ثقافة

مجاميع شعر المديح السياسي في عُمان.. وجهود الأديب عبدالله بن أحمد الحارثي في إعدادها.

27 يوليو 2021
كتابات عُمانية مُبكرة بأقلام عربية "34"
27 يوليو 2021

*****

سلامٌ.. ليس يشبههُ سلامُ

إلى مَلِكٍ يظلّله الغمامُ

وننثره كماءِ المُزن حتى

تفيضُ به الحنايا والعظامُ

سلامٌ نصفُه وردٌ وعطرٌ

ونصفٌ لا يحيط به الظلامُ

لسلطانِ المُلوك.. سليلُ عرشٍ

وريث أئمةٍ بالعدلِ قاموا

(مسعود الحمداني)

في إطار الكتابات العُمانية المبكرة وذكرى 23 يوليو المجيدة لا أجد أكثر تمثيلا لهذه المناسبة الوطنية من مجاميع الأديب الشاعر أبي اليقظان عبد الله بن أحمد الحارثي "صدق المشاعر في رسالة الشاعر" و"القلائد الأدبية" و"الوسام الأدبي".. فهذه المجاميعُ تجسّد ما قاله الشعراءُ في نهضة عُمان في عهد المغفور له السلطان قابوس -طيب الله ثراه- (1970 -2020) وبدايات عهد السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه -، وقد بذل الجامع في إعدادها أقصى جهوده فقام بمتابعة وتقصي هذه القصائد المتناثرة من مضانها ولولاه لضاع الكثير منها، أو قل تشتتْ وطالته عربات الزمان بالتلاشي والنسيان، فهذه المجاميع حفظت هذا الإنتاج الشعري العُماني ووضعته في مؤلفاتٍ وكتب يمكن الرجوع إليها لدراسة غرض المديح السياسي أو الاستئناس بجودتها في المحافل الوطنية.

والأستاذُ عبد الله الحارثي مثقفٌ مشارك في ثقافتنا العُمانية المعاصرة، وكاتبٌ يملكُ زمام الكتابة، ونظم الكلم، وقد وجدنا له مقالات كثيرة ومساهمات في مجلة "الغدير" الثقافية التي صدرت في نادي المضيرب عام 1977م وكان أحد محرريها الأوائل، وله تجربةٌ في نظم الشعر الكلاسيكي وقصائده تكفي -لو جمعها- لدواوين عدة، كما أنه ناشطٌ ثقافي متحقق، أسسَ "دار الخليل لصقل موهبة الشعر والكتابة" في أواسط تسعينيات القرن العشرين، ودوره الثقافي غيرُ خافٍ على عين، فهو من الرعيل الأول من كتّاب الصحافة العُمانية وحضور منابر الثقافة... وفعاليات الوسط الثقافي العُماني وهو أصيل مدينة المضيرب العريقة بشرقية عُمان.

وقد تبلورت جهوده في جمع وتصنيف ما دوّن من قصائد المديح السياسي في حقبة السلطان قابوس -طيب الله ثراه- أو ما قيل فيه بدءًا من مولده وحتى وفاته وأواخر سنوات حكمه مدفوعاً بواجب وطني وشغفٍ أدبي وتوق إلى التميّز وتأصيل الإنتاج الشعري وخدمته، وقد حقق بغيته ونال مراده ووضع ما حصل عليه في دفتي مجاميع ثلاثة ينتظر رابعها دوره في الصدور.

