ثقافة

نقاشات فلسفية وفكرية رصينة تختتم فعاليات ملتقى بيت الزبير الفلسفي الثاني

29 أبريل 2024
النفري وابن بركة والتصوف وفلسفة الجمال والفقه ضمن محاور الأوراق -
29 أبريل 2024

10 أوراق بحثية غاصت في عمق وآفاق المعرفة خلال يومين بمشاركة مفكرين عمانيين وعرب -

اختتم ملتقى بيت الزبير الفلسفي الثاني أعماله اليوم بعد عشر جلسات علمية خلال يومين شهدت نقاشات فلسفية وفكرية رصينة أثراها النقاش بآراء ورؤى متنوعة تدعو للتأمل والاستفادة من غناها الفكري. وقد تناولت جلسات اليوم رؤى الصوفي النفري للغة كتجربة وجودية متعالية لا مجرد وصف للواقع المحسوس، وعلاقته الفريدة باللغة والاستعارة كوسيلة لنقل التجربة الروحية العميقة، كما استعرضت أفكار ابن بركة حول العادة والعرف والشك واليقين وتأثيرها على الإنسان، كما تم تسليط الضوء على ملامح التجديد الفلسفي في تراث الشيخ مصطفى عبدالرازق، وإسهاماته في إثبات أصالة الفلسفة الإسلامية ودحض الآراء الاستشراقية المتعصبة، إضافة إلى علاقة التصوف بفلسفة الجمال وسعي المتصوفة لرؤية الجمال في أعماق النفس البشرية، وقد ناقشت الجلسة الأخيرة العلاقة بين الفلسفة وأصول الفقه، والجدل حول اعتبار مقاصد الشريعة فلسفة للتشريع الإسلامي، إلى جانب البعد الأخلاقي وعلاقته بأصول الفقه والفقه.

وكانت قد انطلقت جلسات اليوم بالباحثة والأكاديمية الجزائرية الدكتورة شفيقة وعيل حيق قدمت ورقتها بعنوان «نهاية اللغة بداية الوجود: النفري أفقا للفلسفة»، تناولت فيها تجربة الصوفي النفري مع اللغة ككائن أنطولوجي يتجاوز الدلالة المحايثة، مستعرضة كيف يرى النفري اللغة وسيلة للتعبير عن التجربة الوجودية المتعالية بدلًا من مجرد وصف للواقع المحسوس.

وتطرقت الباحثة في ورقتها إلى «المفهوم الحي» عند النفري، حيث تُقدم المفاهيم بشكل حركي متجدد أثناء التجربة لا بطريقة حدية سكونية، كما ناقشت الباحثة رؤية النفري للزمن في التجربة المتعالية، وهو زمن ذاتي يختلف عن الزمن المحايث للواقع البشري، وأشارت الدكتورة وعيل إلى كيفية تفريغ النفري للغة من دلالتها المحايثة لتصبح تجربة أنطولوجية متعالية، وهدمه لمفهوم المعنى المحدد والارتباط بين الأسماء والأشياء. وربطت ذلك بنظرية هايدجر للغة ككائن أنطولوجي يسبق فهم الإنسان ويتكلم من خلاله.

كما تطرقت الباحثة إلى دور الاستعارة في تفعيل الطبيعة الأنطولوجية للغة عند الصوفي النفري، وعرضت لرؤيته الاستعارة ليس كمحاكاة للواقع فحسب، بل كتجربة وجودية متعالية تتجاوز الدلالة المحايثة للغة، وقد ميزت بين موقفين للاستعارة الصوفية - الأول هو الاستعارة الحية أنطولوجيا في لحظة التجربة الآنية، حيث تكون الاستعارة هي التجربة الوجودية نفسها بدلاً من محاكاة لها. والثاني هو الاستعارة المحاكية للتجربة المتعالية الفائتة عند استعادتها واستذكارها.

كما ناقشت حركة المعنى بين الحقيقة والمجاز من منظور المتلقي والصوفي. بالنسبة للمتلقي تكون حركة «المجاز العارج» للانتقال من المستوى المحايث إلى المتعالي. أما الصوفي فيمر برحلتين - رحلة المجاز العارج ثم العودة بالمجاز الدارج لتحييث المعاني المتعالية.

