No Image
ثقافة

كتب للناشئين ليفهم جيل ابنته: إبراهيم فرغلي: لست صوتا في جوقة

04 يونيو 2023
04 يونيو 2023

رغم أنه أصدر 17 كتابا، حتى الآن، إلا أن الروائي المصري إبراهيم فرغلي لا يعتبر نفسه كاتبا غزيرا، ربما لأنه يعتقد أنه كاتب رواية في المقام الأول، وهو لم يصدر سوى سبعة روايات، والكتب العشرة الأخرى تتنوع بين القصة وأدب اليافعين والرحلات.

هذه الأعمال كلها كافح فرغلي ليجد لها وقتا، أثناء انشغاله بالرزق مثل غالبية الكتَّاب العرب، ويأمل أن يأتي الوقت الذي يستطيع أن يحقق فيه أمله بإنجاز ما يسميه بـ "الكتاب الحلم"، فهو يرى أن كل ما أصدره إلى الآن مجرد تمارين للوصول إليه.

الحوار مع إبراهيم فرغلي لا تنقصه الصراحة، فهو كاتب صاحب مواقف سياسية واضحة، ولا يضيره أن يخسره أحدهم، بل يرى أن ذلك الشخص يسقط بالتبعية في "اختبار الاختلاف". يتحدث إبراهيم هنا عن كتبه وصداقاته ومدنه وأبوته وأحلامه لنفسه كإنسان وكاتب.

.............................

* أصدرت مجموعتك الأولى "باتجاه المآقي" عام 97، أي أنه مر أكثر من ربع قرن على نشر أول كتاب لك.. كيف تنظر خلفك؟ هل أنت راض عن رحلتك مع الكتابة؟

- مسألة الرضا مسألة يصعب حسمها. ولا أظنني سأرضى عما أكتب من منطق أن البحث عن الكمال غاية لا يمكن الوصول إليها، ولكنها تظل موضع رجاء وأمل. أظن أن ما كتبته، يمثل شغفي في تجارب سردية أحببت أن أخوضها، لكني أتعامل مع كل هذه التجارب باعتبارها محاولات لكتابة الكتاب الحلم الذي أسعى لكتابته، من دون أن أمتلك صورة محددة واضحة لما ينبغي أن يكون عليه. هو الكتاب الكامل الذي أسعى لكتابته يوما. وعزائي إذا أخفقت في إنجاز هذا الكتاب الحلم أنني لم أتنازل عن شرف المحاولة، على مدى ربع قرن حتى الآن.

* عدد رواياتك أكثر من عدد مجموعاتك القصصية.. هل هذا يشير إلى ميلك أكثر للرواية أم أن التجربة هي ما تفرض شكلها؟

- أنتمي لجيل كان يرى في القصة موضوعا سرديا شديد الفنية، ففن القص يبدو أسهل من الرواية نظريا، لكنه فن شديد الخصوصية، وفي جيلي لم يكن واردا أن يبدأ الكاتب بكتابة رواية قبل أن يجرب نفسه في السرد القصصي، بل وقبل أن يحظى بالاعتراف بجودة نصوصه القصصية. كانت الدوريات تحتفي بالقصص، وكنا نقتنيها بحثا عن متعة قراءة نصوص لأسماء مثل محمد المخزنجي، خيري شلبي، إدوار الخراط، فاروق خورشيد، إبراهيم فهمي وغيرهم. إضافة لقراءة كتب قصصية لأساطين كتابة القصة مثل يوسف إدريس. وكانت مقاربة الرواية عملا مهيبا، لم أتمكن منه إلا بعد أن اطمأننت لأسلوب اعتقدت أنه يمنح سردي صوتا مختلفا. لكن التأكيد على استخدام أسلوب خاص في بناء الرواية مثَّل لي تحديا جديدا جعلني أعكف على الرواية لفترة.