تُحققُ هذه المجاميعُ – كما قلنا - خطاب المديح السياسي بامتياز وهو غرضٌ أثيريٌّ محببٌ، نظمَ فيه أغلبُ الشعراء العرب والعُمانيين انطلاقاً من كونه غرضا مهما من أغراض العلاقات الإنسانية التي تربط المادح بالممدوح، وقد عقدنا له فصلا مستقلا في كتابنا "الشعر العُماني في القرن العشرين" قلنا فيه إنه:" يستأثر بنسبة كبيرة، فهو أغزر أغراض الشعر وأضخمها بعد الشعر التعليمي، وقد يعادل كثرة ما قيل في الغزل والرثاء معا، وإن إحصاء بسيطا له يظهر ارتفاع عدد القصائد التي قيلت فيه، فقد وصلت إلى 1878 قصيدة، تشـكّل نسبة قدرها 12.9% من المجموع العام للأغراض الشعرية".

في هذا الإطار يقدّم أبو اليقظان مجاميعه أو كما يسمّيها تجوزاً "دواوينه الوطنية" في مجلداتٍ صدر أولها عام 1990 م بعنوان "صدق المشاعر في رسالة الشاعر"، بينما صدر أوسطها "القلائد الأدبية" بمناسبة العيد الوطني الأربعين عام 2010م، وصدر ثالثها "الوسام الأدبي" سنة 2020 وهي اليوم تمثل أسفارا لا غنى عنها في توثيق مرحلة فارقة من مراحل التاريخ الأدبي العُماني لها ما لها من خصائص وسمات، وفيما يلي عرض لهذه المجاميع في قراءة أفقية استعراضية مقارنة على النحو الآتي:

أولا: "صدق المشاعر في رسالة الشاعر" مجموع مبكر صدر عن المطابع العالمية سنة 1990م، ويتكون من جزأين صدر الأول في (238) صفحة، حوت قرابة ثمانين قصيدة، وتفاوتت بين القصائد المكتملة والأناشيد والمقطوعات، بينما بقي الجزء الآخر مرقونا، مفقودا وتقدّر قصائده– كما أخبرني مؤلفه - من عشر ومائتي قصيدة، تترتب مواضيعه في عشرة أبواب، يحتوي كل باب على إحدى وعشرين قصيدة. ومما يلفت الانتباه أن أغلب قصائده نشرت في الصحافة المحلية منذ عام 1970، وحتى تاريخ صدور الكتاب. أمّا كتابها فأغلبهم ينتمون إلى أجيال مدونتنا الثلاثة الأول والأوسط والجديد.

ويستقي الجامع مادته- بجانب الصحافة المحلية- من الدفاتر ومنشورات صغيرة نوردها لاحقا فيّقدم لنا منها ثلاث قصائد نظمت في ميلاد السلطان قابوس، وهي لأبي الصـوفي، وللقاضي عيسى بن صالح الطيواني، ونجله هاشم. والأخيران من قضاة السلطان سعيد في الفترة المتأخرة. ولعل هذه القصائد الثلاث تكتسب أهمية على الصعيد التاريخي؛ لأنها من أقدم القصائد في هذا المجموع.

ثانيا: "تحية لمسقط" وهو مجموع صدر عام 2006 م بمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة، وحوي 111 قصيدة لـ 111 شاعراً عربيًّا من بينهم نزار قباني وسليمان العيسى ومحمد هاشم رشيد وغيرهم، حيّوا مسقط وأشادوا بنهضتها في غرر من القصائد المفعمة بالمديح السياسي والوصف.

ثالثاً: "القلائد الأدبية في عقود النهضة العمانية" مجموعٌ صدر عام 2011 م في 256 صفحة يبدأه بقصيدة له عنوانها "تحية ووفاء" ثم تتواصل القصائد في أربع قلائد تضم الأولى أربعين قصيدة من الشعر الفصيح، ومثلها في القلادة الثانية من الشعر الشعبي، أمّا القلادة الثالثة فتضمُّ قرابة خمسة عشر نصًّا من شعر التفعيلة والنثر، والقلادة الرابعة تنوّعت فيها القصائد وتتفاوت بين أجيال وأنماط عدة، وأغلب قصائد هذا المجموع من الجيل الجديد، وقد شدّني فيما قرأت منها مما ورد في قصيدة محمد بن عبد الله الخليلي: رمز الهداة:

