No Image
ثقافة

«مؤتمر صور الدولي: البعد التاريخي والحضاري» يفتتح أعماله بمشاركة نخبة من الباحثين والخبراء

07 ديسمبر 2025
07 ديسمبر 2025

صور- سعاد بنت فايز العلوية -

بدأت بولاية صور أعمال مؤتمر ولاية صور الدولي (البعد التاريخي والحضاري) برعاية سعادة الدكتور هلال بن علي الحبسي والي صور رئيس اللجنة المنظمة، وبحضور عدد من المكرمين وأصحاب السعادة أعضاء مجلس عمان، وأصحاب السعادة الوكلاء من خارج سلطنة عمان المشاركين في المؤتمر، والباحثين والخبراء من داخل سلطنة عمان وخارجها.

المؤتمر تقام أعماله خلال الفترة من ٧ إلى ١٠ ديسمبر الجاري بدعم من الشركة العمانية الهندية للسماد، وجامعة الشرقية، وبمشاركة عدد من الجهات الحكومية والأكاديمية، ويهدف إلى إبراز الدور التاريخي والحضاري لولاية صور، وتعميق البحث في مساراتها البحرية والثقافية، وتعزيز حضورها العلمي ضمن خارطة الدراسات التاريخية في المنطقة.

وقد استهل المؤتمر في يومه الأول بحفل افتتاح تضمن كلمة ترحيبية ألقاها سعادة الدكتور هلال بن علي الحبسي- رئيس اللجنة الرئيسية المنظمة- رحب فيها بالباحثين والمشاركين مؤكدا أهمية المؤتمر ودوره في قراءة التاريخ البحري والحضاري لصور وإبرازه ضمن سياق أكاديمي موثوق. وأشار سعادته إلى أن هذا المؤتمر أتى ليطرح رؤية علميّة متقدّمة تستند إلى منهجيّات بحثيّة رصينة؛ حيث يجمع بين الطرح التّاريخيّ والتّحليل الحضاريّ، ويعتمد على أدوات البحث الأكاديميّ لتوثيق مساهمات ولاية صور في مجالات الملاحة، وصناعة السّفن، والعلاقات الدّوليّة، والتفاعل التّجاريّ والثّقافيّ، ودورها في تشكيل أحد أبرز مراكز التّواصل الحضاريّ في المحيط الهنديّ.

وأضاف: تشير الوثائق التّاريخيّة والرّوايات الشّفهيّة إلى أنّ الموانئ العمانيّة -وميناء صور على وجه الخصوص- كانت محطّات رئيسيّة على طريق اللّبان والبخور، وأنّ أبناء صور كانوا من روّاد البحار الذين حملوا العلم والمعرفة والثّقافة إلى الشّعوب الأخرى. وإنّ دراسة هذا الإرث تعدّ ضرورة ملحّة لا لفهم الماضي فقط، بل لفهم كيف أسهمت هذه المدينة في صياغة الشّخصيّة العمانيّة عبر العصور.

وألقى الأستاذ الدكتور إبراهيم البيضاني -رئيس الاتحاد الدولي للمؤرخين- كلمة أشار فيها إلى أن المؤتمر جعل التاريخ منصة للحوار للحديث عن صور من باب الإنصاف التاريخي؛ حيث إن موقع ولاية صور شكل محطة بحرية رئيسية، وهي جزء من شبكة بحرية عالمية. وأضاف: إن العلاقات التكوينية الشاملة ساهمت في تشكيل الهوية، وصياغة الدور الحضاري لعمان في مشهد التاريخ الإنساني.

فيما قدم الأستاذ الدكتور أحمد الزيلعي الأمين العام لجمعية جمعية الآثار والتاريخ بدول مجلس التعاون كلمة الجمعية أشار فيها إلى أن التاريخ هو مقياس نشاط الأمم ومقدار نهضتها ومبلغ رقيها وحضارتها.

