حب الوطن .. انتماء ووعيٌ ومسؤولية
06 أغسطس 2025
06 أغسطس 2025
«إن حب الوطن هو أعلى درجات الفضيلة.. ومن ليس له وطن ليس له قلب» بمثل هذه الرؤى المشرقة والمعاني العميقة تعكس أدبيات العالم وفلسفاته مكانة الوطن وحضوره وتجذره في الوجدان الإنساني.. فلا يمكن لامرئ صحيح العقل والعاطفة أن يكون كارها لمعنى الوطن، أو يهنأ وتطيب له حياة أبدية خارج حدوده.. فكيف بمن تنكر لأرض آبائه وأجداده ومراتع طفولته وصباه واغترب عن هويته إلى جحيم هواه؟ وكيف بمن تحالف مع الشر وانجرف مع تيار الجحود والكراهية والارتزاق؟ والأوطان تبقى شامخة عصية على أعدائها.. لكنها تأْلم بكيد أبنائها حيث لا يُتصور أن تنطلق من جانبهم سهام المكيدة والغدر. والفرق شاسع وعميق بين من ينظر إلى مشكلات وطنه بتبصر وروية وحكمة، ومن لا يملك سوى الغضب فيسرع في الاتهام وإصدار الأحكام، غافلا أو متغافلا أن قوة الأوطان إنما تكمن في قدرتها على الإصلاح لا في خلوّها من المشكلات، وأن من الجهل وعدم الإنصاف أن تُختزل منجزات الوطن في أزمات عابرة وأن تستغل هذه الأزمات في الدعاية المغرضة بهدف تشويه السمعة والمكانة ونشر الإحباط وإثارة اليأس.
ثمة فرق كبير بين النقد البنّاء الذي يطمح إلى الإصلاح ويقدم البدائل، وبين من يتخذ من النقد واجهةً للانتفاع أو إشعال الفتن والأعمال العدائية تجاه الوطن ومؤسساته.. وما نشهده من محاولات لتقزيم المنجزات الوطنية، وتسفيه الجهود في معالجة بعض التحديات الاجتماعية والاقتصادية، ليس بريئًا في كثير من الأحيان. إذ يتقاطع مع أجندات معادية للمجتمعات الآمنة المستقرة تتعمد تضخيم المشكلات وتهويلها حتى تبدو وكأنها غير قابلة للحل.
واليوم على منصات التواصل من السهل أن نطلق صرخات الغضب والانفعال عبر شاشات الهواتف دون أن نقترح حلًا واقعيًا قابلا للتنفيذ لأي من الظواهر أو الأزمات.. ومن السهل كذلك أن يتم تسفيه كل جهد جاد لابتكار الحلول الممكنة، بينما في الحقيقة هناك عمل يومي متواصل وفق خطط مدروسة، ومعلنة.. ويبقى الفرق في كيفية إدارة هذه التحديات: هل نتعامل معها بمسؤولية أم نستخدمها معاول لهدم الثقة والإخلال بالأمن والاستقرار؟
إن بعض التحديات الاجتماعية والاقتصادية لا شك أنها تشكل هاجسا لأمن واستقرار الدول والمجتمعات، ولكن معالجة مثل هذه التحديات لا تتم بالتحريض من خارج الحدود واستثارة العواطف بشعارات مضللة والدعوة إلى الفوضى، فهذه جريمة لا يمكن تبريرها تحت أي ظرف وبأي ذريعة ولا يمكن أن تنطلق من ضمير مخلص ونوايا صادقة، والأولى بمن يزعم الحرص على الإصلاح والارتقاء بالأوطان أن يقدم الحلول والبدائل بدلا من الخطابات الموتورة التي تبذر الشكوك والإحباط وتغلق أبواب الأمل.
والحقيقة التي تتجاهلها أبواق التضليل أن التنمية لا تُبنى من طرف واحد، والمشاركة الفاعلة لا تعني فقط تسليط الضوء على المشكلة، وإنما تعني الإسهام الحقيقي في تحليل الظواهر والمشكلات بمنهج علمي وبلورة الحلول.
إن الأوطان كيانات حية تنبض بمحبة أبنائها والتفافهم حول مصالحها العليا وإسهامهم غير المشروط في نموها وازدهارها والمحافظة على أمنها واستقرارها.. وما يحتاجه الوطن من أبنائه هو التحلي بالوعي ليتمكنوا من التفريق بين الخطابات المنطلقة من المصلحة الوطنية العليا وبين خطابات التحريض والكراهية المستندة إلى المصالح الشخصية الضيقة والنزعة الاستعلائية تجاه الوطن ورموزه ومنجزاته.
