455455555
455455555
رأي عُمان

الشكل الجديد للتعايش مع الحياة في ظل بقاء فيروس كورونا

04 ديسمبر 2021
04 ديسمبر 2021

لم يكد العالم يتنفس الصعداء على وقع فرحة تقدمه في رحلة تجاوز آثار جائحة فيروس كورونا «كوفيد19» بعد أن نجح في محاصرة الوباء بشكل كبير في الكثير من مناطق العالم حتى ظهر متحور جديد تشير الدراسات الأولية أن لديه القدرة على الهرب من المناعة الناتجة عن التطعيم أو تلك الناتجة عن الإصابة السابقة به.

وقد أعاد هذا الخبر الخوف والهلع للعالم الذي بدأ في إعادة الإجراءات الوقائية والتي من بينها عودة الإغلاقات وبدء الحجر الصحي. واعتقد الناس أنهم عادوا مرة أخرى إلى المربع الأول في مواجهتهم مع الوباء.

لكن الأمر لا يبدو كذلك بالضبط مع الوباء الذي حصد أرواح أكثر من 5 ملايين إنسان في أقل من عامين، وتسبب في إصابة أكثر من ربع مليار إنسان في مختلف قارات العالم..ففكرة استئصال الفيروس كانت أقرب إلى الفكرة التطمينية منها إلى الفكرة العلمية.

يفرق علماء الأوبئة بين ثلاثة مصطلحات في طريق الخلاص من فيروس كورونا «كوفيد19» وهي مصطلحات لها دلالتها وبروتوكولها في عالم الأوبئة وهي: المصطلح الأول: استئصال الفيروس أو «إبادته» ومصطلح انقراض الفيروس، ومصطلح القضاء على الفيروس.

واستئصال الفيروس تعني تدميره من الطبيعة فلا يعود موجودا إلا في «المختبرات» كما هو الحال مع مرض الجدري تقريبا، ولكن حتى يتم استئصال أي فيروس فإن الأمر يحتاج إلى عدة أدوات قد لا تكون متوفرة في حالة الرغبة في استئصال فيروس كورونا، ومن بين أبرز تلك الأدوات التدخل العالمي الفعّال لوقف انتشار الفيروس، وتوفر أدوات تشخيص وكشف للجميع وبأسعار مناسبة جدا إن لم تكن مجانية، وأيضا عدم وجود المرض في الحيوانات التي يمكن أن تنقلها بدورها للإنسان، وهذه الأدوات جميعها غير متوفرة حتى الآن في سياق محاربة وباء فيروس كورونا لعدة أسباب من بينها الطبيعي وكذلك السياسي والاقتصادي.

أما موضوع انقراض الفيروس «أي فيروس» فتعني عدم وجوده حتى في المختبرات، وهذا لم يحدث في تاريخ جميع الفيروسات التي عرفتها البشرية تقريبا، وفق ما يؤكده علماء الأوبئة وذلك لأسباب سياسية حيث تحتفظ بعض الدول بعينات من الكثير من الفيروسات في مختبراتها رغم انقراضها من الطبيعة. ولذلك يطرح العلماء الآن إمكانية العمل من أجل تحقيق نتائج المصطلح الثالث وهو القضاء على الفيروس. ومصطلح القضاء على الفيروس يعني السيطرة عليه وتقليل الإصابة به إلى حدود «الصفر» في أكثر دول العالم، وهذا موجود مع الكثير من الأمراض والفيروسات كما هو الحال في السلطنة مثلا مع الفيروس المسبب للحصبة أو المسبب لشلل الأطفال وفي أمراض مثل الملاريا وغيرها. وهذه الاستراتيجية يمكن تطبيقها مع مرض فيروس كورونا في ظل صعوبة تطبيق الاستراتيجيتين السابقتين لأسباب كثيرة بينها الطبي والسياسي والاقتصادي. ومن المهم طرح هذه الفكرة الآن مع عودة المتحور «أوميكرون» لإثارة الرعب من الجائحة مرة أخرى وهذا الرعب وصل إلى الاقتصاد وتراجعت بسببه أسعار النفط والبورصات.

لكن تحتاج هذه الاستراتيجية توفير اللقاحات بشكل كبير لجميع سكان العالم وكذلك بأسعار تناسب الدول الفقيرة حتى يتم تطعيم الجميع بها ومنع ظهور متحورات جديدة من الفيروس تملك القدرة على الهرب من المناعة الناتجة عن اللقاحات. أيضا يحتاج الأمر إلى العمل على لقاحات من جيل جديد توفر حماية أكبر من الحماية الحالية المحدودة والتي يقول العلماء إنها تتلاشى بعد مضي 8 أشهر. لكن هذه الحقيقة العلمية التي ترى أن القضاء التام على الفيروس ليس ممكنا على الإطلاق في المدى القريب على أقل تقدير من شأنها أن تجعلنا نغير في الكثير من أنماط حياتنا وسلوكياتنا وما نحسبه اليوم استثنائيا مثل الإجراءات الاحترازية يمكن أن يتحول إلى نمط حياة، بل من الضرورة أن يتحول كذلك.

نحن مجبرون أن نعيش حياة مختلفة عن تلك التي كنا نعيشها ما دام هذا الفيروس قادر بشكل مستمر أن يحور من نفسه ويطورها ليستطيع مقاومة كل ما يصل إليه العلماء من حلول للقضاء عليه.

لقد أثر الوباء على حياة الناس وعلى الاقتصاد وعلى الكثير من المكتسبات التي حققتها البشرية كما تسبب في تدمير الكثير من الاقتصاديات الناشئة في العالم وأدخل مئات الملايين في خط الفقر. واستمرار الوضع على ما هو عليه من شأنه أن يدمر الكثير والكثير.. لذلك لا خيار إلا أن نتعايش مع الوباء بالإجراءات التي تحمينا من شره.