وجه الكتاب وعتبته.. فن الغلاف ومعادلة المصمم والكاتب والناشر
27 سبتمبر 2025
27 سبتمبر 2025
استطلاع ــ بشاير السليمية
يشكل غلاف الكتاب الواجهة الأولى التي تستوقف القارئ، وقد تؤثر في قراره بشراء الكتاب أو تركه، وهو ما يجعل تصميمه «الغلاف» عملية إبداعية تجتمع فيها ثلاثة عناصر: خبرة الفنان، ورؤية الكاتب، ودور الناشر. وفي استطلاع الرأي هذا يتحدث رسامون ومصممون عن طريقتهم في إعداد الأغلفة، ومدى ارتباطها بمضمون النصوص، وتأثيرها على القراءة والتأويل، إضافة إلى التحديات التي يواجهونها في ظل تراجع صناعة النشر، وتكرار الأساليب الفنية.
طقس أم استعداد خاص؟
قد يكون لكل مصمم ورسام طقسه الخاص أو استعداد معين يسبق لحظة إنجاز الغلاف أو الاشتغال عليه بين التأمل في النص وقراءته، واستدعاء الفكرة، وتطويع الألوان والأشكال. يقول الكاتب والفنان البحريني حسين المحروس:
«الغلاف عتبة النص، عتبة الكتاب؛ إذا لم يُحسن المصمم وضعه والصدق في ربطه بمشيج المحتوى، أساء. نهتمّ بالعتبة؛ لأنها المدخل البصري والحركي للانتقال من عالم إلى آخر، مثل عتبة الباب تمامًا. الغلاف وجه الكتاب! ولا أحد ينظر في الكتاب قبل وجهه. لا يوجد لديّ طقس أبدًا، لكن هناك استعداد خاص لإنتاج غلاف بين اليسر والتعقّد أسميه تحدّيا. يسبق ذلك المعرفة التي نحتفظ بها حول المؤلف». وكالمحروس تعترف الفنانة العمانية ابتهاج الحارثية بأنه ليس لديها طقوس خاصة، وقالت: «تصميم الغلاف يأتي دائمًا في المرحلة الأخيرة بعد إنجاز جميع رسومات الكتاب الداخلية. هذه الخطوة مهمة جدًا؛ لأنها تعتمد على الألوان والخيارات البصرية التي حددت سلفا ما يضمن أن يكون تصميم الغلاف امتدادًا متناغمًا للرسوم الداخلية». أما عامر مغربي مصمم أغلفة كتب من سوريا فقال: «الصراحة أنا لا أفضل تسمية التحضير للعمل الفني بالطقوس، بل أسميها مرحلة البداية في العمل الفني. وهذه المرحلة تتطلب الهدوء والتركيز وحالة من الصفاء الذهني الذي يتطلب تحضيرًا مناسبًا وجوًا من السكينة». وعن التجربة الأولى في رسم غلاف يقول الفنان العماني سعيد الرويضي: «أول تجربة لي مع تصميم غلاف كتاب كانت في عام 2014 أو 2015 حين طلب مني الأخ فيصل العلوي تصميم غلاف لكتاب (حمد الخروصي رحمه الله) بعد عودتنا من رحلة إلى الأردن. لاحقًا تلقيت خبر وفاته، وكان التصميم المطلوب عبارة عن بورتريه يتناسب مع الغلاف. لم أكن متخصصًا في تصميم الأغلفة، لكنني تعاملت معها كتجربة ومحاولة».
