No Image
رأي عُمان

مشروعات تُفتَح في الطريق إلى 2040

24 نوفمبر 2025
24 نوفمبر 2025

تتوج سلطنة عُمان احتفالاتها الوطنية دائما بإضافة رصيد إلى حاضرها ومستقبلها. وعلى الرغم من أن الاحتفالات هذا العام أخذت بعدا تاريخيا عبر الاحتفاء بالتاريخ والأسلاف وترسيخ القيم والمبادئ التي أنتجتها حركة الإنسان على هذه الأرض عبر الحقب والأزمان، إلا أن عُمان لا تنكفئ دائما على التاريخ أو تعيش فيه إنما تنطلق منه ومن قيمه نحو بناء الحاضر والمستقبل. وخير ما يمكن أن يؤكد هذا النهج أن تحتفي عُمان هذه الأيام بافتتاح حزمة من المشروعات التنموية بقيمة تتجاوز مليارا وأربعمائة مليون ريال عُماني، ما يقدّم صورة واضحة عن الكيفية التي اختارت بها البلاد أن تحتفل بيومها الوطني عبر افتتاح مزيد من الطرق، والموانئ، والمصانع، والمستشفيات، وشبكات المياه.

وهذه المشروعات التي تمتد على طول الأرض العمانية هي ضمن خطط العمل التي تنجزها الدولة في ضوء «رؤية عُمان 2040» وتوجيهات حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- في بناء اقتصاد متنوع الأذرع، قائم على مشروعات ذات عائد استثماري حقيقي. فمنطقة صحار الحرة تستقبل مشروع البولي سيلكون كحلقة جديدة في صناعة متقدمة مرتبطة بالطاقة والتقنيات الحديثة، وميناء صحار يحتضن مشروع تكرير السكر الذي يعزّز سلاسل الإمداد والأمن الغذائي، ويخلق قيمة مضافة في قطاع الصناعات الغذائية بدل الاكتفاء بالاستيراد الخام.

وفي مدينة خزائن الاقتصادية تتجاور الصناعات الكيماوية مع المخبز الصناعي ومصنع الأعلاف الحيوانية والسمكية، في مشهد يوضح فلسفة تنويع القاعدة الإنتاجية وربطها بالقطاع اللوجستي الجديد الذي يتشكّل هناك. وهذه المشروعات نواة لمنظومة صناعية وتجارية تستهدف أن تكون لسلطنة عُمان مراكز ثقل جديدة خارج الأنماط التقليدية، وأن يتكوّن حولها نسيج من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والفرص الوظيفية النوعية.

على المستوى نفسه تأتي مشروعات الطرق وشبكات نقل المياه في مختلف المحافظات لتؤكد أن الدولة تنظر إلى التنمية بوصفها شبكة واحدة لا تتجزأ. وتتجاوز مشروعات ازدواجية الطرق موضوع تسهيل الحركة، رغم أهميته، إلى فتح ممرات استثمارية جديدة تربط مواقع الطاقة والصناعة بالموانئ والأسواق. ومشروعات تعزيز خطوط نقل المياه وشبكاتها في الداخلية والباطنة والشرقية تربط الأمن المائي بجودة الحياة، وبقدرة المحافظات على استقطاب الاستثمار والسكّان معًا.

أما المشروعات الصحية، من مستشفى السويق المرجعي والمختبر المركزي للصحة العامة إلى مستشفى خصب في أقصى الشمال، فهي الوجه الإنساني العميق لهذه التنمية. فالدولة التي تبني مصانع وطرقا لا تترك الإنسان في آخر الصف، بل تضع المستشفى والمختبر ضمن أولوياتها الأولى، بما يضمن حدا أعلى من جودة الخدمات الصحية، ويخفف أعباء التنقل، ويُشعر المواطن في كل محافظة أنه جزء أصيل من مسار النهوض الوطني.

اللافت في هذه الحزمة من المشروعات أنها تنسجم مع التحول الذي تقوده القيادة السياسية منذ تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم مقاليد الحكم عبر فكرة الانتقال من مفهوم «الإنفاق العام» بالمعنى التقليدي إلى مفهوم «الاستثمار العام» الذي يحسب العوائد، ويوازن بين البعد الاجتماعي والبعد الاقتصادي، ويعمل على تحريك القطاع الخاص وجذبه إلى شراكة أوسع. فالمشروعات الصناعية والغذائية واللوجستية والمائية والصحية المطروحة اليوم هي أقرب إلى الأصول المنتجة، التي ترفع من قدرة الاقتصاد الوطني على تنويع دخله، وتزيد من مناعته أمام التقلبات العالمية.