وطرحت الباحثة تمييزًا بين «تجربة اللغة» عند المتلقي و«لغة التجربة» عند الصوفي، اعتمادًا على اتجاه حركة المجاز وتكثيف/تخفيف المعنى. وأوضحت كيفية تفريغ اللغة من دلالتها المحايثة لاستقبال المعرفة المتعالية لدى النفري.

وفي ختام ورقتها أشارت إلى أن للنفري فكرة عكس نموذج القمع، حيث إنه لكي يستعيد وجوده المتعالي في «أقصاه»، عليه أن ينهي اللغة، في حالة «نفي السوى وزوال الحرف والمحروف».

ابن بركة والفلسفة الحديثة

كما قدم الباحث العماني علي بن سليمان الرواحي ورقة بعنوان «العادة أو الطبيعة الثانية بين ابن بركة والفلسفة الحديثة»، قال في بداية ورقته: تُشكل العادة أو العُرف أو ما تعارف عليه البشر حقلاً فلسفيًا ودينيًا خصبًا للبحث والقراءة والتأويل، فهي تكشف عن كيفية تعامل البشر مع المستجدات والمتغيرات في الحياة اليومية وطرق مواجهتها المستمرة. وأضاف «الباحث»: إن النصوص بما فيها من نصوص تأسيسية أو فرعية، تلعب دورها التوجيهي في العقل الديني، مستخدمة مناهج استدلالية لتقنين الفعل البشري ضمن الخط النصي النازل.

مشيرًا إلى أن ابن بركة يضع التفكير والوساوس والشكوك في سلة واحدة، باعتبارها لصيقة بالطبيعة البشرية ومن الممكن أن تقلب الحلال حرامًا في حياة الإنسان، وإن ابن بركة يحث على التمسك باليقين والظاهر والعادة المستحكمة أمام الشكوك والوساوس، معتبرًا اليقين هو القاعدة التي لا تزول إلا بيقين مثله.

وأشار الباحث إلى أن ابن بركة يذكر مصدرين للمعرفة: الحواس والمشاهدة، وعلم الدلائل المستنبط بالعقول، مبينًا أن الثاني هو مصدر للاختلاف والتنازع، مضيفًا: إن ابن بركة لا يقدم منهجية بديلة للتعامل مع الهواجس التي تطرأ على الإنسان، بل يدعو للاعتماد على اليقين والعادة المتعارف عليها.

وطرح «الباحث» تساؤلات حول قدرة النصوص على مواكبة المتغيرات، ودور العادة والمحفزات في توجيه الأفراد، وكيفية التعامل مع الشك واليقين، ودور التصرفات الفردية في التعبير عن الجوانب النفعية والروحية للإنسان.

مؤكدًا أن ابن بركة لا يتحدث عن العادات السلوكية فحسب، بل يركز بشكل كبير على العادات الفكرية التي تحكم الاستنتاجات والتصورات والمنطق العقلي للإنسان.

مشيرًا إلى أن ابن بركة يناقش حدود الشك، والتي تصل في رأيه إلى كل تفاصيل الحياة الشخصية والعامة، مبينًا أن اليقين يشكل حجر الزاوية لدى ابن بركة في التعامل مع الحياة، ثم انتقل الباحث إلى مناقشة العلاقة بين الوجود والماهية كما يراها ابن بركة، مشيرًا إلى أن التقليد جائز عنده في باب الأحكام فقط، في حين يراه مذمومًا في غير ذلك، ويرى أن الدين دين يسر لا يكلف الناس ما لا يطيقون.

بعد ذلك، قارن «الرواحي» بين رؤية ابن بركة ورؤى الفلاسفة المعاصرين مثل ديكارت وهيجل في التعامل مع الشك واليقين والطبيعة الثانية (العادة).

واختتم الباحث علي الرواحي ورقته بالقول: «تتداخل الوساوس والشكوك والعادات التي تعارف عليها البشر في فترات زمنية معينة، مع اليقين الذي يسيطر على الأفراد في سلوكياتهم المختلفة، حيث أنتجت الكثير من الأفكار التي كانت عائقًا يحول دون خروج الفرد من محدوديته الميكانيكية والمجتمعية المتمثلة في ردود الأفعال التي لا تتفاعل بشكلٍ إيجابي مع السياقات والمستجدة من جهة، كما شكلت من الجانب الآخر، حافزًا ودافعًا للشك في أسباب التبعية والقصور الذي يعاني منه الفرد في البحث عن طرق الاستقلالية الفردية الممنهجة والتي تخرجه بحسب منطق ٍ جدلي يستطيع المرء عن طريقه الوصول إلى صيغ فلسفية ومعرفية جديدة.»

