No Image
ثقافة

مؤتمر ملتقى القصة بالكويت ينتصر للأدب القصير

12 مارس 2024
12 مارس 2024

- بروين حبيب: غياب المجلات الثقافية قلَّص مساحة تحرك القصة

- منتصر القفاش: البعض يعتبر القصة مجرد تهيئة لعضلات الكاتب

- أنيس الرافعي: القاص مهندس يبدأ البناء من السقف ولا يحتاج لجدران

قدم المشاركون في المؤتمر الأول للقصة القصيرة بالكويت، الذي اختتم أعماله منذ ساعات، مجموعة من الأوراق البحثية المهمة، تتأمل أحوال ذلك الفن، وحجم وجوده أمام "الرواية" وهي المنافس الدائم والكبير، وماذا تحتاج حتى تكتسب تقديراً أكبر على مستوى الانتشار والتوزيع.

الناقدة البحرينية الدكتورة بروين حبيب قدمت ورقة بعنوان "القصة القصيرة وقضايا النشر"، أكدت فيها أن أغلب الروائيين الكبار هم كذلك كتاب قصة قصيرة، سواء تعلق الأمر بالعرب أو بالأجانب، فنجيب محفوظ الأديب العربي الوحيد الحاصل على جائزة نوبل كتب خمس عشرة مجموعةً قصصية، أي ما يعادل ثلث إبداعه الأدبي. بل إن آخر ما كتبه «أحلام فترة النقاهة» يدخل ضمن الفن القصصي. ولواسيني الأعرج الروائي الجزائري ست مجموعات قصصية، ويصح الأمر عكْسًا أيضًا فحتى الذين أخلصوا للقصة القصيرة كتبوا الرواية ويكفي أن نذكر أن ليوسف إدريس ست روايات. وعدد الروايات التي كتبها طالب الرفاعي تعادل عدد مجموعاته القصصية.

وتساءلت: "لماذا طغت الرواية إذن على باقي الفنون الأدبية وعلى القصة القصيرة تحديداً؟". وأجابت على نفسها: "قد يخالفني كثيرون الرأي ولكني مقتنعة أن مملكة القصة هي المجلات الأدبية والملاحق الثقافية في الجرائد. وهذا تقليد عُرف منذ عهد الآباء الثلاثة المؤسسين للقصة القصيرة وصانعي مجدها: الأمريكي إدغار ألان بو، والفرنسي غي دي موباسان، والروسي أنطوان تشيخوف. فأغلب نتاج القصة القصيرة سواء عند العرب أو عند الغرب كان يُنشر في الصحف والمجلات ثم يُجمع بعد ذلك في مجموعات قصصية. وغياب المجلات الثقافية وانطفاؤها واحدةً بعد الأخرى قلَّص المساحة التي تتحرك فيها القصة القصيرة، ودفعها لمحاولة افتكاك حصة من مجال شغلتْه الرواية وهو النشر في كتاب، لأن الرواية لكبر حجمها تجد مجالها الطبيعي في كتاب لا في مجلة أو جريدة".

وبحسب بروين حبيب هناك عامل أساسي في تسيُّد الرواية على المشهد الثقافي وتحولها إلى الابنة المدللة للناشرين وهو طفرة الجوائز المرصودة لها منذ بداية الألفية الثالثة. فلو طلبنا من أي مهتم بالأدب أن يعدد لنا أول ما يخطر بباله من جوائز مخصصة للنثر لذكر جائزة الشيخ زايد وجائزة كاتارا وجائزة البوكر العربية، فالمبالغ المرصودة لها تسيل لعاب الكتَّاب والناشرين على السواء، بل شاعت بدعة في السنوات الأخيرة وهي أن يضيف الناشر في عقده مادةً تسمح له باقتطاع نسبة مئوية معتبرة من جائزة مخصصة للكاتب حصرًا وإلا لن ينشر الكتاب. فأصبح الناشر التاجر يضرب عصفورين بحجر: زيادة نسبة مبيعاته إن اشتهرت الرواية أو فازت بجائزة، ونصيبه المفروض من الجائزة نفسها. في حين أن جوائز القصة القصيرة تعيش في الظل رغم المصداقية العالية التي اكتسبها بعضها وجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية دليل على ذلك.

وأكدت أن للرواية أيضاً إمكانات لا تمتلكها القصة تغري الناشرين بتفضيلها، منها إمكانية تحويلها إلى فيلم مع ما يعنيه ذلك من انتشار إضافي وزيادة مبيعات ترفع الرصيد أيضاً، وهو ما أغرى بعض كتَّاب القصة القصيرة المميزين بنفخ قصتهم لتصبح في حجم ما اصطلح على تسميته نوفيلا حتى تدخل ضمن الرواية ويسمح لها بالتنافس للحصول على جائزة.

غياب الإحصاءات

وبدأ الكاتب المصري منتصر القفاش ورقته "عن القصة القصيرة والنشر" بالإشارة إلى عنوان تحقيق صحفي قرأه على أحد المواقع وهو "مستقبل القصة القصيرة. نقاد: مازالت جاذبة، ودور النشر: ليس لها جمهور". وعلق: "عنوان قاطع حاسم وإن أغفل الإشارة إلى كتَّاب القصة المشاركين في التحقيق ممن يشاركون النقاد رأيهم. عنوان يوجز حالة القصة القصيرة الآن، فريق يرى أنها بخير، وفريق الناشرين يرى أنها غير رائجة في السوق، وتفوقها الرواية في التوزيع. يتردد هذا الكلام من دون وجود إحصاءات دقيقة تعكس مدى ما يتم توزيعه من كل أنواع الكتابة". وتساءل: "في حالة كهذه لماذا يصرُّ الأدباء على كتابة القصة القصيرة غير المُرحَّب بها من دور النشر؟" وقال: "الإجابات الشائعة ترى أن كتابة القصة لا تحتاج إلى وقت طويل مثل الرواية، وأنها الأنسب والأفضل لمن يبدأ طريق الكتابة وخير تمرين له قبل السباحة في بحر الرواية العميق. لكن مثل هذه الإجابات تبخس القصة القصيرة قيمتها وتجعلها في كل الأحوال أدنى من الرواية ومجرد "تسخين" أو تهيئة لعضلات الكاتب قبل شروعه في خوض السباق الحقيقي ألا وهو الرواية".