* تنتمي إلى جيل التسعينيات الذي اهتم في الرواية والشعر بالتفاصيل اليومية، لكنك اخترت جانبا مختلفا إذ طغى الخيالي أو فلنقل إنك مزجت الخيالي بالواقعي في أعمالك.. هل ترى أنك غريب في جيل التسعينيات؟

- أحب دائما ألا أنتمي لجماعة، وهذا درس تعلمته مبكرا من نجيب محفوظ. أن تكون مستقلا بالمعنى الحقيقي يعني ألا تكون محسوبا أبدا على تيار سياسي أو إيديولوجي، وأضيف؛ ولا جيل أدبي. مؤكد أن ثمة مشتركات تجمعني مع الجيل الذي أنتمي إليه، لكنني لم أركن لما ساد في مطلع التسعينيات من تنظيرات لكتابة هذا الجيل، والذي لاح من خلال كتَّاب أنجزوا عملا مشتركا بعنوان "خيوط على دوائر". أفضِّل مثلا أن يمتزج الواقعي المباشر اليومي بالخيالي الغريب والعجائبي. أحب أن أحقن الكتابة بالفكر الممتزج بالمشاعر معا، وبالجدية والصدق في التفكير أكثر من استعراض عملية التفكير. لم أكن مهتما بالإعلان بأنني مغرد من خارج السرب. بل انشغلت باختلاق أسلوب خاص، ليس صوتا في جوقة بل صوتا يطمع لشيء من الفرادة. اقترحت من خلال مزج الواقعي بالخيالي ما تصورت أنه أسلوب خاص بي، يمنح السرد صوتا مختلفا عن السائد. وهذا شرف أحب أن أدعيه. لكني، من جهة أخرى، أشترك مع جيل التسعينيات في محاولات التجديد السردية، وفي التخلي عن الخطابات المباشرة وعن الإيديولوجي والسياسي، أو ما كان يسمى بالقضايا الكبرى. أنتمي لجيل التسعينات في محاولة إحياء القضايا الكبرى من خلال تفاصيل الحياة اليومية الصغيرة كما لاح في أول كتبي "باتجاه المآقي".

* ما الرؤية التي جعلتك تهتم بالخيالي أو العجائبي؟

- من المؤكد أن ثمة تأثيرات عديدة لها علاقة بالطفولة والنشأة في طبيعة مثل الطبيعة العمانية التي تسود بها جبال وكهوف قريبة من سواحل الخليج أو مغطاة بالشجيرات أو محاطة بها، هذا من جهة، ثم بالتراث الذي يمتح من الخيال العجيب، وكنت قد أحببت الأساطير في القراءات المبكرة، ثم بقصص التراث وألف ليلة وليلة. لكني أذكر أنني كنت أشعر بالاستفزاز من ربط ما عرف بالواقعية السحرية بأدب أمريكا اللاتينية. كان هذا الربط مدهشا لأنني كنت أعتقد أن مصدر الواقعية السحرية كان، بلا شك، ألف ليلة وليلة. وأذكر أنني أيضا شعرت بالاستفزاز عندما قرأت رواية "صخب البحيرة" للكاتب الراحل محمد البساطي، وهي من الروايات التي أحببتها كثيرا، لأنها كانت رواية لها هذا الطابع السحري والغريب، لكنه بشكل ما كان يبدو أقرب لواقعية سحرية مستعارة من الغرب أو من أجواء أمريكا اللاتينية، أو على الأقل كان ذلك شعوري. وأذكر أنني كنت في مسقط آنذاك وكتبت للأستاذة فريدة النقاش، والتي أدين لها بفضل نشر أولى قصصي في مجلة "أدب ونقد" خطابا، ذكرت فيه طموحي لكي أكتب رواية واقعية سحرية مصرية. أظن أنني كنت مشغولا بالفكرة قبل أن أبدأ كتابة الرواية، وكان لهذا الطموح إرهاصات حتى في كتابة القصة لعلها برزت في قصة "فراشات" التي اختتمت بها أول كتبي "باتجاه المآقي" وبدأت بها أولى رواياتي "كهف الفراشات".

* بطل روايتك "قارئة القطار" يفاجأ بأن القطار يفرغ من ركابه ولا يتوقف في أي محطة، بل إن البطل ينسى كل شيء عن هويته، اسمه وحياته وسبب رحلته، وتتحول ذاكرته إلى صفحة بيضاء.. هل يمكن اعتبارها رواية عن الهوية الضائعة التي يبحث عنها الفرد في المجتمعات الجديدة؟

- صحيح، هي رواية بحث عن ذاكرة فردية مفقودة، لكنها تحيل على الذاكرة الجماعية من جهة أخرى. لأن الفرد إذا فقد ذاكرته يفقد هويته، وبالتالي فإذا فقد المجتمع ذاكرته يفقد هويته. ونحن اليوم نعيش مرحلة غريبة من التشوش الفكري للأفراد، مرحلة ترى فيها البعض إما يريد أن يفرض هوية وحيدة على كامل المجتمع مثل الإسلام السياسي، أو ترى من يقوم، وكنوع من رد الفعل على الإسلام السياسي، بتقديم هوية مصر القديمة كهوية وحيدة ونقية، وما بين هذا وذاك نرى الكثير من الأفكار المشوشة. في حالة البحث عن حقيقة هويتنا، المصرية القديمة، القبطية، الإسلامية، العربية، الإفريقية، وحقيقة تاريخنا جاءت "قارئة القطار" لتعبر عن ذلك بأشكال رمزية مختلفة.