الثابت والمتحول وملامح التجديد

وفي الجلسة الثانية قدم الأكاديمي والباحث المصري الأستاذ الدكتور محمد حلمي عبد الوهاب ورقة بعنوان «ما تعد به الفلسفة: ملامح التجديد الفلسفي في مدرسة مصطفى عبدالرازق؛ الثابت والمتحول» وحاول «الباحث» الإجابة عن تساؤل مستقبل الفلسفة الإسلامية في ظل النمو المتزايد للأسئلة حول الدين في الفكر الغربي المعاصر مستعرضا محددات التفلسف، من معرفة المبادئ إلى إبداع المفاهيم، مستندًا إلى آراء فلاسفة مثل جيل دولوز وآلان باديو، الذين ينظرون إلى الفلسفة كإبداع للمفاهيم وليس فقط معرفة المبادئ الأولى.

كما تطرق إلى حدود الفصل والوصل بين الدين والفلسفة، والنزاع بينهما، وموقع تجربة الشيخ عبد الرازق في هذا النزاع، وكيفية استثمار محاولات التوفيق بينهما لتقديم إجابات عن التساؤلات العميقة في الفكر الغربي المعاصر حول علاقة الدين بالفلسفة والعلم والأخلاق. وناقش أيضًا الحركة النقدية للفلسفة المعاصرة وإقرارها بأن العلم صار قوة منتجة لكنه توقف عن البحث عن الحقيقة، وذلك بسبب ظهور «العلمنة» نتيجة للمسألة الدينية.

ومن خلال جهوده لإثبات أصالة الفلسفة الإسلامية ودحض الآراء الاستشراقية المتعصبة، قال «الباحث» إن الشيخ مصطفى عبدالرازق وضّح التناظر والتكامل بين العقل الفلسفي والتفكير الديني في الإسلام، مؤكدًا على المركز الرفيع الذي يحتله العقل في الإسلام، وحاول إثبات ذلك من خلال تحليل علمي لمكانة الرأي والاجتهاد العقلي في الفقه الإسلامي.

وفي سياق محاولته إبراز أصالة الفلسفة الإسلامية، تناول الباحث فكرة الشيخ عبدالرازق إبراز ذلك عبر دوائر ثلاث تمثلت في علم الكلام، التصوف، والفلسفة الخالصة، مؤكدًا على أن الفلسفة الإسلامية الخالصة نشأت قبل تعرف المسلمين على الفلسفة اليونانية، من خلال الاجتهاد والتفكير العقلي في فهم النصوص الدينية والكتاب والسنة.

وتناول الدكتور محمد حلمي عبدالوهاب في ورقته إسهامات الشيخ مصطفى عبدالرازق في مجال التجديد الفلسفي خلال عصر النهضة، محاولًا الإجابة عن تساؤل مستقبل الفلسفة الإسلامية في ظل النمو المتزايد للأسئلة المتعلقة بالدين في الفكر الغربي المعاصر.

واختتم الدكتور محمد حلمي عبدالوهاب ورقته البحثية بالتأكيد على إمكانية إسهام الفكر الإسلامي في المجتمعات ما بعد العلمانية التي تحدث عنها هابرماس، وفي النقد الذي وجهه تشارلز تايلور للعلمانية في كتابه «عصر علماني».

وأشار إلى أن اعتداد العالم العربي بإرثه الفلسفي القديم والحديث وتطلعه للإسهام في المنجز الفلسفي العالمي، مرهون بمعالجة خمسة اختلالات تطال الدرس الفلسفي العربي المعاصر.. وتتمثل هذه الاختلالات في علاقة الفيلسوف بالسلطة، وعلاقته بالنص المقدس، وضعف التكوين الفلسفي في الجامعات العربية، وتضخم الأنا وغياب النزعة النقدية، إضافة إلى آلية الالتحاق بأقسام الفلسفة المعتمدة في معظم الجامعات العربية.. ونتيجة لهذه الاختلالات، أشار «عبدالوهاب» إلى أن الدرس الفلسفي العربي ظل يراوح مكانه دون تقدم، مع تكرار الموضوعات القديمة والإبداع المنضب والفوات التاريخي المتعمق.

ودعا الباحث في ورقته إلى معالجة هذه الاختلالات لتمكين الفكر العربي من الإسهام في المشروع الفلسفي العالمي بشكل فاعل.

