No Image
رأي عُمان

عُمان على موعد مع اقتصاد الفضاء

23 نوفمبر 2025
23 نوفمبر 2025

الخطوة التي خطتها سلطنة عُمان نحو تصميم وإطلاق أول قمر اصطناعي وطني للاتصالات مع شريك صناعي بحجم «إيرباص» يضع البلاد أمام لحظة فارقة في الانتقال إلى السيادة على الاتصالات في عصر الاقتصاد الرقمي. مفهوم الأمن لم يعد كما كان سابقا، فأخطر مسار من مسارات الحفاظ على الأمن اليوم تمر عبر الاتصالات والبيانات، وهذا المسار متداخل بشكل كبير مع حركة المال والاقتصاد والخدمات الحيوية الأخرى.

والانتقال من استئجار السعات الفضائية إلى امتلاك قمر وطني عالي السعة في نطاق Ka يعني تقليص اعتماد البنية الأساسية العُمانية على أطراف خارجية، وبناء طبقة إضافية من الأمان لأنظمة الاتصالات. لقد أثبتت الكابلات البحرية وشبكات الربط الدولية هشاشتها في لحظات الأزمات، سواء بفعل حوادث القطع أو التوترات الجيوسياسية؛ ولذلك فإن وجود قمر وطني قادر على دعم الاتصالات الحكومية والمالية والأمنية، وتوفير المسارات البديلة، يضيف بعدا مهما لمنظومة الأمن الوطني الرقمي، خصوصا مع تغطية تشمل البلاد ومياهها الاقتصادية ومحيطها الإقليمي.

لكن للمشروع أيضا أهمية اقتصادية لا تقل عن أهمية أمن الاتصالات والبيانات. فمثل هذا القمر عالي الإنتاجية يتيح لعُمان تعزيز ربط جميع المحافظات، وتحسين الخدمات للأعمال في الموانئ والمناطق الاقتصادية والحقول النفطية والغازية، ودعم شبكات الجيلين الرابع والخامس، وفتح مجالات جديدة في خدمات الاتصالات البحرية والجوية. وهذا الأمر بات إحدى البنى الأساسية المباشرة لاقتصاد متنوع تسعى إليه رؤية «عُمان 2040»، حيث تصبح البيانات والخدمات الرقمية جزءا من تنافسية الموانئ، واللوجستيات، والسياحة، والصناعة.

لكن القيمة الأعمق تكمن في البشر لا في المعدّات. إدماج الجامعات العُمانية، وبرامج تدريب وتأهيل الكوادر الوطنية، وإتاحة الفرص للشركات الصغيرة والمتوسطة في سلاسل الإمداد الفضائية، يحوّل القمر الاصطناعي من مشروع شراء جاهز إلى مدرسة هندسية ومعرفية طويلة الأمد. كل مهندس يتدرّب على تصميم الأنظمة، وكل شركة محلية تكتسب خبرة في مكوّن أو خدمة متصلة بالمشروع، تضيف لبنة في بناء اقتصاد يقوم على المعرفة والتقنيات المتقدمة لا على بيع الموارد الخام.

يحتاج المشروع إلى تبني جسور حقيقية مع القطاع الخاص والمستخدمين النهائيين لمسار ومجال عمله حتى لا يتحول إلى عبء مالي في حال غابت عنه الرؤية التجارية الواضحة، ويحتاج إلى نموذج أعمال مستدام، وربط دقيق بين طاقته الاستيعابية واحتياجات السوق المحلي والإقليمي.

خطوة القمر الاصطناعية تضع عُمان على خريطة «اقتصاد الفضاء» الناشئ في المنطقة، لكنها أيضا اختبار لقدرة الدولة على تحويل الطموح التقني إلى عائد اقتصادي وأمني وبشري ملموس. إذا نجحت في ذلك، سيتحول المشروع إلى جزء من البنية العميقة لقوتها الناعمة والصلبة في آنٍ واحد.