* في روايتك "أبناء الجبلاوي" تختفي كل كتب نجيب محفوظ وتظهر بعض شخصيات رواياته في الشوارع.. لماذا اخترت محفوظ على وجه التحديد؟ وهل كان هناك بديل آخر له في ذهنك؟

- استكمالا لفكرة الذاكرة المخاتلة، أقول أنني بالفعل نسيت اللحظة التي انبثقت فيها فكرة "أبناء الجبلاوي" الخاصة باختفاء كتب نجيب محفوظ. كان لديَّ فكرة خطاط لقيط يبحث عن أبيه، وقد أحببت أن أكتب عنه وعن قصة بحثه عن الأب. ثم ضاع المخطوط مني، مع الأسف، ولم أتمكن من العثور عليه، وقررت إعادة كتابة النص من الذاكرة فجاء على هذا النحو. اخترت محفوظ لأنه الروائي الأكثر رسوخا في تاريخنا الأدبي المعاصر، وهو الكاتب الوحيد الذي يمكن القول أنه منح النص العربي المعاصر شارة "العالمية"، وبالتالي هو أيقونة الاعتراف بأهمية الأدب العربي المعاصر. وشخصيات محفوظ الأدبية هي أشهر شخصيات في الأدب المعاصر بلا استثناء تقريبا. لم يكن له بديل في خيالي.

* أعمالك فيها كم كبير من المعلومات أو فلنقل بشكل أدق المعرفة.. ما الفلسفة التي تحكم مزجك المعرفي بالأدبي؟

- أقول دائما إن الرواية "كتاب معرفة"، وهي أيضا كتاب فكر وفلسفة، ولكنه يطبق الفكرة على نماذج بشرية حية، ولهذا أتبنى آراء تبدو متعنتة للبعض حول الرواية، وأشعر بالضيق الشديد لخلط البعض بين "الحواديت" والروايات، أو خلط بعض الهواة ما بين الثرثرة بلسان الحياة اليومية وبين لغة الرواية التي ينبغي أن تتناسب تماما مع معايير "شعرية اللغة الأدبية"، ومع كون الرواية نصا فلسفيا معرفيا في المقام الأول.

* كيف تشعر بتقدمك في العمر بعد أن وصلت إلى الخامسة والخمسين؟

- أعتقد أن السنوات الخمس التي تلحق بالخمسين من أكثر سنوات العمر مخاتلة، حيث تبدأ عوارض كبر العمر، وهي سنوات مربكة، فلا تعرف هل تحافظ على رباطة جأشك وتمضي بنفس إيقاعك فيما تخطط له، أم أن بعض تجاعيد الوجه تعني أن تغير قليلا في إيقاعك؟ كما أنها مربكة لأنها كثيرا ما تجعلك تتأمل مسيرة حياتك، وتحاول أن تتأكد من ذاكرتك، ومعرفتك بنفسك. وهي مرحلة أيضا كما يبدو لي تتيح لك تأمل واستيعاب ملامح فشلك أو نجاحك. أظن هذا العمر أيضا هو العمر الذي يمكن أن تتوفر فيه للكتابة مرحلة أكثر نضحا.

* أنت كاتب غزير الإنتاج.. ما الذي تشير إليه هذه الغزارة، وهل لها علاقة بمحاولة السير على خطى أساتذتك كمحفوظ وجمال الغيطاني؟

- حين تأملت كلماتك قلت لنفسي غزير الإنتاج؟ أنا لم أكتب سوى سبع روايات فقط. ثم ابتسمت حين تداركت وتذكرت أن هناك عشرة كتب أخرى بين القصة وروايات اليافعين، وقصص الأطفال، وكتب الرحلات. كما لو أن وعيي يرى الإنتاج الحقيقي الذي يمثل مشروعي هو الرواية للكبار. وبهذا الوعي أرى أنني لست غزير الإنتاج مقارنة بمحفوظ أو الغيطاني، إطلاقا. أظن أن المعيار الوحيد هو السؤال الفني الذي أريد اختباره، وكم رواية تصلح لكي تجيب على أسئلتي.