فلسفة الجمال والتصوف

وقدمت الأكاديمية والباحثة التونسية الأستاذة الدكتورة ثريا بن مسمية ورقة بعنوان «التصوف وعلاقته بفلسفة الجمال» ناقشت فيها العلاقة الوثيقة بين التصوف كتجربة روحية عميقة وفلسفة الجمال، مستشهدة بآيات قرآنية تدعو إلى التأمل في عوالم الروح والنفس البشرية. وأشارت إلى أن هناك أوقاتًا يحتاج فيها الإنسان للجوء إلى عوالم الروح المفعمة بالنقاء والجمال بعيدًا عن ضجيج المادة وتشكلاتها.

وأوضحت «بن مسمية» أن التصوف يجمع بين علوم الروح وفلسفة الجمال، حيث يغذي النفس البشرية بمعانٍ سامية وجمالية، كما جاء في القرآن الكريم «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا».

واستعرضت الورقة كيف يرى المتصوفة أن الإنسان خليفة الله في الأرض وأن وعيه مرتبط بـ«عالم الذر» استنادًا إلى الآية «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ».

كما تناولت الباحثة في التفصيل «المتصوفة والمعرفة الذوقية» و«علاقة المتصوفة بالجمال» و«أصالة الجمال في الثقافة الإسلامية» و«مراتب الجمال في التصوف» و«مجالات الإبداع الصوفي» و«اللغة الصوفية وعلاقتها بالفلسفة» و«الرمز الصوفي وأبعاده الفلسفية».

وفي ختام ورقتها، أكدت الدكتورة ثريا بن مسمية أن ولع المتصوفة بالجمال يمثل رحلة في أعماق النفس البشرية لتطهيرها والتفاعل الإيجابي مع العالم الخارجي. وقد بذل الصوفية جهودًا كبيرة في الدفاع عن الجمال وإيجاد مسوغات شرعية له تبيح الانتفاع به.

وأضافت «الباحثة» أن المتصوفة سعوا إلى الكتابة عن الجمال تعريفًا وتوصيفًا وتصنيفًا لترغيب الناس فيه وتوضيح أبعاده الفلسفية، كما أنهم اهتموا بالجمال المسموع والمرئي من خط ولون وشكل وحركة، بغية الاستمتاع وتنمية الذوق وإقامة معرفة تجمع بين الرمز والدلالة، مؤكدة أن التصوف يسعى لجمع الجلال والجمال، وحقق عالمية واسعة بانفتاحه على كل الأذواق رغم اختلاف الأجناس واللغات والأديان. وبذلك شكل التصوف مزيجًا بين الجمال والتفلسف.

الفلسفة وأصول الفقه

وشهدت الجلسة الأخيرة للملتقى تقديم الأستاذ الدكتور رضوان السيد لورقته التي حملت عنوان «الفلسفة وأصول الفقه: مقاصد الشريعة نموذجًا» وحاوره فيها الباحث العماني زكريا المحرمي، واستهل الدكتور رضوان السيد كلمته بالإشارة إلى تاريخ ظهور مصطلح «فلسفة التشريع» في الفكر الإسلامي الحديث، مستعرضًا الجدل حول ما إذا كانت أصول الفقه بما فيها مقاصد الشريعة تشكل فلسفة التشريع أم أن مقاصد الشريعة وحدها هي التي تمثل ذلك.

وأضاف: إن الشيخ مصطفى عبدالرازق اعتبر أصول الفقه تفكيرًا فلسفيًا في كتابه «تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية»، لكنه كان معنيًا بفكرة الأصالة وعدم التأثر بالخارج الفكري على حد قوله.

كما تطرق السيد إلى محاولات محمد عابد الجابري لإبراز أصالة التيار البرهاني الرشدي باعتباره المؤسس لفكر النهضة الأوروبية، وجهود مدرسة الشيخ عبدالرازق في إدخال أصول الفقه إلى مجال الفلسفة من باب الأصالة.

وانتقل بعد ذلك إلى مناقشة محاولات الفقهاء المعاصرين في توظيف مقولة «مقاصد الشريعة» بشكل أوسع، كالطاهر بن عاشور وخير الدين التونسي، لافتًا إلى كيف سعى الأخير إلى جعل مفهوم المقاصد مظلة فلسفية للشريعة تفتح الباب للجديد والحداثة.

