوم ثم الحج ثم العقوبات والوصايا والمواريث وأحكام الزواج والطلاق والأيمان والنذور ونحو ذلك من أبواب الفقه المعروفة. أمَّا عن طريقته التي انتهجها في تفسيره فإنَّه قبل أنْ يبدأ بتفسير الآية القرآنيَّة يضع عنواناً تندرج فيه المسائل التي تتحدث عنها الآية الكريمة، ثمَّ يذكر الآية والسورة التي تقع فيها ثمَّ يفسر مفرداتها بألفاظٍ موجزةٍ ويستشهد على ذلك بالآيات المشابهة للآية المراد تفسيرها، وأيضاً بالأحاديث النبويَّة التي تختص بالآية، ويرويها أحياناً بالمعنى، ويسند ذلك بأقوال الصحابة والتابعين، ويعرض آراء العُلمَاء.

وهذه نصائح جاءت تحت عنوان تفسير ما أمر الله من الأمر بالمعروف والنهـي عن المنكر: وذلك في تفسير نصائح سيدنا لقمان لابنه في سورة لقمان:( وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) بعد أن فسر معاني الآيات:

يا بني: أحب من أحبّ الله، وأبغض من أبغض الله، وحبب نفسك إلى الناس، ولا تبغض نفسك على أحد من الناس، وأعط الحق من نفسك، وإن سمعت ما تكره وأتي إليك بعض ما لا تحب فأصبر نفسك على ذلك، وأكرهها فأنك على الهوان قادر، يا بني: اطفِ الشر وافشِ الخير. (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ)، ولا تحلف بالكذب، ولا تشهد بالزور. [ولا تكن] ذا لسانين وذا وجهين، ولا تجر بكل ريح مثل السفينة التي تجري في البحر بكل ريح، إنه من علامات النفاق ولكن استقم على سبيل واحد.

يا بني: لا تمار السفهاء، ولا تجالس المستهزئين، ولا تهم في هم الخاطئين.

يا بني: جالس أهل الذكر والفقه والعلم بأمر الله، وليكونوا هو إخوانك وخلطاؤك.

يا بني: الضحك طرف من الجهل، وبعض الحياء طرف من الدين والسكوت بين الخزانة.

يا بني: عليك بالصمت إلاّ في ذكر الله، فإن في اللسان عاقبة الخطايا.

...وأعلم يا بني أن المصيبة باب الإثم، والسكينة واللسان باب القلب، فإذا ضعيّت الباب دخل من لا تريد أن يدخل، وخرج من لا تريد أن يخرج، فإذا حفظت الباب حفظت الخزانة كلها، واستوثق لسانك بتلاوة القرآن، واشغله بالحكمة عن قول الزور والرفث والبهتان.

...يا بني: لا تأمر الناس بالبر وتنسى نفسك، فإن مثل ذلك المصباح الذي يضئ للناس ويحرق نفسه.

يا بني: إن دعاء الجار، وبكاء اليتم، وصوت المسكين المستضعف المظلوم يصعد إلى السماء.

يا بني: إن الله يطلب الظالم أينما كان، ويأخذ للضعيف المظلوم من شدة الظالم فلا تكونن ظلماً، فإنه قال الله:(أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ). ولم يلعن الله مؤمناً.

يا بني: لا تجازي المسيء بسوء عمله، ولكن كِلُه إلى الله فهو يجازيه.

...فإذا صمتَ فليصم سمعك وبصرك وجوارحك كلها من الخطايا، فإن ذلك من أفضل الصيام.

...يا بني: سارع في الصدقة ما استطعت مما قل أو كثر، فإن الصدقة لو لم يكن فيها شيء إلا أنها تعين بمواعد الله فيها لكنت حقيقاً أن تسارع فيها، بل أنها فكاك رقبتك من النار، وغسول الخطايا، فإن ذلك من أفضل العمل...(وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).

يا بني: استيقن بالموت فإنك ميت، ولا تشمت أحداً بالموت فإنك ميت لا محالة، وحاسب نفسك قبل أن تدعا إلى الحساب، يقول الله:(فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

يا بني: لا تنظر إلى من هو فوقك، ولا نحقر من هو دونك، ولا تكن فظاً غليظاً فيزدريك الناس ويزهدوا فيك، ولا تكن حلواً فتبتلع، ولا مُراً فتلفظ، ولا تكن جباراً فتهان وتقمأ، ولا تكن عزيزاً فتهان وتشقى. (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً)

... يا بني: ما أحسن السمع والطاعة، والجمال بالطاعة، وما أسوأ الفرقة والفتنة والمعصية، وما أحسن العلم، والحلم، والعقل، والرأي واللب، وما أسوأ الجهل، والفجور، واللؤم، وما أحسن الغنى، واليقين، والصحة، والسكينة، والوقار، وما أسوأ الكفر، والفجور، والنسيان.

يا بني: إني أبغضت أربعة، وكرهت لنفسي ثلاثة، وعجبت من شيخ زان، ومسكين فخور، وغني ظلوم، وأعمى كذوب، فهؤلاء الأربعة.

والثلاثة: في رجل إذا وعد أخلف، وإذا حدث كذب، وإذا أؤتمن خان فهو منافق، ومن رجل غير محتاج يسأل الناس إلحافا، ولا يعلم أن الأرواح تقبض، والأجساد تدفن، والأموال تفنى.