ثقافة

لعنة أم نعمة؟ قراءة سريعة في غزارة الكتابة

03 سبتمبر 2025
03 سبتمبر 2025

يواصل الكاتب الفلسطيني الشهير محمود شقير لعنة أو نعمة الكتابة، آخر كتبه صدرت قبل أسبوع تقريبا، ( في بعض تجليات السيرة الفلسطينية) بقطع كبير و340 صفحة، عن دار الشامل للنشر والتوزيع. لا يتوقف أستاذنا الكبير شقير عن الكتابة، أتخيله ينهض في فجر قريته الذي كبر شكرا لله على تلتها عمر بن الخطاب حين دخل القدس، يمشي إلى مكتبه، ويبدأ الحفر الإبداعي في أجناس أدبية وفكرية متنوعة، هل هو( الأسلوب المتأخر) النظرية التي ابتكرها الراحل المفكر الفلسطيني أدوار سعيد،؟ ويفصل فيها أفكاره حول لجوء الكاتب في سنه المتقدم إلى نصوص وكتابات لها سمات خاصة، مثل اللاطمأنينة واللاكتمال والتوتر مع النهاية وانفتاحها وكأنه في سباق مع الوقت، هل يطرد أبو خالد هواجس الشيخوخة بالفن القصصي والروايات؟ هل يمكن للأدب أن يضعنا أندادا وأصحاب خيارات أمام أسئلة الوقت؟ أليست الكتابة أصلا، في بنيتها التخييلية مضادة للوقت؟

هل هناك أسباب أخرى غير الوقت والشيخوخة ما يدفع الكاتب الفلسطيني إلى كتب كثيرة لا تفصل بينها سوى أشهر؟

القاص والمناضل المقدسي الثمانيني الذي يعيش في جبل المكبر قضاء القدس، والذي أثرت قصصه القصيرة على كثير من القاصين الفلسطينيين والعرب، أصدر في الأشهر الأخيرة: حفيدة من هناك، والمشهد الروائي الفلسطيني، وخريف آخر ومنزل الذكريات، وهامش أخير. يقول الكاتب الذي يضرب به المثل في الأوساط الأدبية الفلسطينية والعربية في النزاهة والرقي الأخلاقي عن الكتاب الذي بين أيدينا ( في بعض تجليات السيرة الفلسطينية)،:( في هذا الكتاب ما يعزز حضور السيرة في حياة الناس، وما يحفز الكتاب والكاتبات المثقفين والمثقفات على تدوين سيرهم وفيه وقفة مع بعض الكتب التي تحدثت ولو بشكل جزئي عن مدينة القدس وفيه سرد لعلاقتي مع رموز ثقافية ووطنية وسياسية ، كانت لها أدوار مرموقة في الحياة وثمة انتباه إلى الرسائل التي تتقاطع على نحو أو آخر مع فن السيرة وما يشتمل عليه هذا الفن من بوح إنساني، ويتابع القاص المبدع: بالطبع لا ادعي أني غطيت في هذا الكتاب ما انتجه الفلسطينيون من سير ذاتية وغيرية، هناك كتب عن المكان وفيها جانب من حياة أصحابها علاوة على مذكرات سيرية كتبها مناضلون سياسيون ومواد أخرى لها علاقة بالسيرة بقيت خارج الكتاب من دون قصد طبعا، وهذا يعني أننا بحاجة إلى مزيد من الكتابة عن السيرة بكل تجلياتها في الثقافة الفلسطينية المعاصرة).

لماذا هذه الغزارة المفاجئة في الكتابة الفلسطينية،؟ على مختلف أنواعها،؟ ممثلة بكاتب كبير طبقت شهرته الآفاق، بالتأكيد لا يحتاج هذا العملاق السردي إلى تأكيد موهبته أو الانتشار، فهذه الأمور محسومة له من زمن، لماذا إذن هذه الغزارة؟ نعود للسؤال ونفكر طويلا، هل لهذه الغزارة خصوصية فلسطينية، غير مسألة الزمن؟؟ هل إحساس الكاتب الفلسطيني بتسرب الزمن الفلسطيني وليس الشخصي فقط من بين يديه، له صلة بهذا الاندفاع نحو الكتابة كمحاولة نجاه أو نسيان أو هرب؟ أو مقاومة؟ هل للموت الكثير المترامي الأطراف في الحياة الفلسطينية علاقة بهذه الكتب المتعاقبة لنفس الكاتب؟

هل عجز الكاتب الفلسطيني عن التأثير على الوضع العام، خاصة في ظرف حرب الإبادة المستمرة على غزة وفشله في الإجابة عن عديد من الأسئلة يعد سببا لذلك؟ فيحاول المرة تلو المرة عبر كتب متنوعة، قصص وروايات وسيرة وسير غيرية وفكر أو قراءات نقدية، أن ينجح في هز شيء ما؟.

في الكتاب الجديد نشر شقير عديدا من الحوارات معه ومن قراءاته لأعمال آخرين، وكلها منشورة في الصحف والمجلات، فقد كتب عن إصدارات سردية وشعرية لأحلام بشارات وسماء عيسى وأيمن شرباتي وجمال زقوت وحنان بكير وغيرهم الكثيرين، ونشر عددا من الرسائل بينه وبين كتاب وكاتبات، وعددا من الحوارات معه اجراها كتاب وصحفيون.

نتلقى كتب الأستاذ الكبير بفرح، ونشعر بفخر ونحن نراه ما زال وفيا للكتابة ومؤمنا بتأثيرها، وبقدرتها على العلاج والمقاومة. والجميل هو أن هذه الغزارة ليست على حساب المستوى، فهذا المعلم يعرف تماما كيف يعطينا الحكاية تلو الحكاية دون أن نسأم أو نتعب، أتراها لعنة أم نعمة أن يواصل الفلسطيني هذه الغزارة الإبداعية، في زمن فلسطيني لم يعد مفهوما أبدا؟

أطال الله في عمر محمود شقير.

Image