* كتبت للناشئين بسبب ابنتك الكبرى ليلى.. هل جعلك ذلك أقرب فهما لها؟

- كتبت بالفعل للناشئين أملا في سد ثغرة في مكتبة اليافعين العربية الفقيرة بإلهام من رغبة ابنتي في القراءة التي لم تجد ما يحققها لها سوى في الكتب الأجنبية بسبب فقر المكتبة العربية. لكن العلاقة بين الأجيال معقدة، وأظن أن الفجوة بين جيلنا الذي يعد آخر الأجيال التقليدية مع الأجيال التي نشأت مع الإنترنت والتكنولوجيا فجوة يصعب استيعابها من كلا الطرفين. وربما العكس صحيح، كتبت من أجل محاولة فهم هذا الجيل.

* وما الذي منحته إليك الأبوة ككاتب؟

- أظن أن الأبوة تفسر الكثير مما لم نكن نعرفه عن أهلنا. وتتسبب في أن تفسر لنا حياة آبائنا، وتجعلنا أكثر فهما لهم وتعاطفا معهم، وإدراكا لما بذلوه. حين يكتب الكاتب كابن ثائر على أبيه، يكتب كغرير يبحث عن شماعة لتعليق عقده النفسية وأزماته وإخفاقاته على طرف آخر، وليكن الأب مثلا. وحين يغدو الأب كاتبا، يحاول أن يكتب عن الأب بشكل أكثر واقعية، وأكثر تعاطفا وفهما.

* لديك تأثر كبير بالمكان، ما الذي أضافته لك عمان على المستوى الروحي وهل تفتقدها حاليا؟

- كل سفر لعُمان كان بالنسبة لي عودة لموطن الطفولة، مهما تغيرت، أو ازدحمت، بالإضافة إلى أنها موطن أصدقاء طفولة وأصدقاء عائلة نشأنا معا واستمرت علاقتنا على مدى الزمن، وهم بمثابة أهل، وبعض أعز الأصدقاء حرفيا، وبالتالي لا شك أنني أفتقدها باستمرار. أحيانا أفكر هل المساحة التي منحتها لنفسي لكي أتأمل العالم وأبدو منطويا، ميالا للوحدة والمشي على الشاطئ بين الجبل والبحر، خلال الطفولة والصبا وربما المراهقة، هو ما خلق روح التأمل عندي، أم أن هذا الطابع الشخصي هو الذي جعلني أفضل اللجوء للطبيعة؟ لا أعرف، لكن الحياة بالقرب من الجبال لا يمكنها إلا أن تخلق علاقة مع الطبيعة، وأسئلة عن معنى الحياة، وعن الكائنات التي لا تظهر إلا في الليل، بينها العقارب والثعالب والحيات. وعن الوديان التي تعد في المقام الأول مسارا محتملا لسيول الماء في حالات المطر، وعن طبيعة البشر الذين عاشوا في هذه الطبيعة. هناك جانب آخر في عمان له خصوصية شديدة مثل الأفلاج أو القنوات المائية القادمة من الجبال، وأيضا القرى الريفية التي تتمتع بهدوء عجيب ليس معهودا في المناطق الريفية. مما يمنحها مزيجا من الغموض والسحر.

* وما المختلف بينها وبين الكويت؟

- الكويت على صغرها تجمع الكثير من الاختلافات، بل والمتناقضات أحيانا. تجد بها مجتمعات عصرية متحضرة، وأيضا توجد بيئات بدوية، الأزياء عصرية وحداثية، أو تقليدية، وبشكل عام يعد الشعب الكويتي الأكثر انفتاحا بين شعوب الخليج. وصحيح أن مدينة الكويت تتمتع بساحل يمتد على امتداد المدينة مما يمنحها طابعا مريحا نفسيا، لكن الأرض فيها مسطحة، ولا توجد سواتر طبيعية مثل الجبال أو الأشجار حولها، وبالتالي تتعرض للرياح والغبار بين آن وآخر. وهذا الطقس المتقلقل له أثر كبير في الحياة اليومية. وخارج المدينة تمتد مساحات الصحراء التي يحب أهل الكويت أن يخيموا فيها أو يقضون الإجازات. أعتقد أيضا أن الكويت تتوفر فيها أجواء للكثير من الفعاليات الفنية والثقافية.