بينَ يومٍ مضى وآخر آتِ

نقفُ اليومَ نقرأُ الآياتِ

أمةٌ أفردَ الزمانُ كتاباً

لبطولاتها بخير اللغاتِ

قرأتها الإباء، أو أقرأتها

فهي كالنور في خضم الحياةِ

أينما تسرحُ العيون تُلاقي

طيب آثاره بكل الجهاتِ

قد بناه السلطان صرحا مكينا

مثلا يحتذى لكلِّ البناةِ

رابعاً: الوسام الأدبي وفاء لعهد السلطان قابوس الذهبي: وهو مجموع فاخر ثمين، يتكون من جزأين، وبلغت قصائد الأولُ مائتين قصيدة ومنظومة ونشيداً غنائياّ وأهزوجة وطنية، بينما اختصّ الثاني بالمراثي التي قيلت في وفاة السلطان قابوس، وهي ما تداركه الجامع قبيل إصدار المجموع، فقدم فيه روائع القصائد لشعراء مهمين أدمت مناسبة الفقد قلوبهم على نحو ما نجد في قصائد محمد بن عبدالله الخليلي، ومحمد قرطاس، ومسعود الحمداني، وهلال الحجري، وسالم الكلباني، وبدر الشيباني وغيرهم، ومن قصيدة محمد قرطاس نقتطف ما يلي:

بكتكَ بلاد قطَّع الحزنُ صدرَها

بأضلعها سيفُ يسلُّ ويعضدُ

بكاكَ شيوخ كنت ضوء عيونهم

فمذ فارقت رؤياك بالدمع ترمدُ

بكاكَ صغارُ كيف بالله صبهم

إذا قام طابور الصباح وأنشدوا

بكاكَ رجالُ كنتَ أنتَ لواءهم

إذا أقسموا بالله صدقا وأشهدوا

ومن الملاحظ أن الجامع يدّون في هذا المجموع على نحو سابقه ما يتراءى له دون وجود محددات نقدية وشروط فنية، فالغاية التوثيق والتدوين وهي مُسَلّمةٌ مهمة ولكنها لا تعطي التبرير بأن كلّ ما ورده ودونه هو الشعر. ويبدو أن الجامع لا يستند إلى منهج دقيق يحكم تصنيف نصوصه، مما يوقعه في اضطراب منهج أحيانًا، فيخلط في التصنيف الفصيح بالشعبي، كما يستسلم لجانب الكمية على حساب النوعية والجودة فما كلّ منظوم يستحق أن يُقال له شعر، وإن كان موضوعه ساميّا نبيلا.

هذا وقد بلغت صفحات المجموع كاملة أكثر من 511 صفحة، وجاء محتواه في سبعة أبواب تنتظم فيها القصائد بعدد خمس وخمسين قصيدة في كلّ باب.

اختصَّ الأول بالشعر الفصيح، واتصل الثاني بالشعر الشعبي، وجاء الثالث بقصائد الشاعرات في النمطين معاً، وتعلق الرابع بقصائد بعض الشعراء العرب وما نظموه في مناسبة الفقد، كما ضمّ في إحصائية الرقمية الواردة في غلافه: (55) شاعراً من كلّ ولايات السلطنة، و(22) شاعراً من أقطار عربية وبلغت محصلة قصائده الشعبية 400 قصيدة وهي أرقام كبيرة كابد في جمعها مشقة كبيرة وأخرجها بإتقان.

ينطلق أبو اليقظان في مجاميعه الثلاثة عن قناعة وطنية واستحقاق أدبي، فالنهضة الحديثة كما تتبّدّى للجميع بلا مواربة ودون شك" فتحتْ البلاد على معطيات الحضارة المعاصرة، وجعلت الشاعر العُماني يتفاعل معها بروح المستبشر الحالم، كما أنها ارتقت بمستوى الإنسان وفتحت عيناه على أبواب العلم، فرعت معارفه، ونشرت التراث، وشجّعت المواهب الأدبية. وقد آن الأوان أن يدون تراثها وحياة قائدها قيلت فيه من كافة الجوانب.