قراءة النص
بين القراءة المتعمقة للنص أو الاكتفاء بالفكرة؛ كيف يتعامل المصمم والرسام مع غلاف الكتاب؟ وهل يلتزم دائمًا بمحتواه، أم ينطلق إلى تأويله البصري الخاص؟
أجاب المحروس قائلاً: «يبدأ التصميم من عنوان الكتاب. لا بدّ من التأمل فيه جيدًا بعدها تبدأ قراءة نصّ الكتاب أو محتواه. وهي عملية غريبة نوعًا ما؛ إذ يبدأ حوار بين المصمم وذلك المحتوى الذي لا يتوقف بكرم عن عرض فقراته أو جمله على المصمم لتصبح ذلك الغلاف. هي عملية ترخي للمصمم حريته في اختيار المشهد؛ فيذهب بعيدًا، لكن في الحقيقة هي ضمن حدود ذلك النص. في النهاية؛ الغلاف هو مشيج من الحركة المقيّدة للنصّ والطريقة التي ينظر بها المصمم شارحًا له أو مؤوّلًا». أما الحارثية فتقرأ الكتاب قبل تصميم غلافه، خاصة أنها غالبًا ما ترسم الرسومات الداخلية أيضًا. وقالت: «أستلهم بشكل طبيعي من النص، والغلاف الناجح بالنسبة لي هو الذي يخلق لغة متوائمة بين الجانب البصري والمكتوب. التأويل الشخصي موجود، ولكنه يكون في عناصر بصرية أو تكوين الغلاف بينما يبقى النص هو الملهم الأساسي». ورأى عامر مغربي أنه يجب على رسام أو مصمم الأغلفة أن يكون ملمًّا أو مطّلِعًا على فكرة ومضمون الكتاب حتى يكون الغلاف معبرًا عنه. وقال: «عندما أرسم غلافًا لكتاب عن الميتافيزيقا يجب أن أعرف ما هي، وإلا سيكون الغلاف منفصلًا عمّا يحويه الكتاب من أفكار. ولا بأس بأن تكون فكرة الغلاف تعبر عن وجهة نظر المبدع». من جانب آخر قال الرويضي: «في العادة لا أقرأ النص كاملاً، بل أفضل الاستماع إلى القصة أو الفكرة العامة من الكاتب، ثم أعيش أجواءها بطريقتي الخاصة وأسجل الملاحظات. بعدها أبدأ بترجمتها بصريًا في الغلاف أو اللوحة».
إشكالية القراءة والتأويل
أجمع المصممون والرسامون على أن الغلاف ليس عنصرًا شكليًا فحسب، بل جزء من تجربة القراءة. فإلى أي مدى يمكن أن يخلق الغلاف إشكالية في القراءة والتأويل عند الجمهور؟
أجاب المحروس قائلاً: «الغلاف الجيد هو الذي لا يسرع القارئ في تجاوزه، بل يتأمله، ويتحاور حوله، وتقفز صورته في ثنايا النص. وقد يكون له دور في تشكّل تأويل ما أو التأكيد على معنى. كانت أغلفة روايات نجيب محفوظ للتشكيلي جمال قطب أو حلمي التوني تفرض سلطة ما على خيال القارئ، حتى يظنّ أن رسم المرأة أو الرجل هو الشخص نفسه الذي في النص». أما الحارثية فرأت أن ذلك يعتمد بشكل كبير على ماهية النص. وقالت: «في كتب الأطفال قد يظهر هذا في عدم فهم المصمم لما يراه الطفل أولًا في الغلاف، أو عدم فهمه للخصوصية الثقافية للمنطقة. في الكتب المترجمة قد يؤدي عدم احتكاك المصمم بالثقافة التي يمثلها الكتاب إلى خيارات بصرية محدودة ومسطحة». فيما وصف عامر مغربي الغلاف بالصفحة الأهم في الكتاب؛ كونه يلفت عين الناظر لشراء الكتاب، وأكد على ضرورة أن يكون متوازنًا مع أفكار الكتاب ومتجنبًا المبالغة.
وأضاف الرويضي: «أرى أن الغلاف ليس مجالًا للتأويل الحر فقط، بل هو «ترقيم بصري» للقصة نفسها. الغلاف دليل القارئ وعنوان الكتاب؛ لذلك يجب أن يكون مرتبطًا بالمعنى العام للنص».