* وكيف ترى التغير الذي يلحق بالقاهرة حينما تعود إليها في إجازات؟

- القاهرة عندي جميلة جميلات بلاد الدنيا، وهذه ليست رومانسية، لكنه بالفعل رأي واقعي. والحقيقة أنني أثناء الثورة كنت أقول لو وجدت في مصر طريقا مثل طرق العالم المحترمة فهذا يعني أن الثورة نجحت، لكننا اليوم نرى ما هو أكثر من هذا بكثير. أنا سعيد جدا بالتطورات التي تشهدها القاهرة والتغيرات التي تحدث فيها لأنها تحقق أول طريقة تفكير ترى ما بعد 50 عاما في تاريخنا المعاصر. هناك أيضا تغيرات اجتماعية أخرى كثيرة مرتبطة بالتغيرات التي نمر بها.

* حصلت على عدد كبير من الجوائز فما الذي يعنيه لك هذا؟

- الجوائز ربما هي نوع من التقدير يعوض قلة المقروئية أو عدم وجود كتبي لدى ناشر واحد كما كنت أحلم دوما.

* من الكتّاب الأقرب إلى ذائقتك من جيلك ولماذا؟

- على مستوى الذائقة هناك كتابة مصطفى ذكري لأنها نوع أدبي قائم بذاته، خارج التصنيف، وغير قابل للتقليد. وطارق إمام لأنه مجرب وحداثي وصاحب خيال فذ ولغة خاصة، وأعمال ياسر عبد الحافظ لأنها أيضا غير تقليدية. هذا على مستوى الذائقة، لكنَّ هناك أعمالا أخرى كثيرة من جيلي أحبها جدا.

* الملاحظ أنك حاد في آرائك السياسية ألا تفكر في أن تلك الحدة قد تفقدك بعض الأشخاص؟

- ولماذا يرى بعض الأشخاص أن "فقد" أو معاداة أو كراهية أو مقاطعة المختلف في الرأي مسألة طبيعية؟ هل الحدة في التعبير عن الرأي هي المشكلة أم الرأي نفسه؟ والأحرى السؤال هل المشكلة في الحدة أم في التطرف الذي يجعل الشخص الذي يعتنق رأيا سياسيا يرى فيه حياته وموته؟ الاختلافات السياسية مسألة طبيعية جدا، وبالمناسبة أنا حاد أيضا في الدفاع عن اللغة العربية مثلا، أو في انتقاد بعض الظواهر في الثقافة المصرية أو لدى المثقفين. وفي انتقاد سلوكيات مزيفة لمثقفين يريدون التكسب بها وادعاء بطولات وهمية وهم أبناء مؤسسات حكومية أساسا. أبناء المؤسسات حرفيا. أنا أكره الزيف والكذب. وهذه مواقف، فأنا أعبر عن قناعاتي وبموضوعية وليس دفاعا عن مصالح. والحقيقة أن غير الطبيعي أن يؤدي هذا الاختلاف بالبعض لتحويله إلى وسيلة للمقاطعة والعداوة. هل يجب علي أن أغير قناعاتي لكي أكسب رضا المختلفين معي؟ هل يجب عليَّ قبول الوصاية؟ وماذا عمن أختلف معهم ولم أفقدهم رغم الحدة التي تشير إليها؟ ألا يعني ذلك أن من تصفهم بأني فقدتهم كانوا يحتاجون لاختبار كالاختلاف السياسي لكي أعرف حقيقتهم وحقيقة الديكتاتوريات الصغيرة الماثلة في دواخلهم وأنجو بنفسي؟

* وكيف تخطط لحياتك كإنسان وكاتب خلال السنوات المقبلة؟

- أعتقد أن حياتي العملية كلها كانت حربا طويلة بين محاولة تدبير الرزق وإعالة أسرتي، وبين المكافحة لإيجاد وقت مناسب للكتابة. هذا أكثر ما يشعرني بأن الكاتب العربي مظلوم من الظروف التي لا يمكنها أن توفر له سبل الرزق التي تتناغم مع الوقت اللازم للكتابة. لا أستطيع أن أحلم بأن أنتظر أن تحدث معجزة تتحول فيها ظروف الكُتّاب لتتشابه مع الحد الأدنى من أوضاع الكتاب في الغرب، لكني أتمنى أن تحنو عليَّ الأيام لكي أفي بالتزاماتي أمام أسرتي، من دون أن أظلم حقوقي على الكتابة وعلى النصوص التي آمل أن أنجزها بالجودة التي أتوق إليها وبالمتعة التي تعوض مشقة فعل الكتابة.