والجامع فيما قدّم لا يخرج عن مثل هذا الغاية التي تؤكدها القناعة الشخصية والعمل الحكومي في مؤسسة البلاط بأن مجاميعه وخاصة الوسام: "يضمُّ قصائد تذوّب المُهج وتتوارد عبرها الذكريات، وإن إبداعها يشكل ضربا من البلاغة والبيان وقوة من السبك والبنيان؛ لأن معينها عُمان وقطبها السلطان.

وفيما يتعلق بدوافع أغلب الشعراء الذين قدمتهم مجاميع أبي اليقظان وأسباب مديحهم السياسي، فقد اختلفت الرؤية باختلاف طبيعة كلِّ شاعر، فكان الدافع عند بعضهم المحبة والألفة والولاء، بينما كان الدافع عند الآخرين طلب المنفعة والاستجداء. وأيّا كانت هذه الدوافع فقد تضافرت عوامل كثيرة دفعاً للظهور: منها الصحافة ومؤسسات الإعلام، والمؤسسات الثقافية.

ويعدّ المغفور له السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه-(1970-2020) أكثر من حظي بالمدح السياسي مقارنة بمن سبقه من سلاطين، فقد بلغت جملة القصائد التي جمعناها في مدحه قرابة 608 قصائد تمثـّـل نسبة قدرها 37% من مجموع قصائد المديح.

ومجاميع أبي اليقظان تاريخيًّا ليست -في الحقيقة- بدعا في الثقافة العُمانية فقد سبقتها إرهاصات طفيفة مقتضبة خطت منهج الجمع والتوثيق، ولكن دون منهج، ودون تقص مطلق فأصحابها يجمعون ما يجدونه فقط وفق معطيات المرحلة، وقد انطلقت جهودهم أرجاء الديار العُمانية والمهاجر طولا وعرضا، وعُرفت بالمجاميع الشعرية ومنتقيات الأشعار، وفيها منتخبات الأخبار على نحو ما أوضحنا ذلك في دراستنا للمصادر الشعر العُماني في القرن العشرين غير أن مجاميع أبي اليقظان جاءت كاملة كافية أنيقة الطباعة، وقد استفاد منها واتخذها مصادر ومراجع له على نحو ما نجد في استفادته من بعض الشعراء الذين خصصوا سلفا دواوين كاملة في هذا الغرض، ويمكن الإشارة إلى ذلك على سبيل التمثيل لا الحصر- عبر خمسة عشر ديواناً كلّها في مديح السلطان قابوس ونهضته، ومن بينها "بهجة النفوس في مدح السلطان قابوس"، لعلي بن جبر الجبري، و"أوراق من شجرة المجد" لمحمود الخصيبي، و"العرفان في إنجازات سلطان عُمان" ليعقوب بن سيف بن حمد الأغبري، و"قابوس في القلب" لصالح الفهدي، و"مرآة الزمان في حياة قابوس وعُمان" لمحمد بن علي الشرياني، و"نفحاتُ الأزهار في نظم الأشعار" لخليفة بن سيف البادي، و"شذراتُ العقيان في مديح جلالة السلطان" لناصر بن منصور الفارسي، و"النثر والقوافي من القلب الصافي" لسعيد بن علي بن ماجد الحارثي، و"عالٍ مقامك". لذياب بن صخر العامري.