الإبهار البصري وتأثيره على الفهم
في سؤال حول تأثير الإبهار البصري في أغلفة الكتب على فهم النصوص، وما إذا كان يقطع الصلة بالمحتوى أو ضرورة لجذب فئات معينة من القراء، قال المحروس: «ثمّة أغلفة تعتمد الألوان القويّة بقصد لفتة لونية سطحية لن تتجاوز اللون نفسه، أو شكلًا لا علاقة له بالنص أبدًا. أبديت رأيي مرّة في غلاف لم أجد له علاقة بالنص أبدًا؛ فتشدّدت دار النشر وقالت: تلك رؤية مصمم الدار». ورأت الحارثية أن ذلك يعتمد على موضوع الكتاب وعمر القارئ، وقالت: «في كتب الخيال العلمي أو القصص البوليسية للناشئة الإبهار في الغلاف مطلوب لجذب انتباه هذه الفئة. أما عند تصميم غلاف لعمر يقل عن خمس سنوات فإنني أميل لاستخدام ألوان أقل إبهارًا وعناصر بصرية بسيطة حتى لا تشتت الطفل». فيما يرجع الرويضي الأمر إلى القارئ قائلاً: «فهناك من يتأثر بصريًا، وهناك من يتأثر سمعيًا. وبحكم أنني فنان تشكيلي أنظر دائمًا إلى الجانب الشعوري في اللوحة؛ فالقراء عادة يحاولون استنباط قيمة شعورية من الغلاف ترافقهم أثناء القراءة. لذلك أرى أن المصمم يجب أن يتعايش مع النص والكاتب، وأن ينقل اللحظة الشعورية لا مجرد الشكل». وأضاف: «اليوم مع تأثير التواصل الاجتماعي أصبح البعد البصري عنصرًا أساسيًا في جذب القارئ. أعتقد أن التشويق البصري مطلوب، لكن يجب أن يُوظف بذكاء ليكمل النص لا ليشوّش عليه. الغلاف الجيد يشبه لوحة موسيقية تحمل نغمات صعود وهبوط، بين الإثارة والهدوء، وبين الجمال والرتابة، لتمنح القارئ تجربة شعورية متكاملة».
معادلة المصمم والكاتب والناشر
في طبيعة العلاقة بين الكاتب والمصمم والناشر، وبين التأكيد على أهمية التعاون والحوار لتحقيق غلاف متكامل، وبين غياب الدور الفني الوسيط في دور النشر، ومع ضرورة انسجام هذا المثلث لضمان جودة النتيجة يصف المحروس الأمر بقوله: «في غلاف «ليل ينسى ودائعه» لجوخة الحارثي كان هناك تعاون وتواصل وحوار بيني وبينها ومحمد العتابي (تكوين). وهذا حدث معي من قبل في تصميم غلاف «تغريبة القافر» لزهران القاسمي، وتعاون شوقي العنزي (دار مسكلياني)، وكذلك في أغلفة النادي الثقافي بمسقط. هذا التعاون الثلاثي يمدّ المصمم بسعة في التصميم، فيأخذ الغلاف نحو نتيجة لافتة غير منفصلة عن الكتاب». وقالت الحارثية: «تترك معظم دور النشر هذا للمصمم، ونادرًا ما يتدخل الكاتب في الرسومات أو الغلاف. لكن ما تفتقده أغلب دور النشر العربية هو وجود مدير فني (Art Director)، وهو شخص يقوم بدور الوسيط بين الرسام والكاتب ودار النشر؛ ليضمن إصدار كتاب متناغم في نصه المكتوب والبصري». ولفت عامر مغربي إلى أن لكل طرف دوره، والدور الأهم هو للرسام فهو الأقدر على الرؤية البصرية. وقال: «بصراحة كنت أرى أغلفة منفذة بطريقة تجارية تُسيء إلى الكتاب للأسف، ما انعكس سلبًا على صناعة النشر. أنصح بالبحث عن المبدعين الحقيقيين من رسامي الأغلفة والتعامل معهم لإبداع أغلفة تنافس وتلفت النظر». واعتبر الرويضي هذه العلاقة مثلثًا لا يكتمل إلا بانسجام أطرافه: الكاتب يقدم النص والروح؛ المصمم يترجمها بصريًا، والناشر ينسق ويخرج الكتاب بما يليق. إذا غاب التنسيق بين الأطراف الثلاثة تضعف النتيجة النهائية.