أوراق العمل

وقد حظي المؤتمر بمشاركة عدد من الباحثين والخبراء البارزين على المستوى الدولي يثرون المؤتمر بمجموعة متميزة من الأوراق البحثية والجلسات الحوارية والمداخلات المتخصصة التي تضفي عليه طابعا علميا رصينا، وتعزز من موثوقيته كمحفل معرفي دولي. جاء محور الجلسة الأولى لليوم الأول بعنوان: ولاية صور عبر التاريخ الجذور والأحداث المفصلية، وقد أدار الجلسة الدكتور سعيد الغيلاني؛ حيث كانت أبرز ورقة عمل حول التنمية السياحية في ولاية صور وأثرها في المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية قدمها هيثم بن محمد الغساني مدير عام الترويج السياحي بوزارة التراث والسياحة قال فيها: إن نموذج التنمية السياحية في ولاية صور يعد نموذجا وطنيا لكيفية توظيف التاريخ في خدمة المستقبل. وأضاف: يعد مشروع متحف التاريخ البحري دليلا على توجه وزارة التراث والسياحة وسعيها لإيجاد الممكنات وأدوات التي تمكن الولاية من توظيف تاريخها البحري في تعزيز المقومات السياحية وفق «رؤية عمان 2040». وسيتم تصميمه بدعم من شركات وطنية وبخبرات عالمية في بناء المتاحف المتخصصة.

فيما قدمت ورقة عمل حول العلاقات العمانية البحرينية ومسارها التاريخي قدمها الدكتور عبدالله آل خليفة -الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية والقانون العام- سلط فيها الضوء على الدور البحري البارز الذي اضطلعت به عُمان في حقبة اليعاربة بين عامي 1624 و1744م حين استطاعت بفضل قوتها البحرية فرض نفوذها على مياه الخليج العربي، وتمديد حضورها إلى سواحل المحيط الهندي وشرق إفريقيا.

وأوضح أن القوة البحرية العُمانية خلال تلك الفترة تمكنت من منافسة القوى الأجنبية والمحلية، وفي مقدمتها البرتغاليون والفرس الأمر الذي منحها قدرة واسعة على تأكيد سيادتها على الممرات الاستراتيجية، لتصبح البحرين محور ذلك التنافس في ذروة الفعل اليعربي حين خضعت لحكمهم المباشر بين عامي 1717 و1719م.

وأشار الدكتور إلى أن هذه المرحلة التاريخية تمثل نموذجًا لتنامي القوة السياسية المصاحبة للقوة البحرية مؤكدًا أهمية هذا الإرث في فهم طبيعة التوازنات والتحولات الاستراتيجية في منطقة الخليج العربي.

كما قدم حمود الغيلاني ورقة عمل عن تاريخ صناعة السفن في ولاية صور ذكر فيها أن صناعة السفن في ولاية صور تمثل إحدى أعرق الحِرَف في تاريخ عُمان البحري مشيرًا إلى أن جذور هذه الصناعة تعود إلى آلاف السنين عندما شيدت «ماجان» أول سفينة ذات ألواح عام 4500 قبل الميلاد. وأوضح الغيلاني أن دراسته تسلط الضوء على تطور صناعة السفن في صور عبر المراحل التاريخية المختلفة، والسنن التي نظمت العلاقة بين الصانع ومالك السفينة إضافة إلى استعراض أنواع السفن وخصائصها واستخداماتها.

وقدم الأستاذ الدكتور قصي التركي - أستاذ مشارك في جامعة حائل وباحث في الآثار -ورقة عمل عن السفن (الماجانية) في الكتابات المسمارية أشار فيها إلى أن «الشواهد المادية والنصوص المسمارية تؤكد أن ظهور السفن شكّل تحولًا جوهريًا في طبيعة العلاقات التجارية لحضارة (ماجان) مع الحضارات المجاورة. وأضاف أن هذا التطور أسهم في تنشيط الحركة التجارية وانفتاح سكان (ماجان) على ثقافات قريبة وبعيدة»، وأوضح التركي أن «أقدم تسمية للسفينة وردت في كتابات المرحلة الصورية بمقطع «ما2» في اللغة السومرية، وهو المقطع ذاته الذي يدخل في اسم (ماجان) ما يرجّح معرفة سكان الحضارة وخاصة في السواحل الجنوبية الشرقية لعُمان وفي مدينة صور تحديدًا بصناعة السفن منذ فترات مبكرة». وقُدمت ورقة عمل حول الاكتشافات الأثرية ونتائج الدراسات الأثرية في ولاية صور قدمتها المتحدثة سامية سليم الشقصي- رئيسة قسم الآثار والمتاحف بإدارة التراث والسياحة في الظاهرة- أشارت فيها إلى «إن نتائج الدراسات والتنقيبات الأثرية في ولاية صور كشفت عن وجود استيطان بشري قديم يعود لحقب مبكرة مؤكدة أن محافظة جنوب الشرقية شكّلت في الماضي أحد أهم المراكز الحضارية بحكم موقعها الجغرافي. وأضافت أن ما عُثر عليه من مدافن ومستوطنات وأبراج يمثل دليلًا واضحًا على عمق التاريخ الإنساني في المنطقة، ويبرز دورها الاقتصادي والاجتماعي وعلاقاتها التجارية مع الحضارات المجاورة في تلك الفترة.

