مازن الزدجالي: المسرح منارة ورسالة إنسانية تتجاوز الحدود
"حتى لا ينسى العالم فلسطين، ففي كل مرة سأعتلي منصة أو أصعد على خشبة سأذكرها وأخصص لها الكثير من الحب والاهتمام، فنحن لسنا من نترك الصاحب خلفنا... إما أن نعيش معا أو نموت معا."
كلمات صرح بها الفنان المسرحي مازن الزدجالي، فبرغم حداثة سنه إلا أنه حقق حضورا مميزا من خلال مشاركاته في المسرحيات، وإسهاماته في الإخراج والتأليف، إلى جانب إنتاج محتوى بصري عبر المنصات الرقمية.
يقدم مازن الزدجالي نفسه في صفحات التواصل الاجتماعي عبر جملة تلخص شخصيته "تتيم الأصدقاء، وحذاقة على المسرح، ودماثة التناظر، وهوادة التقديم بألوانه، وليونة التسويق... هذه نزعة العيش لدي". كاشفا عن وعيه بامتلاك مجموعة من المهارات المتنوعة التي يوظفها في عمله المسرحي والإعلامي. ومن خلال هوايته قام بتحويل المسرح إلى مساحة للتعبير والتأثير المجتمعي، وساهم في إثراء التجارب المسرحية من خلال مشاركاته مع الفرق المسرحية المحلية، ومهرجانات مسرحية على المستويين الوطني والدولي، كما أثبت حضوره برسالة الفن عبر منصات التواصل الاجتماعي.
شارك الزدجالي في عدد من الأعمال المسرحية من بينها: مسرحية "الصفعة"، ومسرحية الأطفال "العم كعك والكعكة سمارا"، ومسرحية "الدوبي"، التي حصد فيها جائزة أفضل ممثل دور أول في مهرجان دبي لمسرح الشباب عن دوره في شخصية "عوض"، إلى جانب مشاركات أخرى في مسرحيات متنوعة. ولم يقتصر عمله على التمثيل، بل امتد إلى مجالات التأليف والإخراج، ففي مسرحية "الأول من تشرين الأول" تولى دور مساعد المخرج، وكان أيضا مؤلفا للنص. وشارك في مهرجان المسرح العماني الثامن مع فرقة مسرح لبان، حيث نالت مسرحية "الأهلية" جائزة أفضل سينوغرافيا.
ومن أبرز محطاته الفنية إخراج وتمثيل مسرحية "غسيل ممنوع من النشر"، التي حققت نجاحا لافتا على مستوى المهرجانات. فقد حصل العرض على ست جوائز، من بينها جائزة لجنة التحكيم الخاصة في الإخراج، فضلا عن خمس جوائز إضافية، من بينها أفضل عرض متكامل (ثاني)، لتصل الجوائز التي حققها العرض إحدى عشرة جائزة في مهرجانين مختلفين، وأنتج مازن الزدجالي عددا من المقاطع المرئية التي ينشرها عبر حساباته، مقدما محتوى يجمع بين الجانب الترفيهي والتوعوي، كبرنامج "خفوا عليهن"، وهو من فكرته وبطولته، وسلسلة وثائقية ضمن برنامج "24"، يصطحب المشاهدين في رحلة عبر حياة الناس والمدن والثقافات.
-متى شعرت بأنك ستشكل ثنائيا مع خشبة المسرح؟
كان ذلك في الصف الخامس، حينما وقفت لأول مرة على خشبة المسرح الأهلي، في عرض "زنجا زنجا" الذي جاء ضمن البرنامج الصيفي. هناك، اكتشفت أنني وجدت مكاني الحقيقي وطاقتي الكامنة، فشعرت برغبة عارمة في المضي قدما في هذا الطريق الذي منحني إحساس الانتماء والاكتمال.
-ما هو تأثير حياتك الاجتماعية واتجاهاتك على أدوارك في المسرح؟
أنا إنسان قبل أن أكون فنانا، والفن في جوهره انعكاس للصفات الإنسانية ورسائلها. نشأت في بيئة تزخر بالفنانين الذين تركوا في نفسي أثرا بالغا، فاقتبست من تجربتهم، واقتديت بخطاهم، وسرت على دروبهم.
-شاركت في مسرحيات للأطفال والكبار، أي التجارب تركت فيك الأثر الأكبر ولماذا؟
لكل مسرح مذاقه الخاص؛ ففي مسرح الطفل تكفيك ابتسامة صغيرة لتشعر أنك انتقلت إلى عالم آخر، أما مسرح الكبار فهو مساحة رحبة لعرض طاقتك وفنك ولياقتك، وكل تجربة مسرحية لها مكانتها المميزة في قلبي.
-حصدت جائزة أفضل ممثل دور أول عن شخصية عوض في مسرحية "الدوبي"، ما الذي ميز هذه الشخصية وأدائها؟
عوض كان صديق المخرج على الخشبة وخارجها، وقد قادني المخرج المبدع عبد الله الحمادي، بإشراف الأب الروحي محمد صالح، للغوص في أعماق الشخصية. ظروف العرض نفسها صقلتني ومنحتني قوة مضاعفة، وكان شريك الخشبة الفنان عبد الله اليعربي داعما سخيا، هيأ لي المساحة والإمكانات التي أوصلتني إلى التتويج.
-في مسرحية "الأول من تشرين الأول" كنت مساعد مخرج ومؤلف النص، كيف كان الجمع بين الدورين؟
مهما تعددت الأدوار، يسهل الجمع بينها إذا كان في ظهرك سند بحجم "فرقة مسرح الشرق" وقدوتك الفنية عمير بن أنور. الفرقة منحتني الثقة لأكتب النص، وعمير لم يبخل بلحظة واحدة في دعمي وتعليمي وتمكيني مسرحيا. والفريق الرائع سهل علي المهمة حتى باتت ممتعة.