كما يمكن أن يكون قد استفاد أبي اليقظان في مجاميعه -حسبما نظن - من بعض المجاميع التي أصدرتها بعض الهيئات والمؤسسات الرسمية ونذكر منها على سبيل المثال ستة مجاميع اختصت كلها بتوثيق شعر المرحلة، وأغلبها قصائد مناسبات وطنية ونتاج مسابقات ثقافية، وهي:

المجموع الأول: مختارات من الشعر العُماني، صدر عن وزارة الإعلام والثقافة (سابقا) عن المطابع العالمية، سنة 1977م، ويحتوي على القصائد الخمس الفائزة في المسابقة الشعرية الأولى لعام 1976. إضافة إلى قصائد أخرى لكلّ من: أبي سرور، والقاضي أبي عبيدة البلوشي، وناصر بن سالم المعولي، وموسى بن عيسى البكري، وعبد الله السدراني، وسالم بن سليمان البهلاني، ومالك بن إبراهيم الكندي، ومحمد بن علي الشرياني، ومحمد بن سيف الأغبري، وعبد المجيد الأنصاري، ويعقوب بن عبدالله الهاشمي، ومحمد بن عبدالله البوسعيدي.

المجموع الثاني: مجموع مختارات من الشعر العُماني، صدر عن وزارة الإعلام والثقافة (سابقا) وطبع في المطابع العالمية في أوائل السبعينيات، ويتضمن القصائد العشر الفائزة في المسابقة الشعرية الثانية. وهي قصيدة "عُمان الإباء" لسالم الكلباني، وقصيدة "عرش المعالي" لسعيد بن خلف الخروصي، وقصيدة "دهر المكارم" لخالد بن مهنا البطاشي، وقصيدة" "نزوى" لأحمد بن عبدالله الحارثي، وقصيدة "حياة عمان" لمحمـــــــــد بن راشد الخصيبي، وقصيدة "ذوب الهوى" لهلال بن سالم السيابي، وقصيدة "غاية القصد" لناصر بن سالم الرواحي، وقصيدة "غرة في جبين الدهر" لموسى بن سالم الرواحي، وقصيدة "سعدت عمان" و"نفحة الطيب" لناصر بن سالم المعولي، وقصيدة "متن الكمال" للربيع بن المُر، وقصيدة "عُمان الفخر "لهاشم بن عيسى الطائي"، وقصيدة " نغمة الشادي" لناصر بن محمد الهاشمي، وقصيدة "المجد الأشم" لعبدالله بن محمد الشكيلي، وقصيدة "من بلادي" لمحمود الخصيبي.

المجموع الثالث: "باقة من الشعر العُماني" صدر عن وزارة التراث القومي والثقافة ضمن سلسلة تراثنا، العدد 25، 1981. ويحتوي على القصائد الخمس الفائزة في المسابقة الشعرية لعام 1981 إضافة إلى قصائد أخرى شاركت في المسابقة ذاتها وهي قصيدة "ملك من الأزد" للشيخ هاشم بن عيسى الطائي، و"عُمان النصر" لمحمد بن عبدالله القاسمي و"والله أكبر يا عُمان" لموسى بن علي العبري، وقصيدة "ذروة العلياء" لسيف بن أحمد السيفي، و"عيد الجلوس" ليعقوب بن سيف الأغبري.

المجموع الرابع: "إشراقات من الشعر العُماني" صدر عن وزارة التراث القومي والثقافة، سلسلة تراثنا الإصدار الرابع عشر، ط2، 1988، ويتضمن القصائد الفائزة في المسابقة الشعرية لعام 1980م، وهي عشر قصائد: "عرش الجلال" لسالم بن على الكلباني و"النهضة الكبرى" لعبد الله بن على السدراني، و"عش موطنى" لخالد بن مهنا البطاشي، و"لك الخير يا قابوس" لبدر بن سالم العبري، و"عُمان ابشري" لأحمد بن سيف بن ناصر السيفي، و"نهضتْ عُمان على القوائم" لسعيد بن عبدالله بن غابش، و"نهر الوفاء" لناصر بن سالم المعولي.

