No Image
ثقافة

«ويسألونك في الدين والحياة» موسوعة شاملة للدكتور أحمد الشرباصي

30 مارس 2023
30 مارس 2023

قبل الحديث عن هذا الكتاب بل الأحرى أن نُسميه بالموسوعة، وأعني: (ويسألونك في الدين والحياة)، الذي يقع في سبعة مجلدات، ينبغي أن نتحدّث عن مؤلفه العبقري د.أحمد الشرباصي -رحمه الله-.

هو الدكتور أحمد الشربيني جمعة الشرباصي، ولد في أواخر عام ١٩١٨م بمحافظة الدقهلية بمصر، وكانت دراسته الجامعية في كلية اللغة العربية، ليُعين بعد تخرحه منها مدرساً في وزارة المعارف، وينتقل بعدها لعدة معاهد للتدريس فيها.

الدكتور الشرباصي هو واحد من الذين برزوا نبوغهم في وقت مبكر جداً، فقد رزقهُ الله الذكاء والهمة العالية مع استعداد فطري للأدب، فلا عجب أن يؤلف كتاباً وهو في سن العشرين، وقد كان حينها طالباً في المعهد الديني الثانوي، والكتاب هو (حركة الكشف)، وقد صدر في عام ١٩٣٨م، وكان الكتاب رائعاً يدل على عمق مؤلفه وذكائه وعبقريته، وقد لاقى الكتاب قبولاً حسناً، وأثنى عليه الكثيرون، وكان ممن أثنى عليه الأديب الكبير محمد سعيد العريان في مجلة (الرسالة) الشهيرة، ومن حينها فتحت الصحف والمجلات صفحاتها لهذا لشاب الذكي والأديب الواعد أن يكتب فيها.

وتوالت كتب د.الشرباصي بعد ذلك ومقالاته التي بينت عن نبوغ كبير، وعبقرية متقدّة، لتقوم جمعية الشبان المسلمين بعد ذلك بتكريمه وعمل احتفالية له والاعتراف بنبوغه المُبّكر واجتهاده المستمر، في عام ١٩٤٥م نال د. الشرباصي الشهادة العالمية الأزهرية، ثم حصل على الدكتوراه في الأدب والنقد عام ١٩٦٧، التي كان موضوع أطروحتها العلمية (رشيد رضا صاحب المنار)، ومن المهام التي أسندت للدكتور الشرباصي أنه سافر مبعوثاً إلى الكويت من قبل الأزهر.

د. الشرباصي لم يكن مؤلفاً فقط، بل كان خطيباً بارعاً مفوهاً يأسر قلوب مستمعيه. أثرى د. الشرباصي المكتبة العربية بكتب كثيرة، بعضها يقع في سبعة أجزاء مجلدات مثل الكتابين: (موسوعة أخلاق القرآن) و(ويسألونك في الدين والحياة)، وبعضها يقع في ثلاثة مجلدات ككتابه (موسوعة الفداء في الإسلام)، وتنوعت المجالات التي يكتب فيها بين الفقه والأدب والأخلاق والتاريخ والسيرة الذاتية، وقد كتب عن بعض الشخصيات الشهيرة ككتابه (أمير البيان شكيب أرسلان حياته وأدبه). توفي د.الشرباصي في عام ١٩٨٠م، فرحمه الله.

من كتبه المهمة جداً، موسوعته التي تقع في سبعة مجلدات، التي عنونها بعنوان (يسألونك في الدين والحياة)، ولستُ متأكداً متى صدر هذا الكتاب الضخم، فعندي طبعة دار الجيل بيروت، وهي الطبعة الأولى وقد صدرت في عام ١٩٩٥م، وذكر الناشر في التقديم أن هذه الطبعة هي الطبعة المُنقّحة للكتاب حيث تم فيها تخريج الآيات والأحاديث، وترتيب الموضوعات، وإضافة فهرساً تفصيلياً، وفهرساً للأعلام وفهرساً للأحاديث، وتم تشكيل أبيات الشِعر.

لاقى الكتاب عند صدوره رواجاً كبيراً، وتلقفته الأيدي اقتناءً وقراءة، وما سبب ذلك إلا أنه موسوعة كاملة شاملة تُغنيك عن مئات من الكتب، حيث تجد فتاوى في العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق، والسلوك الذي يشمل الفرد والأسرة والمجتمع، وتجد في هذه الفتاوى أيضاً الفقه والتاريخ والفِكر والشعر، والسياسة والاجتماع وغيرها، وكأن المؤلف يُريد بذلك أن يجعل موسوعته عبارة عن مكتبة شاملة لا يحتاج قارئها لكتاب غيره.

وقد قال المؤلف في مقدمة المجلد الأول: إن طبيعة كتابه عبارة عن مجموعة من الأسئلة تدور حول أمور الدنيا وشؤون الحياة، مع أجوبتها التي تحاول أن تربط السائلين بأحكام الدين وتُعطيهم قسطاً لا بأس به من المعرفة والتفقه في الإسلام، لذلك سمّى كتابه (يسألونك) وهي -كما وضح- لفظة قرآنية مضيئة ترددت في كتابه مرات ومرات حول مختلف الموضوعات. والمؤلف بتأليفه لهذا الكتاب يريد أن يُشير إلى أن في الإسلام ميزة مهمة، وهو أنه ربط الدين بالحياة ولم يفصلهما.

ثم أخذ المؤلف يشرح أهمية السؤال بكونه استدعاءً للمعرفة، ويؤدي إلى المعرفة، وقد قالوا: «السؤال مفتاح العلم». وفكرة وضع سؤال ثم الإجابة عليها، أراها من أهم الوسائل التي تُرسخ العلم في الذاكرة، فعندما تقرأ سؤالاً في موضوع تجهله، تتشوق لمعرفة الإجابة والحكم، خلافاً من أن تقرأ مقالاً أو فصلاً في موضوع معين، حيث قد تتشتت من كثرة المعلومات وتفرعها ولا تجد إجابة عن ما يدور في بالك.

والعجيب أنك عندما تقرأ أحد الأسئلة الموجودة في هذه المجلدات السبعة، وتقرأ إجابة المؤلف عنها، أنك تتعجب من موسوعية المؤلف وكثرة اطلاعه، حيث تجد الإجابة شاملة وافية مدعومة بالاستشهادات والنقولات وغيرها، فيخرج منها قارئها بفهم واضح للمسألة، فمثلاً تجده يجيب إجابة واضحة شافية حين يُسأل حول شبهة أن الإسلام يدعو إلى العنف ويرفض السلام، وكذلك عندما يُسأل عن الحياة الصوفية ومعناها، وهل هناك تعارض بينها وبين الحديث الشريف (لا رهبانية في الإسلام)؟ أو أين تذهب روح النائم؟ وغيرها الكثير والكثير من الأسئلة في المذاهب والديانات والأفكار والزواج والمعاملات الاقتصادية، حيث يتأكد لك أن المؤلف قد بذل جهداً كبيراً وبحثاً عميقاً في كل سؤال أجاب عنه.

هذا الكتاب بحق أحد الكتب المهمة التي ينبغي أن تكون في كل مكتبة بيت، فهو -كما ذكرت- موسوعة شاملة كاملة وافية، ولكن المشكلة أن دار الجيل قد أُغلقت أبوابها ولم يعد الكتاب متوفراً، ويا حبذا لو تقوم مكتبة بإعادة طبعه من جديد بعد الاتفاق مع الورثة، ليكون في متناول القارئ العربي؛ لأنه بحق كنز ثمين لا يُقدّر بثمن، وهنيئاً لمن لديه نسخة منه.