متحف ظفار ... إضافة ثقافية وسياحية للموروث الإنساني العماني
افتُتِح مساء أمس في ولاية صلالة متحف ظفار بهدف تسليط الضوء على غنى الإرث الثقافي والتاريخي للمحافظة، وأقيم حفل الافتتاح برعاية صاحب السمو السيد مروان بن تركي آل سعيد، محافظ ظفار، ويُعد المتحف إضافة نوعية للمشهد الثقافي في سلطنة عمان، ووسيلة فاعلة لحفظ التراث الوطني وتوثيقه، لاسيّما أن محافظة ظفار تتمتع بتاريخ عريق يمتد لآلاف السنين، بدءًا من حضارة اللبان الشهيرة، ومرورًا بالمراحل المختلفة من التاريخ العربي والإسلامي، كما يسهم المتحف في حماية وتوثيق القطع الأثرية والمخطوطات النادرة التي تُجسّد هوية المنطقة، وتُبرز مكانتها التاريخية والحضارية، ليكون بذلك منبرًا معرفيًا يعزز من الوعي المجتمعي ويمد جسور التواصل بين الماضي والحاضر.
وفي كلمته خلال حفل الافتتاح، قال محمد عبدالمحسن السيل الغساني، مؤسس متحف ظفار: بعنوان "قصة إرث وأثر" نشهد افتتاح متحف ظفار، هذا الصرح الذي يعكس إيمانًا عميقًا بقيمة بناء الإنسان والمجتمع. لقد كان هذا المشروع حلمًا قديمًا وهدفًا أصيلاً؛ لم يكن مجرد حجر أساس، بل رسالة وعيٍ وعملٍ مستمر، أردنا من خلاله أن نقول إن الماضي الحيّ قادر على أن يصنع الحاضر والمستقبل، وإن التراث الحضاري يكمن أثره الحقيقي في وعي الإنسان وتشكيل شخصيته.
وأضاف "الغساني" أن فكرة المتحف لم تكن وليدة لحظة أو رغبة عابرة، بل تعود جذورها إلى خمسينيات القرن الماضي، حين بدأت هواية جمع المقتنيات تنمو معه تدريجيًا، حتى تحوّلت إلى مشروع مؤسسي متكامل فمنذ انطلاقتها الأولى، مرّت فكرة المتحف برحلة تأسيس طويلة ودقيقة امتدت لأكثر من اثني عشر عامًا، واجهنا خلالها العديد من التحديات، لكننا تغلبنا عليها بفضل روح الفريق التي كانت دومًا حاضرة، تشدّ بعضها بعضًا.. ولقد بدأنا من التصور والرؤية، مرورًا بتشكيل فريق عمل متكامل يضم لجنة رئيسية، ولجنة تنفيذية، وفريقًا فنيًا متخصصًا، حيث عملنا بمنهجية ذاتية، وابتكرنا أساليب تنظيمية وإبداعية، وشمل العمل إعداد دراسات تفصيلية وخطط تنفيذية وجداول مالية، إلى جانب تصميم مترابط يعكس المعاني والرموز العُمانية بكل فخر.
وأشار محمد عبدالمحسن السيل الغساني إلى أن المتحف يمتد على مساحة 1000 متر مربع، وقد تم تقسيم مكوناته إلى 14 قسمًا و4 بيئات مختلفة تحاكي وتحكي القصص والذكريات المرتبطة بتاريخ محافظة ظفار وتراثها العريق. كما تم أرشفة أكثر من 800 مقتنى باستخدام استمارات منظمة تمر بمراحل دقيقة من التصنيف، والترقيم، والتكويد، تشرف عليها عدة لجان، وصولًا إلى المراجعة والاعتماد.
وأوضح أن المشروع تطلّب أكثر من 480 اجتماعًا وزيارة ميدانية ساهمت جميعها في تحويل الحلم إلى واقع ملموس، مضيفًا: "حرصنا على أن نوفر للزائر كل الوسائل التي تسهّل عليه التمتع بالمحتوى واكتشاف تفاصيل المادة العلمية، حيث تم تصميم المسار المتحفي ليُقدَّم بأربع لغات: العربية، الإنجليزية، الفرنسية، والألمانية."
وفي إطار دعم الحرف الوطنية وتعزيز التكامل المؤسسي، استعان المتحف بـأيدٍ عمانية متخصصة في الحرف التقليدية، كما تم تخصيص محلات خارجية لدعم الشباب العُماني وتوفير فرص ريادية لهم.
وأكد "الغساني" أن رؤية المتحف لا تقتصر على التوثيق أو العرض فحسب، بل تمتد إلى التثقيف وخدمة الباحثين وطلبة المدارس والجامعات، إضافة إلى تعزيز السياحة التراثية والثقافية في سلطنة عُمان، وفي محافظة ظفار على وجه الخصوص، لإحياء تباشير هذا الإرث العريق شامخةً وعزيزة.. كما عبّر عن امتنانه للدعم الذي حظي به المشروع، موجهًا الشكر للجهات الحكومية والخاصة وكل من ساهم في إنجاح هذا العمل الوطني... مشيرا إلى أن المتحف ليس مجرد مبنى مادي، بل يحمل أبعادًا إنسانية وثقافية وسياحية، حيث يشكّل نقطة جذب للسياح المحليين والدوليين، خاصة خلال موسم خريف ظفار، ويُعدّ منصة تعليمية للطلاب والباحثين للاطلاع على تاريخ المنطقة وثقافتها، كما يعزز الوعي الثقافي بين الأجيال الجديدة بأهمية الحفاظ على التراث والتاريخ.
وختم قائلاً إن للمتحف دورًا مهمًا في ترسيخ الهوية الوطنية من خلال إبراز الإنجازات التاريخية والثقافية لشعب ظفار، وتعزيز شعور الفخر والانتماء لدى المجتمع المحلي.
وفي سياق تعزيز التعاون الثقافي، أوضح الغساني أن المتحف يفتح المجال لإقامة شراكات مع متاحف ومؤسسات ثقافية أخرى على المستويين المحلي والدولي، مما يسهم في تبادل المعارف والخبرات وتوسيع آفاق العمل المشترك. كما يمكن أن يشكّل المتحف مركزًا لإقامة الفعاليات الثقافية والمعارض الفنية التي تسلط الضوء على الفنون التقليدية والمعاصرة في ظفار، وتتيح للجمهور التفاعل مع مكونات الهوية الثقافية للمنطقة.
وأضاف أن المتحف يخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة للسكان المحليين في مجالات متعددة تشمل إدارة المتحف، الإرشاد السياحي، والحرف اليدوية، بالإضافة إلى تعزيز مكانة المنتجات المحلية، كـاللبان الظفاري، عبر تسليط الضوء على دوره التاريخي في حركة التجارة العالمية. وختم بالقول: "إن افتتاح متحف ظفار ليس مجرد مشروع ثقافي، بل هو استثمار واعٍ في تاريخ المنطقة ومستقبلها، يسهم في حفظ الماضي، وتعزيز الحاضر، وصياغة مستقبلٍ أفضل للأجيال القادمة."