وقدمت ورقة عمل حول عوامل ازدهار النشاط التجاري بين ممالك الخليج العربي وبلاد الرافدين للدكتور عبدالعزيز الصويلح -دكتور في التاريخ والآثار- جاء فيها أن الاكتشافات الأثرية التي شهدتها منطقة الخليج العربي منذ منتصف القرن الماضي كشفت بوضوح عن عمق الصلات الحضارية والتجارية بين دلمون وماجان، وارتباطهما الوثيق بمدن بلاد الرافدين شمالًا وصولًا إلى حضارة وادي السِّند «ميلوخا». وأوضح أن الأدلة المادية والكتابات المسمارية أكدت الدور المحوري لماجان الواقعة في منطقة عُمان في حركة التجارة البحرية منذ بدايات الألف الثالث قبل الميلاد؛ حيث شكّلت مهدًا للملاحة في الخليج ورافدًا أساسيًا لمسارات التجارة الممتدة نحو الهند.

وجاءت الورقة الأخيرة للدكتور عايد عتيق جريد المتخصص في التاريخ المعاصر عن رجال العلم في ولاية صور ودورهم الثقافي (الشيخ سعيد الصوري نموذجًا) أشار فيها إلى أن «ولاية صور نموذج مضيء لدور رجال العلم في النهوض بالحركة التعليمية والثقافية في عُمان، فقد شكّلوا عبر جهودهم جسورًا متينة للتواصل المعرفي مع العالم الإسلامي. ويبرز من بينهم سعيد بن مبارك الغيلاني الذي تبنّى رؤية واعية تقوم على أن التعليم هو الأساس المتين لبناء المجتمع. فقد أسس عددًا من المشاريع التعليمية والثقافية، منها المدرسة الدينية الصورية، وأسهم في التدريس داخل الوطن وخارجه وصولًا إلى الحرم النبوي الشريف. كما أثرت مؤلفاته المتنوعة في الفقه واللغة والرياضيات في إثراء الحركة العلمية، وأسهمت في إعداد جيلٍ قادر على خدمة مجتمعه. إن استحضار هذه النماذج المشرقة هو تأكيد على قيمة العلم ودوره في تشكيل حاضر الأمة ومستقبلها».

الفعاليات المصاحبة

وفي إطار الفعاليات المصاحبة قدم الشاعر الدكتور جليل خزعل بمشاركة عشرة شعراء عمانيين حلقة تدريبية في كتابة الشعر الفصيح للأطفال خلال الفترة من 7 إلى 9 ديسمبر بتنظيم من محافظة جنوب الشرقية، وبالتعاون مع وزارة الثقافة والرياضة والشباب ضمن برنامج خطوة على أن تختتم الحلقة بإصدار مجموعة شعرية تجسد جماليات صور وعمان في قصائد موجهة للأطفال.

كما احتضن المؤتمر ركن الأسر المنتجة والحرفيين في مركز فتح الخير بمشاركة خمسة عشر أسرة منتجة وخمسة حرفيين؛ حيث يستمر الركن على مدى أيام المؤتمر الأربعة مقدما منتجات محلية وأكلات صورية ومسابقات تراثية تفاعلية إلى جانب عروض الفنون الشعبية التي تضفي بعدا ثقافيا يثري تجربة الزوار.

كما اشتمل اليوم الأول برنامجا ميدانيا للمشاركين القادمين من خارج سلطنة عمان تم خلاله زيارة منارة العيجة والمركز العلمي برأس الحد فيما تتواصل الزيارات خلال الأيام التالية لتشمل مواقع أثرية وتاريخية في قلهات وطيوي ووادي شاب وصولا إلى رحلة بحرية تختتم بها أعمال المؤتمر.