المجموع الخامس: "من قصائد عام التراث العماني" لمرشد الخصيبي، ويحتوي على ست وعشرين قصيدة ومقطوعة. وقد اختارها لشعراء بعضهم ينتمون إلى المدونة الرئيسة في دراستنا من مثل: عبد الله الخليلي، ومحمد بن عبد الله المخلدي، ومهنا بن خلفان الخروصي، ومالك بن سيف الكندي، وماجد الصّباري، وبعضهم الآخر لشعراء مقلين من مثل: سعيد بن محمد الحراصي، وغصن بن هلال الجعفرى، وحمد بن سالم الأغبري، وهلال بن سعيد الشيذاني، وعبد الله بن سيف الرحبي، وحسام الحارثي.

المجموع السادس- مجموع "ثلاثين قصيدة في حب عُمان "، مطبوع سنة 1999 في المطابع العالمية، وهو لعلي بن عمر بن سالم الحداد، وقد اختار فيه ثلاثين قصيدة لثلاثين شاعرا ينتمون إلى الجيلين الأوسط والجديد من مدونتنا، نصفهم تقريبا هم من الشعراء الشعبيين الذين لا يمتون بصلة إلى مدونتنا وبعض القصائد الفصيحة هي لشعراء مقلـّين وواعدين أمثال: ذكريات الخابوري ويوسف الوهيبي.

إن المجاميع الشعرية التي قدّمتْ غرضَ المديح السياسي للسلطان قابوس ونهضة عمان تتضافر معها جهود أبي اليقظان وتتعاضد في توثيق شعر وكلها تنصبُّ في قالب ونمط واحد، ونحن لا نقول: إنه تأثر بها، وإنما اعتمدها نصوصاً ووسّعها وأضاف إليها الكثير والكثير، وهي لا تخرج عن معاني المدح التقليدية التي تأتي في مقدمتها وصف الممدوح بالكرم والشجاعة والنبل والشهامة، وبأنه المنقذ والباني ومعقد الآمال، وصاحب الطول، وإليه تشد الرحال".

أمّا على صعيد الإضافة، قد عزز أبو اليقظان مجاميعه بتقديم قصائد المرحلة وجديد الشعر وخاصة شعري التفعيلة والنثر الذين أوقف بعض تجاربهما على قصائد المديح، كما عزز مختاراته بالإخراج والأناقة الفنية والإتقان المتناسب مع طبيعتها السلطانية!

ولمَّا كانت قصائده الواردة في "صدق المشاعر" و"القلائد الأدبية" و"الوسام الذهبي" تتعلق بالسلطان قابوس وكيفية إدارته للبلاد والعباد، ومعالجة مختلف الأزمات التي تطرأ، فإن موضوعات المديح فيها جاء بمثابة السِّجلِ الحافظ والوثيقة الباقية لهذه السياسة الحكيمة التي عاشتها عُمان دهراً في عصره الميمون المبارك.

ومن سمات قصائد مجاميع أبي اليقظان " القلائد الأدبية و"صدق المشاعر" و" الوسام الذهبي" أنها جاءت متوافقة وطبيعة المدح في القصيدة العربية، فبمثل ما مدح به القدماء ملوكهم وخلفاءهم مدح الشعراء العُمانيون سلطانهم، وكانت معاني مدحهم تدور حول صفات عراقة النسب، والجود، والكرم، والتقوى، والإخلاص، والمروءة، والشجاعة وقوة البأس، ومع ذلك فإن مثل هذه الصفات بما تحمله من تقليد، تتضمن تجديداً " صار بموجبه المديح عند هؤلاء الشعراء مزيجا من الاعتزاز بالكرامة والقيام بالواجب، والفخر بالمنجز، فجاء مدح السلطان قابوس في معرض الاستعطاف والاستشفاع لا الاستجداء وطلب المال فحسب، وإنما قصد به إظهار للعزة التي تستوجبها سجايا الجود والفضل، وبسطة العيش، وحسن السريرة، والكياسة، والحلم، والهيبة، والإقدام، وبما قدّمه لعُمان من منجزات.. كما تظهر قصائدهم في المناسبات الرسمية مثل الأعياد الوطنية، ومناسبات أيام النهضة، حيث يسرف الشعراء في تعداد المناقب، وإظهار المزايا، كما يجد الشعر أيضا في ذلك مناسبة لتناول التاريخ منذ المؤسس أحمد بن سعيد (1744 – 1783) وحتى الباني قابوس بن سعيد (1970 -.2020).