-حدثنا عن تعاونك مع فرقة مسرح لبان، وكيف ترى العمل ضمن فرقة متكاملة؟
اختارني خالي الحبيب، المخرج أحمد بن يوسف الزدجالي، للعمل معه، وتحت إخراجه تعلمت أصول الاحتراف المسرحي، وبناء الشخصية، وفنون الأداء. في تلك المرحلة كان أبا وأخا ومخرجا وصديقا، وكان جمال التجربة بأكمله في وجوده.
-في عرض "غسيل ممنوع من النشر" كنت المخرج والممثل معا، وفزتم بإحدى عشرة جائزة، ما أبرز التحديات؟
التحديات كانت كثيرة، خاصة أنني كنت أستعد أيضا لمهرجان أيام الشارقة المسرحية، لكن كلية البريمي الجامعية، بدءا من الشيخ أحمد بن ناصر وابنه ناصر، وعميد الكلية، والأستاذ موسى، وقسم شؤون الطلبة والأنشطة، لم يقصروا أبدا، بل مهدوا لي الطريق كأنه مفروش بالورد. أما الفضل الأكبر فيعود للفريق الذهبي الذي رافقني، فقد فعلوا كل ما بوسعهم لتسهيل عملي، وأحبهم من أعماقي.
-قدمتم هذا العمل أربع مرات في محافل مختلفة، كيف حافظ على جاذبيته؟
كنا نجدد ونضيف في كل عرض، فنسخ المهرجانات كانت مميزة بطريقتها، ونسخ الجمهور كانت مختلفة بما يناسبه. كنا نضحك ونبكي ونتأثر في كل مرة، ولذا ظل العمل حيا في قلوبنا.
-ما الذي يميز إخراجك المسرحي وأي مدرسة تميل إليها؟
مدرستي هي مسرح الشرق، ومعلمي عمير هو مرجعي الأول، ومع ذلك فإنني أختار الأسلوب الذي يناسب معطيات العمل نفسه. كما يقول خالي أحمد بن يوسف: "لست مضطرا لاتباع مدرسة أحد، فأنا أحمد يوسف وهذه مدرستي".
-كيف تختار أفكار مقاطعك على السوشيال ميديا مثل "خفوا عليهن"؟
أستلهمها مما أراه وأصادفه في المجتمع. أحيانا أشعر أن هناك رسائل لا تحتمل الانتظار حتى نؤلف عرضا مسرحيا، فألجأ إلى المحتوى الرقمي لأني أحب أن أكون حاضرا وفاعلا.
-هناك سلسلة وثائقية أخرى قدمتها كمقاطع مرئية ضمن برنامج 24، ما الذي جذبك لهذا النوع من المحتوى؟
كان المشروع برعاية كلية البريمي الجامعية، وبدعم كريم منها، وبقيادة الفنان مبارك الدرعي، وبمشاركة إخوتي خميس الغافري، وسلطان الحوسني، وراشد البريكي، وطوفان قطن. هذا النوع من المحتوى قريب جدا منا، فهو يمنحنا فرصة للعيش بين الناس ونقل مشاعرهم ببساطة وصدق.
-كيف ترى العلاقة بين المسرح والمحتوى الرقمي؟
العلاقة وثيقة، والفن هو الرابط الجامع بينهما، شريطة سلامة المحتوى، والابتعاد عن التجاوز أو خدش الحياء.
-قلت عن فلسطين أنك ستذكرها في كل مرة تعتلي فيها خشبة المسرح، كيف تترجم ذلك؟
رغم اعتراض بعض المسرحيين واتهامي بإقحام فلسطين في سياقات لا تخصها، فإن الفن الذي أقدمه يصدر عن إنسان اسمه مازن، ومازن يعشق فلسطين. لذلك، ما دمت صاحب القرار على الخشبة، فسأذكرها وأرفع علمها في كل فرصة.
-ما حدود ودور المسرح في خدمة القضايا الإنسانية؟
المسرح منارة، وحدوده في خدمة القضايا الإنسانية بلا نهاية.
-كيف توازن بين الفن كرسالة والفن كمتعة؟
الرسالة إذا لم تقدم بأسلوب ممتع ومبتكر، فإنها لن تصل إلى الجمهور بالشكل الذي يليق بها.
-أي جائزة لها وقع خاص في قلبك؟
كل جائزة حققها الفريق تفرحني، لأن كل فرد فيه بذل جهدا وضحى، وخصوصا أخي خالد العلوي الذي كان سندي منذ بداية الفكرة حتى لحظة تحية الجمهور.
-كيف تصف الحراك المسرحي العماني، وما الذي ينقصه للحضور العربي؟
لدينا حضور وجهود وفنانين، وينقصنا فقط تكثيف الأعمال والاجتهاد. وزارة الثقافة والرياضة والشباب تدعم، والحاجة اليوم أن نتحرك بإخلاص، ونترك الحسد والقيل والقال، ونفكر في تطوير أنفسنا قبل الانشغال بالآخرين، لأن المسرح رسالة وفن، لا مجرد أحاديث عابرة.
-ما رسالتك للجيل الشاب من المسرحيين؟
لا ينقصنا شيء لنصل إلى ما وصل إليه غيرنا. نعم، الطريق صعب، لكننا أهل له. فلنتكاتف ونعمل بروح واحدة، وسنصل بإذن الله.
-ما مشاريعك القادمة؟
إن شاء الله، التجربة المقبلة ستكون مع فرقة مسرح العين الإماراتية، من أجل المشاركة في مهرجان دبي لمسرح الشباب، حيث سأخوض التجربة كمخرج.