وتطرق الدكتور رضوان السيد في الجزء الثاني من ورقته إلى البعد الأخلاقي وعلاقته بأصول الفقه والفقه، مشيرًا إلى أنه رغم كون العقل غريزة إنسانية كما ذهب إلى ذلك المحاسبي وتبعه فيه الفقهاء والمتكلمون، إلا أن البعد الأخلاقي لم يكن بارزًا في علم أصول الفقه خلال تطوره في القرنين الثالث والرابع الهجريين.

وأرجع «السيد» ذلك إلى التجريد القوي في أصول الفقه وسيطرة المنطق على القضايا الفقهية، فضلاً عن الإصرار على الانفصال عن علم الكلام، مشيرًا إلى أن فكرة المصالح المرسلة عند المالكية والاستحسان عند الحنفية كانت بابًا مفتوحًا على اعتبار الأخلاق. وأضاف: إن الفقهاء انهمكوا طويلًا في نقض الاستحسان وفي تحديد مفاهيم المصالح وحدودها، خشية أن يؤثر التوسع في اعتبارها على مصادر الاستنباط المرتبطة بالنص القرآني والسنة النبوية.

ولفت «السيد» إلى أن المعاني القيمية الكبرى للدين اقتصر التأمل فيها على أعمال مفسري القرآن الكريم وظهرت في التفسير الإشاري عند الصوفية، مشيرًا إلى أن الفقيه الشافعي الماوردي مثلاً لا تظهر الأبعاد الأخلاقية في مؤلفاته الفقهية بنفس القدر الذي تظهر فيه في تفسيره وكتابه «أدب الدنيا والدين».

وأشار «السيد» في ورقته إلى أن أول من ذكر الضروريات الخمس (حفظ النفس، الدين، العقل، العرض/النسل، المال) بشكل موجز هو الإمام الجويني في كتابه «البرهان في أصول الفقه»، متبوعًا بتلميذه الغزالي في «المستصفى». كما تناول دور علماء آخرين مثل فخر الدين الرازي وعزالدين ابن عبد السلام وشهاب الدين القرافي وأبي إسحاق الشاطبي في تطوير مفهوم المقاصد، وأوضح أن الشاطبي كان أول من جعل من المقاصد نظرية في كتابه «الموافقات في أصول الشريعة»، حيث اعتبرها من الكليات اليقينية وأصولًا من أصول الدين، وليست جزءًا من مصادر التشريع.

وختامًا، تطرق الأستاذ الدكتور رضوان السيد في ورقته إلى تطور استخدام مفهوم المقاصد في الأزمنة الحديثة، من الاستعادة إلى التأويل. وأشار إلى أن دخول المقاصد والضروريات في علم أصول الفقه تأخر حتى القرن الخامس الهجري، بعد أن كانت معتبرة لدى مفسري القرآن فقط. ويرجع السبب في ذلك إلى سيطرة المنطق وفكرة الكليات التي أدت لاعتبار المقاصد من الأصول لدى فقهاء الشافعية. وانتقد الباحث رضوان السيد تحول المقاصد إلى تشريعات يجب اعتناقها باسم تطبيق الشريعة، رافضًا الخلط بين الفلسفة والتشريع. واختتم بالتأكيد على أن المقاصد فلسفة ورؤية للعالم الإنساني، وليست جزءًا من أصول الفقه، بل العكس هو الصحيح، مشيرًا إلى ضرورة علم أصول جديد يلبي احتياجات العصر.

تجدر الإشارة إلى أن الملتقى المتخصص في الفلسفة الإسلامية سعى إلى استكشاف آخر المداولات والتطورات في المجال الفلسفي في الساحة المعرفية الإسلامية، وإلى استكشاف الممكنات والآفاق الجديدة ومناقشة المناطق المعرفية المبتكرة، وكشف الجوانب الفلسفية والمجاورة لها في هذا السياق المحدد، كما يهدف الملتقى أيضا إلى تسليط الضوء على الجهود البارزة التي يبذلها المفكرون والعلماء المهتمون بالدراسات الفلسفية، وإنشاء فرص للحوار الثقافي والمعرفي بين جميع المهتمين بالدراسات الدينية والفلسفية. يعد هذا الملتقى بمثابة بيئة حافلة بالمعرفة والتفاعلات الثقافية التي تعزز التعاون وتبادل الأفكار في هذا العلم المهم.