إن مجملَ قصائد مجاميع أبي اليقظان احتفت بالمرجعية التاريخية والحضارية لعُمان الوطن الخالد، فلا نكاد نلمح شعراً إلا وفيه لمحة عن صفة الخلود المرتبطة بعراقة الوطن، وأنه سليلُ حضارة متجذرة امتدت إلى شرق أفريقيا والخليج العربي، وإن لم يكن الممدوح لذاته، فهو سليل مجاهدين فاتحين بناة حضارة ومجد، وعلى ذلك فالجهاد اكتسب أهمية في المديح السياسي، حتى صار معنى ثابتاً قاراً تدور حوله بقية الأغراض.

فنيًّا ارتبط المديح السياسي في بعض قصائد مجاميع أبي اليقظان بالغزل، فيما سُمِّي "بالتشبيب" أو "غزل المقدمات" فقصيدة المديح أيٍ كانت تبدأ بالغزل وليس لذلك من سبب مباشر يمكن أن نعلل به هذه الظاهرة غير ما أقرَّه النقد الأدبي "بأن الغزل أميل إلى القلوب وأطرب للنفوس". على نحو ما يقول ابن قتيبة في "الشعر والشعراء، ص75. وندلل على ذلك بقصيدة الشاعر سيف الرمضاني " منَّا لك العهدُ " التي تجلّى فيها الوجد الرومانسي في أبهى حلله فيقول:

إليكِ تعتمرُ الغدرانُ والشجَرُ

ومنكِ تنبثقُ الآياتُ والسورُ

ودونكِ المجدُ بيضاءٌ صحائفُه

ما لم ينلْ منكِ ما قد نالهُ القمرُ

عذراءُ لم يطلِ العُشاقُ هيئتها

وصفاً، ولا فتنتها السحْبُ والمَطَرُ

حسناءُ أسطورةُ التاريخ قصتهُ

ورفدهُ بالمعالي يومَ يفتخرُ

مولاي، والسعدُ تحدونا بشائرُهُ

يُمناً، وتكتبنا في سِفْرها الغُرَرُ

بهذه السمات يتبينُ لنا أن أبا اليقظان كان محكوما في مجاميعه بقوانين فن المدح التي تفصح عنها ثنائية علاقة السائس بالمسوس، والحاكم بالمحكوم، ولذا حرص على أن تمثل قصائده أحاسيس الشعراء وموافقهم، وهو بذلك لا يمايز بين شعراء عُمان ونظرائهم شعراء البلاط الذي عرفوا في مدونة الشعر العربي قديما وحديثا استوى ذلك في دمج الشعراء الشعبيين معهم وتلك معضلة تحتاج إلى مناقشة وفرز.

أخيراً يظل جهد أبي اليقظان جهدا كبيراً وعملا جليلا، فالجمع والتصنيف ليس بهين؛ لأنه مرهونٌ بكشف المصادر وملاحقتها من كلِّ حدب وصوب ناهيك عن تدقيق الشعر وتشكيله ووضعه في نصابه العروضي مع التعريف بقائله وسياقه التاريخي.. إنه حالة متعبة تخطّاها أبو اليقظان بعينِ الجامع الحذق وفكر الأديب الدقيق، وجلد الناقد وصبر المحرر تعضده في ذلك خبرته العلمية وتكوينه الأدبي وحراكه الثقافي المعروف.