تعثر صناعة النشر وتكرار ومباشرة الأغلفة
وفي الحديث حول علاقة الغلاف بجودة صناعة النشر، ودور تعثر هذه الصناعة في تكرار الأفكار، ومستوى الإخراج الفني والطباعة والورق؛ قالت الحارثية: «أعتقد أنه عندما تتعثر أي صناعة فإنها تميل إلى تكرار الأفكار القديمة، وعدم صناعة الجديد». وأضاف الرويضي: «جودة النشر والإخراج الفني تؤثر بشكل مباشر على الغلاف. ملمس الورق، نوعية الطباعة، اختيار الصور والعناوين كلها عناصر تحدد تجربة القارئ، وتستهدف ذائقته. الناشر هنا يلعب دورًا أساسيًا في تحديد المستوى الذي يصل إليه العمل». ولفت عامر مغربي إلى الجوائز العربية التي كان لها دور في تكرار تكريم أساليب دون المستوى وجعلها قدوة، وقال: «أرى أن على دور النشر إعادة النظر في بعض الأساليب التي تتبناها، خصوصًا في كتب الأطفال والناشئة؛ لأن بعض الأساليب للأسف لا يصح أن تُقدَّم للأطفال، وأصبحت مبتذلة ومكررة. آمل أن تخرج دور النشر من تيه التكرار لأساليب رسم تسيء لخيال وفطرة الطفل». وعزا الرويضي المشكلة إلى غياب الربط العميق بين النص والغلاف أحيانًا، وقال: «الغلاف ليس مجرد صورة جميلة، بل رسالة بصرية يجب أن تعكس قيمة النص وتوازيه. أرى أن المصمم والكاتب والناشر يجب أن يشكّلوا دائرة واحدة، كما يحدث في المسرح أو الدراما؛ حيث يعمل الجميع بتناغم لإخراج عمل متكامل». وأضافت الحارثية: «نعاني من هذا التكرار بشكل كبير. السبب هو أن صناعة النشر تفضل تكرار الأفكار التي أثبتت نجاحها لتفادي الخسائر، ما يؤدي إلى نمطية ومباشرة في الأغلفة».
تحديات تواجه الحرفة
أشارت الحارثية إلى أن أكبر التحديات التي تواجهها هي: كيف أخرج أفضل غلاف؟ وما التكوين والخيارات اللونية التي تصل للقارئ؟ وقالت: «لحسن الحظ معظم دور النشر مرنة جدًا في محتوى الغلاف والرسومات. عندما أصمم كتبًا للمؤسسات والشركات يكون التدخل أكبر بكثير، وهذا أمر متفهم؛ نظرًا لحجم المشروع وعدد العاملين فيه». وأوجز عامر مغربي التحديات في ضيق الوقت أو تدخل الكاتب. فيما وجد الرويضي أن أبرز التحديات التي تواجه المصمم هي تدخل الكاتب أحيانًا في تفاصيل لا تخصه، وضيق الوقت إن لم يبدأ التعاون من مرحلة مبكرة، ومحدودية الميزانية رغم أن العمل الفني يحمل قيمة معنوية كبيرة لا تقل عن النص نفسه. وقال: «شخصيًا أرى أن للكاتب الحق في التدخل في المرحلة الأولى لتوضيح الفكرة العامة، لكن عند مرحلة الإخراج يجب أن يُمنح المصمم حرية الإبداع. يمكن تبادل الملاحظات والآراء، لكن الثقة بالمصمم أساسية. أما الميزانية فهي قضية شائكة؛ لأن بعض الناشرين لا يدركون القيمة الحقيقية للعمل الفني مع أن اسم الفنان وخبرته وتاريخه تضيف قيمة كبيرة لأي كتاب. في النهاية، بالنسبة لي، لوحاتي حين توضع على أغلفة الكتب فهي مصدر فخر، لكن يجب أن تُقدَّر ماديًا بما يتناسب مع الجهد والقيمة الفنية. هذا معمول به عالميًا؛ حيث تُحفظ حقوق الفنانين والمصممين في الاستخدامات الطباعية والنشر».