القصة، بحسب القفاش، ضرورة تتطلبها تجربة تلحُّ على الكاتب، وتوجد في التكثيف وإلا ضاع توهجها أو فقدت سحرها. كلمات عابرة. نظرة خاطفة. مشهد يلحُّ في الظهور، ويمتلك في ذاته عالماً ثراؤه في كثافته، وفي قدرته على أن يحقق حضوره في حيِّزٍ قصير. وما دامت هذه الضرورة موجودة فستظل القصة تُكتَب وستظل تفاجئُنا بإمكانياتها، وقدرتها على أن تثري حياتنا.

ويعترف بأنه قد يكون هناك بالفعل صراع داخل الكاتب بين القصة والرواية لكن تحسمه تلك الضرورة التي يتطلبها النص، وتتكشف من خلال كتابته، لأن الصراع لو حسمته متطلبات السوق فإن الكاتب يصير "تحت الطلب"، وتصير أعماله مثل المأكولات سريعة التحضير، منتشرة لكن فائدتها تكاد تكون منعدمة.

ويحكي: "سألني أحد الناشرين بحسن نية، وراجياً الخير لكل كتَّاب القصة: لماذا لا يحول القصاصون مجموعاتهم القصصية التي تتصف بأنها متتالية قصصية أو كتاب قصصي إلى رواية مع سهولة هذا إن أرادوا؟ وواضح أن سؤاله يعني أن الكتاب القصصي يوشك أن يكون رواية لولا تقاعس أو تكاسل القصاصين، وبقدر استطاعتي حاولت أن أوضح له أن الكتاب القصصي تغيرت طريقة التفكير في بنائه، فلم يعد مجرد مجموعة تضم ما تيسر من قصص فقط، بل صار هناك الكتاب القصصي أو المتتاليات القصصية، تصل بين قصصه صلات عديدة وفي الوقت نفسه تظل كل قصة قائمة بذاتها. وهذا الشكل نابع من طبيعة التجربة التي يكتبها الأديب، ويتيح التكثيف والامتداد في زوايا متعددة، كما يتيح حرية التنقل بين الأزمنة والأمكنة دون أن تحدها متطلبات من خارجها".

وبحسب القفاش بدأ عدد من دور النشر الخاصة تهتم بالقصة لكن الرواية ما زالت المُرحَّب بها أكثر بغضِّ النظر عن قيمتها الفنية، لذلك كانت السلاسل الأدبية التي تصدر من مؤسسات حكومية هي الملاذ لكتَّاب القصة، خاصة الشباب غير القادرين على المساهمة مالياً في طباعة مجموعاتهم بدار نشر خاصة.

هندسة القصص

وفي ورقة بعنوان "القصة القصيرة وتحولات الجنس القصصي" أشار الكاتب المغربي أنيس الرافعي إلى انتقال القصاصين الواعي، من محطة المجموعة القصصية إلى مفهوم الكتاب القصصي الجامع، فتم بذلك توحيد الموضوعات الكتابية، ووضع التنضيد المسبق للهندسات الشكلية والبنائية للمحكيات، على أساس تقنيات وأفكار وتأملات منذورة جميعها، للمحو والتهذيب وإعادة النظر، ومفتوحة، بلا إبطاء، على رياح التعديل والتنقيح والهدم. وبموجب هذه العدة ارتد القاص مهندساً، بيد أنه لا يشبه غالبية المهندسين النظاميين، لأنه يبدأ البناء من السقف، ولا يحتاج إلى جدران. يفترض الأسس، ثم يتخيل الأبعاد، مثلما يحلو له".

وقال: "عكف الأدباء على أن تشتغل حركة السرد في المتوالية القصصية بشكل انسيابي، على أساس أن تكبر كالموسيقى، وفق دينامية مرنة. فالحركة الأولى تغدو هي الثانية، والثانية هي الثالثة، دون لحظات فاصلة أو مساحات بياض شاغرة. فكل حكاية تموت من أجل حياة الحكاية الموالية. تسلم الروح فداء للحكاية القادمة. وضمن هذا النسق الهارموني المرتبط بالهوية الأجناسية للقصة، في اختلافها الجذري عن الرواية، استوعب القصاصون أهمية عدم البحث عن الشكل الأمثل داخل متاهة المتوالية، وإنما عن الصمت القابع في جوفها. الصمت بين نوتات القصص. الصمت المتحول، في آن معاً، إلى مفتاح وقفل للمعاني. الصمت الذي يمكِّنهم من سماع إيقاعات المتوالية وأغنياتها الباطنية".

وكانت جائزة الملتقى قد أعلنت قبل بدء المؤتمر، الأربعاء 6 مارس، قرار أعضاء لجنة تحكيمها برئاسة الكاتبة السورية الأردنية شهلا العجيلي بمنحها للقاص المصري سمير الفيل عن مجموعته "دُمى حزينة".